استمرت تقلبات أسعار النفط الخام في بداية الأسبوع الجديد على الرغم من تحسن المعنويات في السوق والميل إلى استئناف المكاسب السعرية بعد انحسار المخاوف بشأن الاضطرابات في القطاع المصرفي. ويسود التفاؤل في تعافي الطلب العالمي خاصة مع توقع نمو الطلب على المنتجات المكررة والمواد الكيميائية بسرعة في الصين، حيث تسعى الدولة جاهدة لتحقيق تحسن إجمالي في الأداء الاقتصادي. وقال لـ"الاقتصادية"، محللون نفطيون إن أسعار النفط الخام تتعافى مع انحسار الذعر المصرفي وتقلص مخاوف العدوى المصرفية الافتراضية، التي كانت قد أثرت بشدة في أسعار خام برنت في الأسبوع الماضي، موضحين أن أزمات التعثر المصرفي تكررت في أعوام سابقة، وساهمت في حدوث ضعف مؤقت في أسعار النفط، ولكن تم تجاوزها والتعافي من تأثيراتها من قبل مزيد من محركات النفط الأساسية ذات الصلة، وذلك بعد أشهر قليلة. وذكر المحللون أن أزمة بنك "سيلكون فالي" يمكن اعتبارها أزمة مالية واقتصادية دولية عابرة، ولكن ارتفاع الطلبين الصيني والهندي على النفط الخام لهما تأثيرات أكثر ديمومة على سوق النفط الخام. وأكد روبرت شتيهرير، مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، أن تجاوز الأزمة المصرفية الحادة يدعم أجواء الثقة ويعزز مكاسب النفط الخام مجددا، بينما تستمر أيضا الضغوط الهبوطية، ممثلة في رفع الفائدة الأمريكية وبقاء مخاوف الركود، مشيرا إلى حدوث تغيرات واسعة في موردي الطاقة، حيث تبيع الجزائر أكثر من 80 في المائة من غازها الطبيعي إلى أوروبا، كما يتقرب الاتحاد الأوروبي من الدول الإفريقية، وهو يتطلع إلى تأمين إمدادات نفط وغاز جديدة. وأشار إلى أن شركات النفط العالمية بدأت بالفعل في العودة إلى مشاريع النفط الليبية رغم المخاطر السياسية، مبينا أن دول "أوبك" ما زالت تتعرض لقيود إنتاجية تجعلها أقل من حصصها المفترضة، حيث تحتاج بعض الدول المنتجة إلى استثمارات كبيرة من أجل التوسع في الإنتاج، لافتا إلى أهمية توجيه الاستثمارات إلى المواقع الغنية بالموارد، وهو ما تدعو له منظمة "أوبك" كثيرا. من جانبه، قال ردولف هوبر، الباحث في شؤون الطاقة ومدير أحد المواقع المتخصصة، إن دول الإنتاج والاستهلاك على السواء تتطلع إلى تدشين استثمارات جديدة في مزيد من الإنتاج من أجل زيادة المعروض النفطي وتعزيز تنافسية الصناعة، مبينا أن الطلب ما زال قويا، كما يعد الاتحاد الأوروبي دول "أوبك" خاصة في شمال إفريقيا موردا آمنا وموثوقا للطاقة. ولفت إلى تقارير دولية ترى أن دول شمال إفريقيا كانت بطيئة نسبيا في تطوير إمكاناتها بسبب المخاطر السياسية، سواء المتعلقة بالأمن أو البيروقراطية ومع ذلك تبحث أوروبا بشكل عاجل عن بدائل للطاقة الروسية، حيث وجدت هدفها الرئيس في منتجي دول شمال إفريقيا، وذلك على الرغم من إصرار الاتحاد الأوروبي على تقليل اعتماده على موارد الهيدروكربونات في وقت قصير. من ناحيته، ذكر ماثيو جونسون، المحلل في شركة "أوكسيرا" الدولية للاستشارات، أن العقوبات والحظر الذي طال الإمدادات الروسية خاصة المنتجات النفطية في فبراير الماضي كان محدود التأثير بسبب مرونة الإنتاج الروسي، حيث لا تزال صادرات روسيا من النفط الخام عن طريق البحر أعلى من ثلاثة ملايين برميل يوميا على الرغم من انخفاضها بمقدار 123 ألفا في وقت سابق في الشهر الجاري، بينما تعهدت روسيا بخفض إنتاجها بمقدار 500 ألف برميل يوميا حتى يونيو المقبل. وأكد أن مرونة الإنتاج الروسي ظهرت في ضوء اتجاه معظم الصادرات الروسية إلى الصين أو الهند أو وجهات أخرى غير معروفة في آسيا، مبينا أن صادرات النفط الخام الروسية ظلت صامدة هذا العام ولم يظهر خفض الإنتاج الطوعي بعد في صادرات الخام الروسية إلى السوق العالمية. وأوضح أنه مع تسريع الصين لشراء النفط الخام الروسي الرخيص قفزت واردات الصين من الخام من روسيا 23.8 في المائة على أساس سنوي إلى 1.94 مليون برميل يوميا في يناير وفبراير الماضيين - وذلك وفقا لبيانات الإدارة العامة للجمارك الصينية. بدورها، قالت ليزا إكسوي، المحللة الصينية ومختص شؤون الطاقة، إن السوق في حالة ضبابية مستمرة، وهو ما ظهر في تقارير دولية، حيث إن السوق تراقب التطورات، وتقيس ما إذا كانت هناك شهية كافية لمنتجات النفط الروسية في الفترة الراهنة، خاصة بعد أن تم وضع سقف للسعر؟ أو إذا كان إنتاجها سيبدأ في الانخفاض تحت وطأة العقوبات. ولفتت إلى توقعات ترجح أن البتروكيماويات ستشكل أكثر من ثلث نمو الطلب على النفط بحلول 2030 حيث سترتفع إلى 50 في المائة من الطلب بحلول 2050 نظرا لتزويد النقل بالكهرباء، مبينة أنه إذا لم تحدث كهربة النقل العالمي المتوقعة على النطاق المتوقع، فإن الطلب المرتفع على البتروكيماويات سيضاف إلى إجمالي الطلب على النفط بما في ذلك وقود النقل، لافتة إلى أن الصين هي الوجهة الأكثر وضوحا لمشاريع البتروكيماويات الجديدة. وفيما يخص الأسعار، ارتفع النفط في التعاملات المبكرة أمس مع انحسار المخاوف بشأن الاضطرابات في القطاع المصرفي. وبحسب "رويترز"، زادت العقود الآجلة لخام برنت 33 سنتا أو 0.4 في المائة إلى 75.32 دولار للبرميل خلال التعاملات أمس. وبلغ سعر خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 69.65 دولار للبرميل بارتفاع 39 سنتا أو 0.6 في المائة. وارتفع برنت 2.8 في المائة الأسبوع الماضي، في حين زاد خام غرب تكساس 3.8 في المائة بعد أن هدأت اضطرابات القطاع المصرفي. وقال توني سيكامور، محل الأسواق في شركة آي.جي إن ارتفاع أسعار النفط كان بمنزلة انتعاش مريح وجزء من تصحيح بعد انخفاض 16 في المائة في الأسبوعين الماضيين. وقال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك الجمعة إن موسكو تقترب جدا من تحقيق هدفها بخفض إنتاج الخام بمقدار 500 ألف برميل يوميا إلى نحو 9.5 مليون برميل يوميا. وأظهرت بيانات من مصادر بالصناعة الجمعة أن روسيا تعتزم خفض تشغيل المصافي في أبريل، ما يسمح لها بالحفاظ على صادرات النفط الخام مع الالتزام بخفض الإنتاج المعلن سابقا. من جانب آخر، تراجعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 74.60 دولار للبرميل الجمعة مقابل 75.88 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس إن سعر السلة، التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء بالمنظمة حقق أول انخفاض عقب عدة ارتفاعات سابقة، وإن السلة خسرت بضعة سنتات، مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 74.11 دولار للبرميل.
مشاركة :