كعادة كل موسم رمضاني، أثار مسلسل بعنوان “فلوجة” يبث على قناة تونسية خاصة جدلا واسعا وقسّم التونسيين بين من أكد على ضرورة إيقافه وبين من اعتبر أن الأمر واقع ويجب إصلاحه. تونس - أثارت الحلقة الأولى من مسلسل “فلوجة” الذي بث على قناة الحوار التونسي الخاصة أول أيام رمضان جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي ووصل الأمر حد إحالته على رئاسة الجمهورية. ويصور المسلسل داخل أحد المعاهد التونسية (معهد رادس)، وأظهر في حلقته الأولى جوانب وخفايا الحياة المدرسية داخل المؤسسات التعليمية، وركزّ على ما يسودها من عنف وانحراف، كما تطرّق إلى ظاهرة انتشار ترويج واستهلاك المخدرات في المحيط المدرسي. ويبدو أن التلاميذ يطلقون على معهدهم اسم “الفلوجة” في إشارة إلى الفوضى والانتقام. واختلفت الآراء بين من اعتبر أنه يسوّق للانحطاط الأخلاقي وطالبوا بالإيقاف الفوري لهذا العمل الدرامي الذي وصفوه بالمبالغ فيه والمشجع على التفسخ الأخلاقي والتعدي على المؤسستين التربوية والأمنية، فيما رأى آخرون أنه جسّد واقع المؤسسات التعليمية وما يحدث داخلها، داعين إلى ضرورة تقبّل هذا الواقع والعمل على إصلاحه. وعارض فريق ثالث “صنصرة” (الرقابة) حرية الإبداع في عصر تيك توك. وأكد وزير التربية محمد علي البوغديري في تصريح الجمعة أن هذا العمل أساء إلى عموم المربين، وإلى المعهد التونسي كما ضرب صورة عملة التربية والقيّمين، كما أنه لا يعكس الصورة الحقيقية للتلميذ التونسي. واعتبر البوغديري أن ما عُرض يتنافى والأخلاق العائلية ولا علاقة له بشهر رمضان، ولا يعكس ما تقوم به الأسرة التربوية من عمل جاد وجبار من أجل إنقاذ المتعلمين. هشام السنوسي: تصريحات وزير التربية متسرعة جدا كما أنها سياسية جدا هشام السنوسي: تصريحات وزير التربية متسرعة جدا كما أنها سياسية جدا وأفاد وزير التربية بأنه اتصل برئيسة الحكومة نجلاء بودن التي عرضت بدورها الموضوع على رئيس الجمهورية قيس سعيد، مشيرا إلى لقاء على مستوى وزاري سيعقد لاتخاذ كل الإجراءات من أجل إيقاف “المهزلة” التي أساءت إلى التعليم التونسي في الوقت الذي تتجه فيه الحكومة لإعلان المجلس الأعلى للتربية “من أجل الإقلاع بالمستوى التربوي”. واعتبر عضو الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) هشام السنوسي من جانبه تصريحات الوزير “متسرعة جدا وسياسية جدا” إذ يجب على الدولة خلق ظروف لإنتاج الدراما في تونس. يذكر أن عددا من المحامين تقدموا بدعوى استعجالية أمام أنظار المحكمة الاستعجالية بتونس الجمعة للمطالبة بإيقاف بث المسلسل الرمضاني ”فلوجة”. وأدانت الجامعة العامة للتعليم الثانوي في بيان ما تضمنه المسلسل من إساءة اعتبرتها بالغة للمدرسات والمدرسين ولعموم الأسرة التربوية. ودعت الجامعة العامة للتعليم الثانوي وزارة التربية إلى فتح تحقيق جدي وعاجل في الظروف التي تم فيها الترخيص بتصوير هذا المسلسل خارج كل الضوابط القانونية مع ما شاب هذا الترخيص والمنتفعين به إداريا وقضائيا. كما دعت الهيئة العليا المستقلّة للاتّصال السّمعي والبصري (الهايكا) إلى اتخاذ ما يجب من إجراءات تجاه الإخلالات البيّنة التي قامت بها هذه القناة بعرضها لهذا العمل التلفزيوني دون احترام لما تنص عليه القوانين الجاري بها العمل (توقيت البث، عدم التنصيص على الفئة العمرية الموجهة إليها، المضامين الإعلانية الضمنية لمواد يمنع إعلانها). وطالبت الجامعة المندوب العام للطفولة بالتدخل الفوري لما تضمنه هذا العمل من مساس بحرمة الطفل الجسدية والنفسية وما يمكن أن يترتب عن مضامينه غير التربوية من انعكاسات على سلوكه ومساره التعليمي وتكوينه النفسي والذهني. بدوره قال الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي لسعد اليعقوبي في تدوينة نشرها على فيسبوك إن وزارة التربية وقّعت عقدا مع صاحب قناة الحوار التونسي وسمحت بتصوير المسلسل بمعهد رادس بعد أن حوّلوا اسمه إلى معهد بورقيبة مقابل التبرع ببعض أثاث التصوير للمعهد المذكور. وأضاف المسؤول النقابي “حذرنا وزير التربية السابق فتحي السلاوتي والذي اتضح أنه لم يكن علي علم بهذا العقد وأن مصالحه قامت بإمضاء الاتفاق دون إعلامه ولكن الوزير عاد ليؤكد أن المسلسل سيخضع لرقابة الوزارة وستتوجه إلى الهايكا لطلب منعه لمخالفته للعقد قبل حلول شهر رمضان.. وبدأ العرض دون رقابة ولا حساب، يبدو الأمر أكبر من مجرد بعض أثاث”. وسخر معلقون من تناقض التونسيين، إذ أن ما عرضه المسلسل واقع، فحتى المخدرات أصبحت “دليفري” والشيء الوحيد الذي يتفقون عليه أن يبقى الأمر سرا. وكتب الإعلامي التونسي سمير الوافي على فيسبوك: وأضاف في تدوينة أخرى “يهديك يا مواطن عندك اختراع اسمو تيليكوموند (ريموت كنترول)… إذا تقلقت على أخلاقك الحميدة غير القناة ورتّح أعصابك وتحكم في تلفزتك في منزلك.. لكن المواطن لا يغير يريد أن يتفرج ويسب ويلعن ويخاف على أولاده من مسلسل يدوم أسبوعين.. لأنهم طيلة عام كامل متربين ومتخلقين ومحترمين ويقراو (يدرسون) في معاهد مثالية والمسلسلات تشوه وتزيف في الواقع.. وتظلم في المجتمع وتجيب في المخدرات والفساد الأخلاقي من خيال السيناريست وإلا من مسلسلات المكسيك! رغم ذلك واصل آخرون إطلاق ما أسموه “صيحات الفزع” علة فيسبوك. وكتب معلق في هذا السياق: واعتبر الباحث في الإعلام صلاح الدين الدريدي: وتقول معلقة: وتحولت تونس بعد ثورة الـ14 من يناير 2011 إلى حقل خصب انتعشت فيه فنون الراب والهيب هوب التي تمجد استهلاك المخدرات والبلطجة والاغتصاب. وبفضل مواقع التواصل الاجتماعي برزت أسماء جديدة سيطرت على أمزجة قطاع عريض من الشباب. وباتت الفضائيات التونسية تبث مسلسلات تحتوي منسوبا مرتفعا من العنف على غرار مسلسلي “أولاد مفيدة” و”الفوندو” على قناة الحوار التونسي و”علي شورّب” على قناة التاسعة. وحازت تلك المسلسلات على شعبية واسعة وحققت نجاحا كبيرا، خاصة أن الشباب دون سن العشرين عادة ما يكونون ضحايا لما يبثه التلفزيون من مشاهد عنف. وكثيرا ما يستفز اختيار شخصيات منحرفة اشتهرت بإثارة الرعب بين الناس لتكون أبطال مسلسلات تلفزيونية في شهر رمضان كثيرا من التونسيين ليتخذوا مواقع التواصل الاجتماعي ساحة للتعبير عن غضبهم واستهجانهم لهذه النوعية من المسلسلات. كما باتت بعض البرامج التي تحظى بمتابعة عالية على التلفزيون وعلى مواقع التواصل الاجتماعي منبرا للترويج للعنف. ويساهم تمجيد المُجرمين في تهيئة المناخ لشيوع ثقافة العنف. ويملك الفنانون قدرة هائلة على التأثير في الجماهير، حتى لو كان الأمر خارج إطار الفن، ويثمّن الجمهور ما يصله عبر المشاهير عموما.
مشاركة :