رهن مراقبون فلسطينيون فرص نجاح الاجتماع الخماسي الذي عقد في مدينة شرم الشيخ المصرية قبل يومين بهدف خفض التوتر بين الفلسطينيين وإسرائيل، بمدى التزام الأخيرة بتنفيذ تعهداتها. وضم الاجتماع الخماسي في شرم الشيخ ممثلين عن كل من السلطة الفلسطينية وإسرائيل ومصر والأردن والولايات المتحدة الأمريكية وهو الثاني من نوعه بعد الاجتماع الذي عقد في مدينة العقبة الأردنية في 26 فبراير الماضي. وأكد بيان ختامي للاجتماع "التزام المشاركين بتعزيز الأمن والاستقرار والسلام للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء"، وأقر بضرورة تحقيق التهدئة على الأرض والحيلولة "دون وقوع مزيد من العنف". وجددت السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية استعدادهما والتزامهما المشترك بالتحرك بشكل فوري لإنهاء الإجراءات الأحادية لفترة من 3 إلى 6 أشهر و"التزامهما الراسخ بكافة الاتفاقيات السابقة بينهما"، بحسب البيان. وتعقيبا على الاجتماع قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، إن "مفاوضات شرم الشيخ اتسمت بالصعوبة أمام تمسك الوفد الفلسطيني بموقفه الثابت برفض الخوض بأي مسار أمني أو اقتصادي قبل الوصول لاتفاق سياسي تلتزم إسرائيل من خلاله بوقف الإجراءات الأحادية كافة". وأضاف الشيخ، الذي ترأس الوفد الفلسطيني للاجتماع في بيان أمس (الاثنين) أن "تقدما حصل في بعض القضايا والمسارات، ومازال هناك بعض الملفات العالقة والمختلف عليها"، دون الكشف عن المزيد من التفاصيل. وتأتي هذه الجهود في ظل تصاعد حدة التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ما أدى إلى مقتل 89 فلسطينيا برصاص إسرائيلي، مقابل مقتل 15 شخصا في إسرائيل نتيجة هجمات فلسطينية منذ بداية العام الجاري. مخاوف الفشل تخيم على فرص النجاح وعقب الكاتب والمحلل السياسي من رام الله جهاد حرب، بأن نجاح وفشل الجهود المبذولة لتخفيف حدة التوتر في الأراضي الفلسطينية مرهون بمدى التزام الحكومة الإسرائيلية اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو، بتنفيذ تعهداتها بمخرجات اجتماعي شرم الشيخ والعقبة. وأوضح حرب لوكالة أنباء ((شينخوا)) أن الالتزامات المترتبة على الحكومة الإسرائيلية تتمثل بوقف البناء الاستيطاني وتحويل أموال الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية، وإنهاء إجراءات التضييق بحق الأسرى الفلسطينيين ووقف الاقتحامات للمدن والبلدات وعمليات القتل للفلسطينيين، فضلا عن وقف اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى. وأضاف أن السلطة الفلسطينية حال حصولها على بعض الالتزامات والتعهدات تستطيع من خلالها توفير أجواء أكثر سلاسة بشأن حياة الفلسطينيين، وهي تحتاج في كافة القضايا تخفيف الإجراءات الإسرائيلية خاصة مع اقتراب حلول شهر رمضان. وأشار حرب إلى أن السلطة الفلسطينية تنظر بعين الرضا للقيادتين المصرية والأردنية "لأنهما يستشعران الخطر القادم خاصة في ظل حكومة إسرائيل اليمينية وتحاولان تخفيف حدة التوتر في الأراضي الفلسطينية كي لا تتطور الظروف إلى خطر داهم على الفلسطينيين". لكن المشكلة أنه لا توجد أي ضمانات لدى أي طرف من الأطراف العربية والأمريكية بالتزام إسرائيل "لأنها بالعادة لم تلتزم بالاتفاقيات الموقعة مع السلطة الفلسطينية على مدار 30 عاما الماضية ولم تلتزم بأي تعهد قدمته لتخفيف التوتر"، بحسب حرب. وتوقفت محادثات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل منذ عام 2014، في وقت حذر المسؤولون الفلسطينيون من أن استمرار الفراغ السياسي يؤدي إلى توسيع دائرة الصراع وتصعيد التوتر الميداني. "إسرائيل غير معنية بالتهدئة" ويستبعد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس أحمد رفيق عوض، أن تسهم اجتماعات شرم الشيخ المصرية والعقبة الأردنية في تخفيف حدة التوتر القائم في الأراضي الفلسطينية بسبب "عدم احترام إسرائيل ما تلتزم به". وقال عوض لـ(شينخوا) إن الفلسطينيين هم أصحاب المصلحة في تحقيق التهدئة "لكن هذا ليس في مصلحة حكومة إسرائيل التي تعاني من أزمة داخلية خطيرة وتدهور سمعتها على المستوى الدولي". وأضاف أن "إسرائيل لا تظهر مؤشرات على احترام وتنفيذ ما تلتزم به لأنها قتلت نحو 24 فلسطينيا ما بين اجتماع العقبة وشرم الشيخ وواصلت عمليات اقتحام المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية وشرعنة البؤر الاستيطانية". وحذر من أن إجراءات وممارسات إسرائيل اليومية "تخلق ردة فعل لدى الشباب الفلسطيني، وبالتالي تهدئة الأوضاع على الأرض لن تكون قائمة قبل أن يتوقف الجانب الإسرائيلي عن كافة الأعمال أحادية الجانب". وخلص عوض إلى أن إسرائيل مطالبة بإبداء "حسن نوايا من خلال وقف جميع إجراءاتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية حتى لا تنزلق الأوضاع إلى مزيد من التوتر خاصة مع اقتراب حلول شهر رمضان نهاية الأسبوع". وتواصل فصائل فلسطينية معارضة إطلاق دعوات لتصعيد الهجمات الشعبية والمسلحة ضد أهداف إسرائيلية كرد على سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية المشكلة من أحزاب دينية وقومية توصف بالمتطرفة. ويأتي ذلك في وقت تنامي فيه منذ نحو عام زخم ظهور جماعات مسلحة في الضفة الغربية لاسيما في جنين ونابلس، تبنت سلسلة واسعة من الهجمات المسلحة في وتيرة هي الأعلى منذ سنوات. وحذرت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) على لسان نائب قائد أركانها مروان عيسى، الأسبوع الماضي من أن الأيام القادمة "حبلى بالأحداث" وأن الأولوية لتصعيد "المقاومة" في الضفة الغربية. وجاءت هذه التصريحات وسط تحذيرات من ازدياد التوترات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خاصة في مدينة القدس والمسجد الأقصى الأيام المقبلة التي تجمع شهر رمضان مع عيد الفصح اليهودي. تركيز التحذيرات على شهر رمضان وقال الكاتب والمحلل السياسي من غزة طلال عوكل، لـ (شينخوا) إن الفلسطينيين يتوجهون إلى المسجد الأقصى بعشرات الآلاف خلال شهر رمضان لأداء الصلاة والاعتكاف في رحابه "ما يؤكد لإسرائيل بأن الأقصى لن يكون إلا فلسطينيا". ورأى عوكل أن إسرائيل "تتعمد وضع العراقيل أمام مرور الفلسطينيين الراغبين في الوصول إلى المسجد الأقصى، وتحدد أعمار من يحق لهم ذلك، بما لا يسمح لعشرات الآلاف من الشباب، فضلاً عن سكان قطاع غزة بأداء وممارسة حقوقهم الدينية". وتتولد في شهر رمضان لدى الشباب شحنات إيمانية، بالإضافة إلى ما لديهم من شحنات وطنية، تدفعهم للتضحية في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، خاصة أن شهر رمضان يصادف بعض أعياد اليهود، بحسب عوكل. وهو يعتقد أن فرص نجاح اجتماعات شرم الشيخ والعقبة يكمن في ممارسة الضغط الدولي اللازم على الحكومة الإسرائيلية. وخلص عوكل إلى أن الفلسطينيين مطالبون بحوار يؤدي إلى توافق على كيفية التصرف إزاء "التصعيد الإسرائيلي بما يخدم القضية الفلسطينية والابتعاد عن أي مبادرة تصعيدية تعطي حكومة إسرائيل مبررا للقيام بحملات عدوانية أكبر للتغطية على ما تواجهه من أزمات داخلية". وتسببت حزمة إصلاحات قضائية تسعى لها الحكومة الإسرائيلية في اندلاع مظاهرات غير مسبوقة في الشوارع منذ أسابيع، وقوبلت بانتقادات دولية بوصفها تهديد لاستقلال النظام القضائي.
مشاركة :