قال كلاوس شواب، مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي، إن التقنيات الجريئة والجديدة وما تعرف بـ«الثورة الصناعية الرابعة»، هي ثورة ذات حدّين تحمل فرص ومخاطر من خلال ما يمكن أن تمدّ المجتمع من قدرات وتحمل له المخاطر الجسيمة. وبين البروفسور شواب، أن التقنيات الحديثة، بدءًا من الذكاء الاصطناعي والمركبات الذاتية، وحتى التكنولوجيا الحيويّة وبروتوكولات التجارة الإلكترونية (بلوك تشين Blockchain)، تؤدي إلى حدوث تغييرات كبيرة، وذلك على غرار ما أحدثته «الثورات» السابقة في مجالات البخار، والطاقة الكهربائية، والإلكترونيات. وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على هامش انطلاق القمة العالمية للحكومات في دبي اليوم، والتي تستمر على مدى ثلاثة أيام، أنه على الرغم من بعض المزايا المحتملة لهذه الثورة، بما في ذلك ما تقدمه من منافع بيئية، فإن مكامن القلق تتلخص فيما تشمل زيادة مستوى عدم المساواة، والتأثير على الحروب، وطريقة تفاعل المجتمعات فيما بينها. وتابع شواب: «ستكون الحكومات، في واقع الأمر، من بين أكثر المتأثرين بهذه الثورة الناشئة وما تحمله من تحديات، إذ ستحدث هذه التقنيات الحديثة تحولات في ميزان القوى بين القطاعات الصناعية، والجهات الحكوميّة وغير الحكوميّة، والبلدان، مع تقديمها فرصا جديدة للتواصل مع المواطنين، كذلك فإن أمور مثل الروبوتات والذكاء الاصطناعي والهندسة الوراثيّة سوف تثير معضلات أخلاقيّة وتنظيمية جديدة». وأشار مؤسس منتدى الاقتصاد العالمي إلى أنه على الحكومات إدراك ما يقع من تغيّرات، وأن تستعد للعمل المشترك عبر جميع القطاعات لضمان الحصول على الفرص التي توفرها «الثورة الصناعية الرابعة» وتقلّل من المخاطر المتعلقة بها، وقال إنه «من المستحيل أن نعرف تحديدًا مسار الثورة الصناعيّة الرابعة، لكن يمكننا الآن أن نرى ثلاثة مصادر للقلق. أولاً، عدم المساواة حيث أصدرت منظّمة أوكسفام تقريرًا عن اجتماعنا السنوي في دافوس الشهر الماضي، والذي وجد أنّ هناك 62 شخصًا يسيطرون على أصول تزيد عن تلك التي يملكها نصف سكان العالم الأكثر فقرًا، أي ما يقرب من 3.6 مليار شخص. وتابع شواب: «في الوقت الذي سيستفيد فيه الكثير من المستهلكين والمنتجين والمستثمرين من التقنيات الجديدة، فإنها قد تتسبب في زيادة مستوى عدم المساواة جرّاء ديناميكيّات المنصّات الرقميّة، وارتفاع معدلات البطالة، والانحياز للمهارات الذي يكافئ أصحاب المهارات العالية والمحظوظين. ومن واجبنا أن نمنع وقوع ذلك». وحول المصدر الثاني للقلق، حدده مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي أنه يكمن في الأمن، حيث إن التقنيات الحديثة تزيد من حجم الأساليب التي تستخدمها الحكومات، وكذلك الجهات التي لا تتبع دول بعينها، في شنّ الحروب. وأضاف: «إننا بحاجة ماسّة إلى العمل المشترك بين الدول من أجل وضع معايير عالميّة تحدّ من مخاطر استخدام التقنيات الحديثة في أعمال تهدّد الأمن البشريّ». واختتم مصادر القلق الثلاث في التأثير على الهويّات الفرديّة، وعلى المجتمعات، وعلى القدرة بالعيش معًا في سلام، ولفت إلى أنه لا تؤدي الزيادة في التواصل والترابط بالضرورة إلى وجهات نظر عالمية أكثر تنوّعًا واتساعًا، كذلك يشير التقدّم الذي تشهده الهندسة الوراثيّة إلى أن التطورات الجذرية للقدرات البشرية قد لا تكون متاحة إلا لهؤلاء القادرين على تحمّل التكلفة، الأمر الذي يهدد بزيادة المستويات الحالية من عدم المساواة وعدم الثقة والنزاعات، واستحداث أشكال جديدة. وزاد شواب: «يجب عدم النظر إلى التكنولوجيا أو ما يصاحبها من مشكلات باعتبارها قوى خارجيّة لا يمكن للإنسان التحكم بها، فكلّنا مسؤولون عن توجيه تطور هذه التقنيات من خلال ما نتخذه يوميًا من قرارات بصفتنا مواطنين، ومستهلكين ومستثمرين، وبالتالي يجب أن نستغل الفرصة والقوّة التي نملكها في رسم ملامح الثورة الصناعية الرابعة، وتوجيهها نحو مستقبل يعكس أهدافنا وقيمنا المشتركة». وحول الإضرار البيئية للثورة الصناعية الرابعة كتلك التي سببتها الثورتان الأولى والثانية، قال شواب: «لديّ أمل كبير في أن تكون الثورة الصناعية الرابعة هي الثورة الصناعية الأولى من نوعها التي تساهم في إحياء البيئة بدلاً من الإضرار بها، حيث إنه هو أحد أهم الوعود الكبيرة التي تقدمها التقنيات الحديثة، والمتمثل في أن وجود المزيد من أدوات المراقبة المتطورة والطرق الجديدة في التواصل والتحقق من البيانات وتبادلها بشفافية سيساعد الشركات والحكومات على الوصول إلى عالم (خالٍ من النفايات) بما يفسح المجال أمام تكاثر أنواع جديدة من الكائنات الحية». وعما يمكن أن تحدثه الثورة الصناعية الرابعة في مجال البطالة من خلال انتشار أجهزة الروبوت، قال مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي إن جميع الثورات الصناعية نجحت في توفير بعض الوظائف وتدمير البعض الآخر، لكن السؤال الأهم يتعلق بسرعة حدوث ذلك، وهناك الكثير من المؤشرات على قدرة الخوارزميات الحديثة على استبدال عدد كبير من الوظائف التي يعتقد أنها في مأمن من الأتمتة. وأضاف: «على سبيل المثال، تشير بعض الدراسات إلى أن الوظائف التي تواجه مخاطر تتعلق بالأتمتة خلال العقد أو العقدين المقبلين قد تشمل أكثر من 40 في المائة من العمالة الحالية في دولة مثل الولايات المتحدة، وذلك في الوقت الذي تتراجع فيه مساهمة القطاعات الصناعية الجديدة في توفير فرص العمل». وتابع شواب: «لكن ذلك لا يعني أبدًا أن الجيل القادم سيكون عاطلاً عن العمل بشكل كامل، حتى وإن تغير تعريف مفهوم (العمل) كثيرًا خلال السنوات المقبلة. لديّ إيمان قوي بروح ريادة الأعمال لدى الأجيال الشابة، والتي أراها دومًا في كل لقاء أحضره في المنتدى الاقتصادي العالمي. في الواقع، الشباب اليوم هم الأكثر قدرة على التكيف مع عصر (الثورة الصناعية الرابعة) والازدهار فيه، لذلك يجب علينا الاستثمار فيهم والثقة في أنهم سيستغلون ما يملكون من إبداع وطاقات في ابتكار أشكال جديدة تمامًا من القيم التي تعود بالنفع على العالم بأسره». وحول وضع منطقة الشرق الأوسط وسط الاضطرابات التي تعيشها، قال شواب إن «المنطقة تواجه تحديًا مزدوجًا خطيرًا، يتمثل في نشوب الصراعات، والهجرة القسرية واسعة النطاق، ومن المستحيل، في عالمنا المترابط، بناء اقتصادات شاملة وتحقيق نمو مستدام دون وضع الأبعاد الجيوسياسية والأمنية في الاعتبار». وأضاف أنه «من ناحية أخرى، فإنه من دون توافر فرص للعمل، وإمكانية الحصول على التعليم، والقيام بتغييرات لتحقيق النجاح في ريادة الأعمال، ستكون المنطقة بالكامل في مواجهة تحدٍ حقيقي من أجل تحقيق الاستقرار وإيقاف هجرة العقول، وأعتقد أن أداء جميع الحكومات حول العالم سيتم تقييمه من خلال نجاحها في وضع إطار عمل يسمح بتمكين جميع فئات المجتمع من المشاركة بشكل كامل في الفرص الاقتصادية المختلفة».
مشاركة :