عند الحديث عن جزيرة دلما أو «جزيرة اللؤلؤ» نستحضر تاريخاً متأصلاً ضارباً في القدم، وحياة اجتماعية واقتصادية جذبت الناس من أنحاء المنطقة.. مياهها العذبة، وجودة لؤلؤها، ومكانتها كمركز التقاء معظم خطوط الملاحة العابرة، عناصر عززت حياة الاستقرار والتجمعات السكنية وإقامة أسواق عائمة على ظهور السفن، ودائمة على شاطئ نابض بحركة البيع والشراء، إلى جانب الأسواق الشعبية الأخرى التي قامت بفعل استقرار السكان، ما جعلها متفردة في التاريخ كأشهر وأكبر مركز لتجارة اللؤلؤ في المنطقة. وهذا بحسب السجلات التاريخية لمنطقة الخليج عن الأسواق التي كانت تقام بانتظام لبائعي اللؤلؤ الذين كانوا يقصدونها من مختلف مناطق العالم. وثائق بريطانية قال خالد بن عيد بن محمد بن جاسم المريخي، مؤلف كتاب «جزيرة دلما والغوص على اللؤلؤ في الوثائق البريطانية»، إن الجزيرة كانت تتحول في موسم الغوص بحثاً عن اللؤلؤ صيفاً، إلى خلية نحل كبيرة بسبب تجار اللؤلؤ الذين يقصدونها من كل حدب وصوب، حيث تمتلئ مغاصاتها بالغواصين والنواخذة من مختلف أنحاء الساحل العربي، وتحتشد شواطئها بسفن الغوص والقوارب بأحجامها المختلفة، كما كانت تقام فيها بانتظام أسواق لبائعي اللؤلؤ الذين جاؤوا من أقاصي المعمورة مثل أوروبا والهند. وأضاف: «يجمع المؤرخون والرحالة الذين زاروا دلما خلال فترة ازدهار تجارة اللؤلؤ، على أن السوق الذي كانت تشهده الجزيرة في نهاية موسم اصطياد اللؤلؤ كان مشهداً فريداً في الخليج، وتشير بعض المصادر إلى أن سوق اللؤلؤ كان يمتد من دلما إلى مجرى صير بني ياس». مقصد التجار وأكد المريخي أن «دلما» تُعد مركزاً محورياً لقوارب الصيد بحثاً عن اللؤلؤ خلال الموسم، وأحد الأسواق الرئيسة في الخليج، حيث يلتقي فيها التجار من أنحاء العالم لإنجاز صفقات اللؤلؤ، وعادة ما تكون المنافسة على أشدها، فكان يُقام عليها سوق مؤقت من 10 محال، ويتقابل فيها عدد من الأشخاص الذي يتاجرون باللؤلؤ من أجل تسوية حساباتهم، موضحاً أن «دلما» لعبت دوراً مهماً، وإن كان محلياً، في شبكة العمل التجاري الأكبر في الخليج، كنقطة من نقاط التجميع الأولى لتجارة اللؤلؤ، حيث كان يتم اصطياد اللآلئ من الشواطئ والجزر المجاورة لبيعها في سوق «دلما»، والثروات التي نتجت عن ذلك ظهرت جلية في «بيت المريخي»، أكبر التجار في الجزيرة، والمساجد المرافقة له. أخبار ذات صلة الحكام يستقبلون المهنئين بشهر رمضان الإمارات الخامسة عالمياً والأولى عربياً في توفير علاج لمرض وراثي نادر الاتحاد الرمضاني تابع التغطية كاملة مجلس للمشورة وأورد المريخي أن «بيت المريخي»، متحف دلما حالياً، كان مسكناً يعيش به المريخي، وهو أحد أبرز رجالات الجزيرة وتجارها، وواحد من الرجال المشهود لهم بحكمته. وقام البيت بدور رئيس بصفته مركزاً لاستقبال تجار اللؤلؤ، في عقد اجتماعات التجار ومناقشاتهم اليومية حول أحوال الغوص، بالإضافة إلى طرح المشكلات التي تواجه الغواصين وطرق حلها، حيث كان مجلساً للمشورة والاستماع لأصحاب الرأي، ويشهد توزيع الأرباح على التجار، ثم يتم تدوينها في دفتر يحمل بيانات بأسماء ركاب السفن ومكاسبهم من رحلات الغوص، مؤكداً أن أهل «دلما» اقتصر نشاطهم على الغوص وتجارة اللؤلؤ كمصدر للدخل، ولم يمارسوا أي مهنة أخرى. حركة اقتصادية وأشار الكاتب خالد المريخي إلى أن جزيرة دلما، كانت تتحول من مكان هادئ منعزل فيه عدد قليل من السكان إلى مكان يعج بالحركة والنشاط خلال موسم الغوص، حيث كانت تكتظ بالغواصين والتجار وأصحاب القوارب والسفن، ويحتشد على شاطئها أسطول كبير، ليس فقط من أبوظبي ودبي، بل أيضاً من مناطق الخليج، ولاسيما البحرين، بعدما أصبحت تجارة اللؤلؤ من أهم الأعمال التي يشتغل بها سكان الجزيرة والمناطق المجاورة خلال فصل الصيف. وكانت بعض السفن تجلب المواد الغذائية كالأرز والسكر والطحين والتمور والقهوة والشاي والأقمشة والحطب اليابس، كما كان بعض أهالي «دلما» يستوردون من أسواق أبوظبي ودبي بضائع متنوعة. أما سوق «دلما» فكان إما عائماً على ظهور السفن المستوردة لتلك الأنواع من البضائع، أو على «العرشان» السعفية التي كانت تصطف بواجهة الجزيرة، والتي أصبحت فيما بعد غرفاً مبنية من الأحجار والجص. تبادل تجاري أوضح خالد المريخي أن منزل المريخي كان مقصداً للتجار الغرباء عن الجزيرة، الذين كانوا يأتون إلى «دلما» بهدف التبادل التجاري مع الدول المجاورة، ولاسيما من السعودية واليمن والعراق وإيران والهند. وكانوا يوردون للجزيرة الأقمشة والبهارات والتمور والبن والفواكه والخضراوات، وفي المقابل يتزودون بعدد من السلع والمنتجات التي تمتاز بها الجزيرة، ومنها التمور واللؤلؤ والأسماك والمشغولات اليدوية والسيوف وأدوات الصيد. مكان مفضل أشار خالد المريخي إلى أن بيت المريخي، ولاسيما الطابق العلوي كان المكان المفضل الذي تهوي إليه أفئدة كبار تجار اللؤلؤ والطواشين، ليجتمعوا فيه مع المريخي لعقد صفقات اللؤلؤ. وكان المنزل قد صمِّم في الأساس لهذا الغرض، حيث روعي في التصميم توفر الأمان في أرجائه، فالطابق الأرضي يضم غرفاً محصنة تخلو من النوافذ، والطابق العلوي كان يتمتع بجو رطب نسبياً، ويتم الوصول إليه عبر سلم حجري، كما كان المجلس أيضاً مكاناً لالتقاء الجيران والسكان والزوار من أهالي الجزيرة.
مشاركة :