باريس- رغم قصتها المتمحورة حول أحد فصول الحرب الباردة قبل نصف قرن، يعبر عمل “نيكسون إن تشاينا” (نيكسون في الصين) الأوبرالي، الذي انطلق عرضه في باريس السبت، بصورة لافتة عن الوضع الحالي في العالم، في ظل التوترات المتزايدة بين واشنطن وبكين. هذا العمل الذي ابتُكر سنة 1987، بعد خمسة عشر عاما من زيارة تاريخية أجراها الرئيس الأميركي إلى الصين، أثار الجدل في بداياته، قبل أن يصبح من كلاسيكيات الأوبرا في الولايات المتحدة. وبعد ستة وثلاثين عاما، يُعرض العمل في ما لا يقل عن خمس دور أوبرا في أوروبا. وتقول رينيه فليمينغ، إحدى أشهر السوبرانو الأميركيات، في تصريح لها “يؤخذ العمل على محمل الجد في أيامنا هذه بصورة أكبر نظرا إلى أننا نسمع بالصين والولايات المتحدة في نشرات الأخبار يوميا، في مؤشر على هشاشة السلام العالمي”. بوكس وتؤدي النجمة للمرة الأولى دور بات نيكسون، زوجة الرئيس، مرتدية على الخشبة معطفا أحمر شبيها بالرداء الشهير الذي ارتدته السيدة الأولى آنذاك خلال الزيارة. وإلى جانبها يؤدي مواطنها الباريتون توماس هامبسون بصورة مقنعة للغاية شخصية ريتشارد نيكسون. وقبل العرض العام، خلال التمرينات النهائية التي تزامنت الاثنين الماضي مع زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى موسكو، تقاطعت هذه الأوبرا -التي كتبت نصها أليس غودمان- بصورة لافتة مع الأحداث الحالية في العالم. وجاء في نص غناه مؤدي شخصية تشو إنلاي (رئيس وزراء الصين في عهد ماو تسي تونغ)، متوجها فيه إلى نيكسون ردا على دعوة الأخير للسلام، “يدكم الممدودة، والإشارات التي تبعث بها روسيا إلينا، هذا كله يبدو مبهما”. ويؤكد الباريتون تشاومينغ شانغ، الذي يجسد شخصية تشو إنلاي، أن “هذه الأوبرا تذكر بالحاجة إلى الدبلوماسية بين القوى في هذه الفترة الضبابية”. واستلهمت المخرجة المسرحية الأرجنتينية فالنتينا كاراسكو مما عُرف بدبلوماسية كرة الطاولة، أي تبادل اللاعبين بين الولايات المتحدة والصين في سبعينات القرن العشرين، محولة فناني جوقة الأوبرا إلى لاعبي بينغ بونغ يتقاذفون الكرات من جانبي المسرح. وتوضح كاراسكو “هذا الأمر يستحضر الحرب الباردة، مع عالم ثنائي القطب، وشِباك في الوسط وتقاذف المسؤوليات بين المعسكرين”. وبعد أكثر من ثلاثة عقود على أول إخراج مسرحي للعمل بتوقيع بيتر سيلارز “سمحت لنفسي بتقديم إخراج مسرحي أقل التصاقا بالنص الأصلي وأكثر رمزية”، وفق كاراسكو. ومن بين الرموز الأخرى: النسر الأميركي والتنين الصيني، والكتاب الأحمر، وبزات الحرس الحمر، فضلا عن مشاهد القمع في الصين والرقابة على الكاتب وضرب المعتقلين. وعلى شاشة كبيرة تظهر عدة صور عن الزيارة، إضافة إلى وثائقي قصير عن قمع الموسيقيين الذين كانوا يؤدون الموسيقى الغربية إبان الثورة الثقافية في الصين. لكن أبعد من الإخراج المسرحي، ما رأي المؤلف الموسيقي اليوم في عمله بهذه النسخة؟ يقول جون آدامز البالغ 76 عاما، في اتصال معه، مازحا “لقد ابتكرتُ هذا العمل الأوبرالي قبل مدة طويلة جدا، إلى درجة أنه يُخيل لي أن شخصا آخر كتبه”. ويذكر آدامز بالبدايات “الجدلية للغاية” لهذا العمل، وهو من الأعمال الأوبرالية القليلة التي تتطرق إلى مواضيع سياسية معاصرة. ويقول “لطالما تمحورت أعمال الأوبرا حول الأساطير اليونانية والآلهة الإسكندنافية أو الميلودراما على غرار أعمال بوتشيني”. غير أن أذواق المتابعين والجمهور “تتبدل بتبدل الوقت” وهم “يحبون هذا العمل”. ويقر آدامز بأنه لا يملك “سلطة” على مختلف النسخ من هذا العمل، لكنه حرص على أن يكون المغنون، الذين يؤدون أدوار صينيين، من المتحدرين من أصول آسيوية (من بينهم جون ماثيو بدور ماو، وكايثلين كيم بدور زوجة ماو). وشهد عام 2021 جدلا بسبب اتهام عمل أسكتلندي بممارسة ما يُعرف بالـ”ييلو فيس” (أي تغيير ملامح ممثلين غير آسيويين لجعلهم يشبهون الآسيويين في أعمال فنية).
مشاركة :