ألقى معالي الشيخ الأستاذ الدكتور سعد بن ناصر الشثري عضو هيئة كبار العلماء والمستشار في الديوان الملكي، درسه في تفسير القرآن الكريم من سورة "الحِجْر"، وذلك ضمن برنامج أصحاب المعالي أعضاء هيئة كبار العلماء في المسجد الحرام لشهر رمضان المبارك العام ١٤٤٤هـ، والتي تنظمه وتشرف عليه الإدارة العامة للشؤون التوجيهية والإرشادية ممثلة في إدارة شؤون التدريس والمدرسين. وابتدأ الشيخ وفقه الله بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله بتهنئة الناس ببلوغ شهر رمضان وسأل الله أن يعينهم على الصيام والقيام وصالح الأعمال، ثم ذَكَرَ نُبذة عن سورة "الحِجْر"وأنها مكية نزلت قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأن مِن شأنها بيان أُسس الخطاب مع المشركين ببيان الأدلة القاطعة على صحة الرسالة، وحاجة البشرية للقرآن، وذِكْرِ مبدأ البشر، ونماذج من قصص الأُمم السابقة التي أعرضت عن الهُدى فنزلت بهم العقوبات الدنيوية. ثم قُرِئ عليه الجزء المراد التعليق عليه مِن المتن وهو من [آية ١ إلى ١٥ مِن سورة الحِجْر]. ثم علق على ابتداء السورة بالحروف المقطعة بأن ذلك تعجيزا وتحَدٍ للعرب أن يأتوا بمثل هذا القرآن الذي هو بحروفهم وكلامهم، وقد جاء ذكر القرآن وأنه كتاب واضح بآياته وبراهينه بعد الحروف المقطَّعة إشارة إلى التحدي بالقرآن المُعجِز. ثم بين معنى قول الله تعالى: ﴿رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ﴾ بأن الكافر تأتيه أوقاتُ يَقَظَةٍ يتمنى أن لو أسلم عندما يرى البراهين الساطعة، ولكن معظمهم لا ينقادون للإسلام اتباعا للهوى، وقد قامت عليهم الحُجّة لذا قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ يعني: لا تتحسَّر عليهم واتركهم يشغلهم طول الأمل والانغماس في الدنيا فسوف يعلمون ساعة نزول العذاب الدنيوي بهم، أو ساعة الاحتضار، أو في الآخرة أنهم كانوا على ضلال ويتمنوا أن لو كانوا مسلمين. ثم تكلم عن حال الأمم السابقة التي أُهلِكَت وأنها أُمهِلَت إلى وقت يعلمه الله فلا تستعجل لهم ولا تتحسَّر عليهم وبلِّغ ما أُنزِل إليك من ربك. ثم قال الكفار مستهزئين بالنبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الذي تزعُم أنك نبي إنك لمجنون فكيف تريد من العقلاء أن يتبعوك! فَأْتِ بملائكة يساندوك في دعوتك إن كنتَ صادقا، فرد الله عليهم: أن الملائكة لا يُنَزَّلون إلا بالعذاب الحق الذي لا إمهال بعده، ثم ذَكَر اللهُ أنه سبحانه نزّل القرآن وهو حافظ له من تحريف المحرِّفين إلى يوم القيامة وهذا من دلائل إعجازه وصحته. ثم ذكَّر نبيه مُسَلِّيًا له ولِيَعتبِرَ بحال الأنبياء قبله الذين بُعِثُوا في شِيَع وفِرَق الأولين وقد استُهزئ بهم كما استهزَأ الكفار بك، وهذا دليل عجزهم وإفلاسهم عن الحجج والبراهين، وهذا حال المُبطِلين المجرمين إلى يوم الدِّين. ثم أخبر الله العليم بحال خَلْقِه أنه سبحانه لو استجاب للكفار وأراهم المعجزات كفتح السماء وإنزال الملائكة لاستمروا على تكذيبهم ولوجدوا ما يبررون به تكذيبهم. ثم ختم معاليه بعدد من هدايات الآيات: • أن القرآن براهينه واضحة لا ينحرف عنها إلا هالك. • أن الكافرين جحدوا آيات الله عنادًا وإعراضا، وإلا فإنهم تأتيهم أوقات يتمنون أن لو كانوا مسلمين. • تحذير الإنسان من الأمل الذي يقطعه عن العمل للآخرة. • أن الله يُمهِل عِباده ليكون ذلك كافيا لقيام الحُجَّة عليهم. • حال المبطلِين في كل زمان الاستهزاء بالمؤمنين وتشويه سمعتهم زورا وبهتانا. • أن القرآن محفوظ إلى قيام الساعة فعلى المؤمن أن يتعلق به ويأخذه بقوة. • أن لله سننا لا تتخلف، كإمهال المبطِلين. • على الإنسان أن ينقاد للحق وبراهينه، ولا يكن كالمبطلين الذين لا يقتنعون بالحق مهما رأَوا من الآيات ويتعذرون بالمعاذير الواهية التي لا تنجيهم مِن العذاب. وفي ختام الدرس دعا للمسلمين بصلاح حالهم وأن يوحدهم الله على الحق، ودعا لولاة أمور المسلمين بالتوفيق والسداد.
مشاركة :