شرع الله تعالى الصيام ليكتسب المؤمن صفة التقوى، ويرقى بها، والتقوى هي فعل المأمور به والمندوب إليه، واجتناب المنهي عنه.. فالمراد من التقوى وقاية النفس من النار، ولا يتحقق إلا بما ذكر.. فقد قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد، أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك...». وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم، إلى بعض الأمور التي تحقق هذه المنزلة في نفس الصائم، فنهى عن سوء الخلق، وأمر بالصبر على المسيئين، وحث الصائم على تذكير نفسه بأنه صائم، وأن أي فعل من سباب أو فحش قد يفوت عليه ثمار صيامه، ففي الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم».وأشار إلى فئة من الناس ربما فعلوا هذه العبادة من غير تدرب لها، ولا طلب لمقاصدها، فتراهم صائمين عن الطعام والشراب، وهي أمور مباحة في غير وقت الصوم، ولكنهم لا يتورعون عن الأمور المحرمة كالغيبة والنميمة والسباب والغضب وقول الزور وشهادة الزور. فينبغي للمسلم أن يبتعد عن سيئ الأخلاق ويتحلى بأحسنها ليبلغ ما أراده الله تعالى من الصيام والوصول إلى التقوى. وعلى الصائم أن يدرك أن التقوى هي المقصد الأسمى من صيام شهر رمضان، والحرص على التحلي بالخلق الحسن، لتحقيق مقاصد الصيام، والصيام تدريب عملي على مراقبة الله تعالى. ومن صفات المؤمنين، والصائمين، وخاصة ونحن في شهر رمضان، «الإعراض عن اللغو»، اللغو هو كل ما لا يجمل من القول والفعل، وقد جاء في وصف عباد الرحمن: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) ونفى النبي صلى الله عليه وسلم عن المؤمن صفة الخوض في اللغو، فقال: «ليسَ المؤمنُ بالطَّعّانِ ولا اللَّعّانِ ولا الفاحشِ ولا البَذيءِ»، فلا ينبغي للعاقل أن يشغل سمعه وبصره ولبه وقلبه بما لا جدوى منه، ويَتَنَزَّهُ عنْ أنْ يصدُر منهُ ذلِك، وخاصةً في شهر رمضان المبارك فلا يضيعه فيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، قال صلى الله عليه وسلم: «وإذا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولا يَصْخَبْ». وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أن الْإِعْرَاض عَنِ اللَّغْوِ يُثاب عليه المسلم مرتين ويضاعف له الأجر والثَّوَاب، قال سبحانه: (أُولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ *وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)، أَيْ: لَا يُخَالِطُونَ أَهْلَ اللغو وَلَا يُعَاشِرُونَهُمْ فإِذَا سَفه عَلَيْهِمْ سَفيه، وكلمهم بما لا يليق بهم الجواب عنه، أعرضوا عنه ولم يقابلوه بمثله من الكلام القبيح، ولا يصدر عنهم إلا كلام طيب. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدوة حسنة، فعن عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه أنه ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا»، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهمَّ اهدني لأحسنِ الأعمالِ وأحسنِ الأخلاقِ لا يهدي لأحسنِها إلا أنتَ وقِني سَيِّئَ الأعمالِ وسَيِّئَ الأخلاقِ لا يقِي سيئَها إلا أنتَ». ونخلص إلى أن الإعراض عن اللغو من صفات عباد الرحمن، وأن الخوض فيه من مساوئ الأخلاق التي ينبغي على المسلم أن يربأ بنفسه عنها، فلا يخوض في كلامٍ يعيبه، أو فعلٍ يشينه، وخاصةً في شهر رمضان، موسم الطاعة والغفران، فنقبل فيه على طاعة ربنا، وما فيه الخير لنا ولأسرنا ومجتمعنا، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: «وَاحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ».
مشاركة :