العين: هديل عادلتحتل جزيرة دلما أو «جزيرة اللؤلو» كما اشتهرت منذ زمن بعيد، مكانة مهمة في تاريخ الإمارات والخليج، إذ تعد من أقدم المواقع المأهولة بالسكان في المنطقة منذ العصر الحجري الحديث قبل سبعة آلاف سنة، وتمتاز بطبيعتها الجميلة، ومعالمها الأثرية التي تعطي عمقاً تاريخياً للجزيرة، التي تضم عدداً كبيراً من المعالم التاريخية والأثرية والسياحية مثل متحف دلما «بيت المريخي سابقاً»، ومجموعة من المباني الدينية الأثرية التي تنتمي إلى العمارة العربية الإسلامية، وتوجد كذلك شبكة متكاملة لتوزيع المياه، مما جعلها غنية بمساحاتها الخضراء وأراضيها الزراعية. يتحدث محمد الظاهري، مدير المواقع والمباني التاريخية بمنطقة الظفرة في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة عن تاريخ جزيرة دلما، قائلاً: «تقع على بعد نحو 40 كلم من ساحل أبوظبي، وتقدر مساحتها ب 9 كلم من الشمال إلى الجنوب، و5 كلم من الشرق إلى الغرب، ويقطنها حوالي 10,000 نسمة، وكانت على مر القرون مركزاً هاماً لتجارة اللؤلؤ، حيث كانت الأسواق منتشرة بكثافة على طول ساحلها، كما كان يعمل العديد من سكانها في مهنة صيد السمك و في الزراعة، إذ تتميز بخضرتها وبساتينها ومزارعها المليئة بالخضروات والفواكه، وساهم توفر المياه العذبة بكميات كبيرة في وجود الإنسان على الجزيرة منذ العصر الحجري الحديث قبل سبعة آلاف سنة، واشتهرت بوجود أكثر من 200 بئر، كانت تزود جزيرة أبوظبي بالمياه العذبة إلى الخمسينات من القرن الماضي، و نجحت الحفريات الأثرية في إلقاء الضوء على نمط الحياة الذي كان سائداً لدى السكان الأوائل للجزيرة، وتضمنت أهم مكتشفاتها قطعاً من الأواني الفخارية من عصر العبيدي التي كانت تستورد من وادي الرافدين، مما يدلل على وجود حركة تجارية تربط بينها وبلاد الرافدين وحضارة وادي السند». ويتابع الظاهري: «وجد في الجزيرة أيضاً أواني مصنوعة من الجبس بعضها ملون والآخر طبيعي، بالإضافة إلى آلات من حجر الكلس، وأدوات حجرية وتشكيلة من الخرز المصنوع من الصدف والحجر، مما يؤكد على استقرار الحياة فيها، وأنها كانت بيئة جاذبة لسكان المنطقة، كما عرَف نوى التمر المحروق الذي يعود إلى أواخر الألفية السادسة وأوائل الألفية الخامسة قبل الميلاد، وبقايا عظام الأسماك والحيوانات علماء الآثار عن النظام الغذائي المتبع آنذاك، وعن قدرة الناس حينها على الاستفادة من خيرات الأرض والبحر، ويعد نوى التمر من الأدلة المبتكرة على استهلاك التمر في الجزيرة العربية، وإن لم يكن معلوماً إذا ما كانت من أشجار نخيل برية أو مزروعة».وعن أهم المعالم التاريخية والأثرية والسياحية في الجزيرة، يضيف: «يعتبر متحف دلما «بيت المريخي سابقاً» من أبرز معالمها، كما تحتضن مجموعة من المباني الدينية الأثرية التي تنتمي إلى العمارة العربية الإسلامية وهي مسجد المريخي، ومسجد الدوسري ومسجد المهندي، وتوجد في الجزيرة شبكة متكاملة لتوزيع المياه، منها ما يعود إلى آلاف السنين، مما جعلها تتميز بمساحاتها الخضراء وأراضيها الزراعية».بيت المريخيعن مكانة بيت المريخي في تاريخ جزيرة دلما، يقول الظاهري: «خلال فترة ازدهار تجارة اللؤلؤ، أصبحت الجزيرة مركزاً حيوياً، وتم إجراء مسح معماري لمبانيها عام 1992، وترميم بيت المريخي وثلاثة مساجد بين عامي 1993 و1994، وقام ببناء هذا البيت أحد تجار اللؤلؤ وهو محمد بن جاسم المريخي عام 1931. وكان مركزاً لبيع وشراء اللؤلؤ، وتم تصميمه ليكون مبنى تجارياً آمناً، حيث بني من الحجر البحري المرجاني المكسو بالجبس، وتميز بغرفه المحصنة التي تخلو من النوافذ في الطابق الأرضي، وطابق أول كان يتم الوصول إليه باستخدام سلم خشبي، حيث كان التاجر يستقبل ضيوفه ويعقد صفقاته التجارية، وقد كشفت حفر أجريت مؤخراً بالقرب من البيت عن وجود مدبسة (مكان لصناعة دبس التمر) تم ترميمها بالكامل، واليوم أصبح بيت المريخي متحفاً يشمل معرض للمكتشفات المحلية، بما في ذلك مجموعة هامة من العملات البريطانية والهندية التي كانت مستخدمة خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين عندما كانت تجارة اللؤلؤ في أوج ازدهارها».تصاميم فريدةيوضح الظاهري أوجه التشابه والاختلاف بين مساجد دلما التي تنتمي إلى العمارة العربية الإسلامية، قائلاً: «يشكل مجمع المساجد التقليدية الثلاثة في جزيرة دلما (المريخي والدوسري والمهندي) مع بيت تاجر اللؤلؤ تشكيلة فريدة من المباني التي تعكس أسلوب الحياة الذي كان سائداً في جنوب شرق الجزيرة العربية آنذاك، وكانت المساجد الثلاثة تتشابه من حيث مخططاتها وتصاميمها وزخارفها، و تميز بناؤها بالجسور والألواح التي يتخللها عدد من النوافذ، وهي مزودة بالبارجيل (برج هوائي) التي تسمح بتوفير أكبر قدر من التهوية، وفي كل مبنى تم ضبط جدار قبلة الصلاة عن طريق المحراب، ووفقاً للتقاليد المعمارية في الخليج، ولم يكن بها مآذن ينطلق منها نداء الصلاة. وتختلف المساجد الثلاثة عن بعضها من حيث الحجم، ويضم مسجد المريخي منصة للصلاة في الزاوية الشمالية الشرقية للفناء، حيث يمكن الوصول إلى المصلى عبر ساحات مفتوحة، أما في مسجد الدوسري والمهندي، فيمكن الوصول إلى المصلى من خلال المكان المخصص للوضوء، ومن المعتاد أن يحاط المحراب بإطارات مستطيلة ومزخرفة الشكل تبرز عمقه، وكان مسجد المهندي يضم زخرفة في شكل صورة قارب محفورة في الجص على الحائط الشمالي لرواق المسجد».
مشاركة :