معاناة جيل في 'فتيات الصيف الزرقاوات'

  • 3/22/2023
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الرواية الأولى للكاتبة الكندية ميكيلّا نيكول، والفائزة بجائزة فولتير الأدبية لعام 2022، العنوان بالترجمة الحرفية، "فتيات الصيف الزرقاوات"، أو بمعنى أدق"عاشقات الصيف". وتتناول الكاتبة في روايتها حياة فتاتين في اوائل العشرينات من عمريهما، تجدان صعوبة في الخروج من الطفولة ومواجهة حياة البالغين في المدينة وما فيها  من أزمات، فتتفقان على العودة إلى الكوخ الذي قضيتا فيه أشهر الصيف في عام مضى، وجمع ذكريات طفولتهما السعيدة في الغابة، مع الأشجار والأعشاب، شروق الشمس والبحيرة والقارب، الليل ونجومه. وتتناوب الفتاتان بضمير الأنا على رواية الأحداث بشكل متتابع حتى النهاية. كلارا، الشقراء، التي تعاني نوب الغضب والتمرد، والحزن على الفشل في الحب بعد أن تعرفت على شاب مرتبط بامرأة أخرى. وكلوي، السمراء النحيلة، التي تعيش في مصح نفسي، مسكونة بالقلق، وذات العلاقة المضطربة مع جسدها الذي تشعر بانحشارها فيه، وتعجز عن إقامة علاقة عاطفية مع أي شاب. تتذكر كلارا حبيبها "كان يشير بيده إلى النجوم، كنتُ لا أرى إلا إصبعه، أردتُ أن أفهم كيف ملك كل هذا الحبَّ المتجه إلى السماء"!. تتجاوزُ كلوي ألمها الذاتي لتروي بفرح ذكريات المراهقة مع صديقتها، وتشعر بالسلام والهدوء بعيدا عن مخاوف المشفى، وعواصف القلق. "تكمنُ قوتنا في الطفولة، قبل أن نبتلى بالأمراض ومخاوف الكبار". قبل نهاية الصيف، يظهر حبيب كلارا ليفسد الهدوء المخيم في نفس كلوي المريضة، ويعيد فتح الجرح في قلب كلارا، ويقرر أخيرا هجرانها نهائيا والعودة إلى حبيبته الأولى. في الجزء الثاني من الرواية، وبعد نهاية الصيف، تعود الصبيتان إلى حياتهما في المدينة، تعيش كلارا إلى نفس الأمكنة الضيقة، وتحملُ جرحها كسرٍّ غامض، تعترفُ بألمها وحزنها على فراق حبيبها. تحاول كلوي الاندماج في جامعتها، وتعمل كبائعة ملابس، وتوجب عليها مواجهة مخاوفها في مكان عملها المنار بأضواء النيون المشابهة للمشفى النفسي الذي أقامت فيه! تمرُّ لحظات من القلق على كلارا عندما تجري اختبار حمل ورغم سلبيته، تعتقد لفترة أنها حامل كرغبة عميقة بالاحتفاظ بشيء من حبيبها لكنها تدرك بعد فترة أنها فقدته للأبد. في محاولة أخيرة للاندماج مع الآخرين، تدعو الصديقتان عدة أشخاص إلى شقة كلارا، وبعد أن سهروا ورقصوا معا، يخرج أحد الشباب ويهدد بالانتحار وإلقاء نفسه من سطح إحدى الأبنية، لكن الشرطة تمنعه. ترى كلارا الانتحار" وسيلة لتدمير النفس، وبذات الوقت تخريب العالم". تعود مشاكل كلوي سريعا وتحسُّ من جديد بفقدان التوافق مع جسدها، وتتهمها مديرتها بارتكاب أخطاء في محاسبة الزبائن، ويغضب أهلها من سوء تحصيلها الدراسي. تتصل والدة كلوي بالمصح النفسي، وتطلب إعادتها إليه بعد تدهور وضعها ونحولها الشديد. في الجزء الثالث من الرواية، تتفق الصديقتان بعد أن أمضيتا أقل من شهرين في المدينة على العودة إلى كوخ الغابة دون انتظار الصيف هذه المرة، وتقدران أن الأول من تشرين الثاني سيكون موعدا مناسبا لذلك، وتنفذان خطتهما، وبعد وصولهما بقليل، تتناولان كمية كبيرة من الأدوية المنومة، تصعدان إلى قارب البحيرة وتنتهي حياتهما معا. هذه الرواية التي تدور أحداثها القليلة في شهور أربعة تقريبا و شخصيات معدودة، فحتى حبيب كلارا لا تذكر اسمه أبدا، تركزُ على هشاشة المراهقين، وصعوبة اندماجهم في مجتمع قاس، العلاقة المعقدة مع الجسد والمشاعر، وفقدان الدعم النفسي، وتبدو ذكريات الطفولة مهربا وحيدا من مواجهة حياة البالغين القاسية. يدفع فقدان الحب، والهشاشة العميقة الفتاتين إلى الموت، والمكان الذي كان ملاذا في الطفولة، ومهربا في المرة الثانية لم يفلح في أن يكون إلا مسرحا للنهاية الحزينة في آخر الرواية. تتأرجح الرواية بين النوع النفسي، والروايات الخاصة بالشباب والمراهقين، والكاتبة نفسها كانت بعمر بطلتيها حين أنهت كتابة روايتها كأنها تعبر عن معاناة جيلها، ولا يخفى أن بيئة الرواية مماثلة للمحيط الحقيقي للكاتبة في كندا الباردة، وكأغلب الروايات الأولى تندمج السيرة الذاتية لكتابها في أحداث وأفكار الرواية بوعي ظاهر أو كامن. ميكيلّا نيكول: كاتبة كندية، ولدت عام 1992، فتيات الصيف الزرقاوات هي روايتها الأولى، ولها ثلاث كتب أخرى، منها رواية أوج. 

مشاركة :