ربما تبنى الشاعر المفكر السوري علي أحمد سعيد (أدونيس) عبارة الرمز الحداثي السلف الشرعي لقصيدة النثر العربية محمد عبدالجبار النفّري «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة»، فاكتفى خلال زيارته للمملكة هذه الأيام بقوله: «أنا سعيد جداً، لدرجة أنني لا أعرف كيف أصف هذه السعادة»، ويبدو أنه تبنى قول أبي الطيب المتنبي في بيته الذائع: (أنامُ ملء عيوني عن شواردها، ويسهر الخلق جراها ويختصمُ).حلّ أدونيس ضيفاً على هيئة الأدب والنشر والترجمة، بالشراكة مع أكاديمية الشعر العربي، في شهر الشعر ويومه العالمي 21 مارس، وفي عام الشعر العربي، الذي سمّاه مجلس الوزراء السعودي، احتفاءً بالقيمة المحورية للشعر في الثقافة العربية، على امتداد تاريخ العرب، وانطلاقاً من أثر الجزيرة العربية التي كانت وما تزال موطناً للشعر والشعراء، ومصدراً لروائع أدبية ذات موقع راسخ في الحضارة الإنسانية، كما أكد وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان.ولا خلاف على أن مملكتنا اليوم، كسبت رهانها على الوعي، وتوالت مكتسبات الفكر والثقافة والفنون، بحكم أنها أرحب حلقات التواصل بين الأمم والشعوب، ما يعزز الانطباع بأن بلادنا غدت مقصداً لعشرات المفكرين والشعراء والفنانين، ليس آخرهم (أدونيس) وسيحل طيلة العام والأعوام القادمة ضيوفاً وأهل دار من النخب المبتهجة بما نحن اليوم عليه من تحولات، وتبني مناخات تسامحية تعيد ضبط بوصلتنا) في الاتجاه الصحيح لحركة التاريخ كما عبر أحد الإعلاميين العرب.غدت زيارة أدونيس للمملكة حدثاً تابعته القنوات، وتناولته نشرات إخبارية، وأثار جدلاً في مواقع التواصل بين تيّار حاد في نقده للزيارة والتنديد بها، وثانٍ شادٍ ومشيد بالفكرة ومن وراءها، وثالث هادئ وموضوعي، يؤكد أن السعودية انفتحت على كافة الأطياف بحُبّ ورحابة صدر، وتجاوز لكل الماضي، وإن كانت لا تنساه، إلا أن التسامي، والتطلع للأمام من شيم الكبار.ولم تنجح محاولات البعض تسييس الدعوة، كون استقبال أدونيس وزياراته للرياض، والعلا، والطائف، وجدة، لم تخرج قيد أنملة عن إطارها الثقافي، والإبداعي، وهذا مؤشر على استقلالية المؤسسات الثقافية، وإتاحة الفرصة لها لمزيد من تمتين العلاقات، وإرساء مفاهيم أحداث متواءمة مع رؤية المملكة التي فتحت مدنها وقراها لكل رموز العطاء الإنساني دون تمييز ولا تصنيف، ولا بكاء على أطلال الماضي، بل تبسُّم في وجه الحاضر والمستقبل.وبطبيعة الحال، لا يختلف اثنان على أن صاحب (الثابت والتحوّل) شخصية جدلية، ومتجددة في معطياتها، ما يتقاطع جذرياً مع المرحلة التي تعيشها المملكة، فالتحول الجذري لبلادنا ليس شكلياً، ولا اعتباطياً؛ بل ينطلق من دعائم تؤسّس للتواصل والتفاعل الإنساني، وهذا ما أكدته النخبة التي غصت بها قاعات تفاعلاً مع اسم وفكر وإبداع (أدونيس) الذي وإن اختلفنا مع بعض أو أكثر أطروحاته واصطفافاته، إلا أنه يظل رمزاً ثقافياً ومَعْلَماً كونياً، دون تصنيمٍ مجاني يرفضه (المفرد بصيغة الجمع).وعبّر الشاعر البحريني قاسم حداد عن ارتياحه الكبير للقاء بأدونيس في عاصمة الشعر (الطائف)، وقال هذه البداية تواصل أدونيس مع جمهوره في الرياض والطائف وجدة، وعده لقاءً جميلاً وإيجابياً، ما يمهد للقاء في مناطق أخرى، ولم يخفِ سعادته بالمشاركة في أمسية فعالة أدارها الشاعر محمد الحرز، وقال حداد لا شك أن الأكاديمية أحرزت إنجازاً كبيراً في هذا الموسم احتفاءً بيوم الشعر، وتطلّع لأن تكون دعوة النخب تأكيداً للدور الحضاري الذي تتبناه مؤسسات المملكة لإعلاء مكانة الشأن الثقافي.فيما رحب الناقد الدكتور سعيد السريحي بأدونيس قائلاً: «حين نضع زيارة أدونيس شاعراً وباحثاً، للمملكة في سياق انفتاحنا على العالم، انفتاحاً مدعوماً بثقتنا في أنفسنا ومعززاً برغبتنا في الحوار ومرتكزاً على الاعتراف بحق الآخر في الاختلاف، ندرك البعد الرمزي المهم لهذه الدعوة والزيارة».وعدّ الشاعر هاشم الجحدلي الثابت والمتحول في زيارة (أدونيس) للمملكة تلويحة محبة، وتطلّعاً أن تُثمر عن مشاريع ثقافية تكون منبتها المملكة، ويشارك فيها أدونيس مع كثيرين، ما يعني أن بلادنا سوف تكون مصدراً للمنتج الثقافي، ومحطة التقاء ثقافات العالم، إثر تحولنا إلى الإنتاج، ولم يعد دورنا التمويل فقط.< Previous PageNext Page >
مشاركة :