عقيدة بوتين الجديدة.. إعلان الحرب على الغرب

  • 4/2/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يؤمن الرئيس بوتين أن روسيا لم تخسر شيئا في المواجهة العالمية مع الولايات المتحدة، بسبب الصراع في أوكرانيا، وإنما استفادت في الواقع من خلال وضع نهج سيادي جديد، من شأنه أن يعيد لها نفوذها العالمي. ولهذا عندما أعلن بوتين العقيدة الروسية الجديدة المحدثة، فإن هذه العقيدة جاءت كرد مباشر على عقيدة الأمن القومي، التي أعلنتها الإدارة الحالية الأميركية مؤخرا، خصوصا أن بوتين اعتبر في عقيدتها الجديدة أن الولايات المتحدة الأميركية، تعتبر تهديدا وجوديا لروسيا ومن مفهوم السياسة الخارجية الروسية، والتي تصنف الولايات المتحدة على أنها التهديد الأمني الرئيس على روسيا، وعلى "التنمية العادلة للبشرية". وعندما أصدرت الإدارة الأميركية عقيدة الأمن القومي، ركزت فيها على التحول الاستراتيجي من التركيز على مكافحة الإرهاب، إلى التركيز على التنافس الجيوسياسي خاصة مع الصين وروسيا، وكان تركيز الرئيس منصبا على الصين، ولكن روسيا فرضت نفسها على أجندة السياسية الخارجية للولايات المتحدة، وأصبح التركيز على التنافس الجيوسياسي مع روسيا بشكل أكبر، خاصة مع بدء العملية الروسية العسكرية في أوكرانيا.. وأوضح الخبراء الروس للرياض "أن الاستراتيجية الجديدة التي أعلنها مجلس الأمن القومي الروسي، تؤكد على سعي موسكو إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب، وتنذر بتحولات، سواء في المستقبل القريب أو البعيد، وتؤكد أيضا أن روسيا ستتحرك وسترد بالمثل، على أي تحركات أميركية تستهدف الأمن القومي الروسي باعتبار العقيدة الجديدة الروسية هى بمثابة عقيدة تجسد ما يؤمن به الكرملين، وتجسد فكرة السعي نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب، وتعكس رغبة موسكو فى تبوؤ المكانة التي تستحقها فى ظل النظام العالمي، وليس أن تكون مجرد قوى عظمى ضعيفة، كما كان يصفها الأميركيون. وروسيا تريد أن تخرج من القمقم إن جاز تعبير، إلى مجال أوسع تشغل فيه روسيا حيزا أكبر، ويكون لها دور أوسع في مواجهة الولايات المتحدة. ربما هى تسعى لاستعادة الأمجاد السوفيتية لو بطريقة أخرى أو بطريقة جديدة". من المتوقع أن تسعى روسيا إلى مشاغبة الولايات المتحدة في أماكن مختلفة من العالم وفي القارة الإفريقية، وطبعا ساحة العمليات الحالية الرئيسة موجودة في شرق أوروبا، ومع الأزمة الروسية الأوكرانية، متوقع أن يكون هنالك تحولات فى ضوء هذه الاستراتيجية، في أن تسعى روسيا إلى تحالفات عسكرية أو على الأقل اتفاقيات موسعة مع الحلفاء القريبين منها، وأن تسعى لأن تكيف اقتصادها مع المتغيرات، بحيث يتحول هذا الاقتصاد إلى نمط قوى. وجاء الرد الأميركي سريعا على عقيدة بوتين الجديدة، حيث اعتبر متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، إن العقيدة الدبلوماسية الجديدة التي أعلنتها روسيا، تشكل أحدث مثال على التصعيد الخطابي الذي يشهده العالم من موسكو منذ غزوها الشامل لأوكرانيا، وأضاف المتحدث باسم الخارجية، "أنه لا يوجد دولة غير روسيا الحقت هذا الحجم من الضرر الجسيم، بجهود الحد من التسلح والذي ساهم في تقويض الاستقرار الاستراتيجي في أوروبا. خلال أقلّ من عقدين، كان بوتين يرمّم الأمة الروسية ويعيدها إلى واجهة العالم الجديد، عبر سلسلة من السياسات استفزت الغرب الرأسمالي، وأخرجته عن طوره وراحت تهز الأرض تحت أقدام عالم رأسمالي، وآخذ بالترنّح في آسيا بقيادة الصين، كما في أميركا اللاتينية وغيرها. ويسعى الرئيس الروسي إلى بناء نظام عالمي جديد، يقوم على قيادة روسية عبر تعزيز صورتها على المسرح الدولي، كدولة ديموقراطية تسعى جاهدة لخلق عالم متعدد الأقطاب، وخلق تحالف من قوى سياسية واقتصادية بعضها كبرى مثل الدول السلافية والصين والهند، بجانب تقوية علاقاتها مع الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية وإفريقيا. كما يستفيد بوتين من الحركات الشعبوية الغاضبة على حكوماته الليبرالية لتفكيك التحالف الغربي المتوحد ضده. فيما اعتبر خبراء غربيون أن العقيدة المحدثة لروسيا، تشير إلى تزايد مخاطر الصدام بين القوى الكبرى، وتتحدث عن سعي موسكو لإقامة نظام عالمي جديد. ودأب فلاديمير بوتين على مراقبة خصومه، يبحث عن نقاط ضعفهم، يتبع معهم "نظرية الجنون" التي تبناها الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، إذ يُصوِّر لخصومه أنه خطير، وربما يُقدم على فعل متهور وغير عقلاني، ثم يقيس ردود أفعالهم، فإذا تبيّن أنهم غير مستعدين للقتال يجهز عليهم، أما لو كانوا مستعدين للنزال، فإنه يلجأ إلى تكتيكات الجودو لمواجهتهم. ويشير بوتين بشكل متزايد إلى الصراع في أوكرانيا باعتباره نقطة تحول في التاريخ، حيث تتخلص روسيا أخيرا من الإهانات التي صاحبت انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991. وفرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها أشد العقوبات في التاريخ الحديث على روسيا، بسبب عملياتها في أوكرانيا. ويقول بوتين إن العقوبات أشبه بإعلان الحرب. ودفعت مساعي الغرب لفرض عزلة اقتصادية على روسيا -أحد أكبر منتجي الموارد الطبيعية في العالم- الاقتصاد العالمي إلى مصير مجهول مع ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة. وقال الرئيس فلاديمير بوتين مبررا تبني هذه الخطة الجديدة إن "الاضطرابات على الساحة الدولية" تجبر روسيا على "تكييف وثائق التخطيط الاستراتيجي الخاصة بها". ويبدو أن "الحرب الهجينة" حلت محل الحرب الباردة بعدما تبنّت روسيا، عقيدة جديدة في السياسة الخارجية تصنف الغرب على أنه "تهديد وجودي" لموسكو ينبغي أن تحارب "هيمنته". ويؤكد تبني هذه الاستراتيجية الجديدة الانقسام العميق القائم بين روسيا والدول الغربية، منذ بدء الهجوم على أوكرانيا، والذي دفع حلف شمال الأطلسي إلى رص صفوفه مع تحول موسكو إلى الصين. وجاء في الوثيقة، في الفصل المخصص للصين والهند أن “التعميق الشامل للعلاقات والتنسيق مع المراكزالعالمية للنفوذ والتنمية السيادية الصديقة في القارة الأوراسية له أهمية خاصة”. كما تولي العقيدة الروسية الجديدة مكانة مهمة للعلاقات مع الدول الإفريقية، في حين تسعى موسكو لتعزيز وجودها في إفريقيا، لا سيما من خلال مجموعة فاغنر العسكرية. وجاء أيضاً في الوثيقة أنه “لا بد من تحييد محاولات فرض المبادئ الأيديولوجية الإنسانية الزائفة والنيوليبرالية، التي تؤدي إلى فقدان الروحانية التقليدية والمبادئ الأخلاقية”. وفي وثيقة جاءت في أكثر من 40 صفحة تذكّر بمضمونها ولهجتها بحقبة المواجهة بين الاتحاد السوفيتي وأميركا في القرن الماضي، تطرح روسيا نفسها حصناً للعالم الناطق بالروسية ضد الغربيين المتهمين بأنهم يريدون "إضعافه بشتى الطرق". وأكد لافروف أن العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية الروسية، تنص على إمكانية اتخاذ إجراءات مماثلة أوغير مماثلة، رداً على الإجراءات غير الودية ضد روسيا، وتابع إن عقيدة السياسة الخارجية الجديدة لروسيا، تعكس واقعاً سياسياً جديداً، ومتغيرات جيوسياسية، وتطورات ثورية في العالم، تسارعت بشكل ملحوظ مع بدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا. وتتسق "العقيدة الروسية" مع شخصية الرئيس بوتين، يمنحها جزءاً من روحه، إذ تسيطر عليه نظرة قتالية تجاه العالم، تساعده ممارسة رياضة الجودو، في التغلب على نقاط ضعفه، ومواجهة خصوم أقوى منه، باستغلال نقاط ضعفهم، يرغب بوتين وفريقه في الكرملين في أن يراه الجمهور المحلي والدولي مستعداً للقتال إلى نهاية المعركة؛ حتى لو تعرض للضرب (كما روى عن نفسه وهو طفل في شوارع لينينغراد)، أواضطر إلى الشروع في مهمة انتحارية محتملة (كما فعل والده خلال الحرب العالمية الثانية). لذلك تحاول العقيدة االاستجابة للتحديات الجديدة والأوضاع الجيوسياسية الراهنة، في ظل الحرب في أوكرانيا والمواجهة المحتدمة مع الغرب. إلا أن الأمر ليس هيناً بالنسبة إلى الروس، حيث يملك الغرب من أوراق القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية، ما يفوق بمراحل ما لدى الدب الروسي، ما يحدّ من هامش الحركة والمناورة لدى الكرملين للعب دور عالمي، لذلك تدفع موسكو باتجاه تدشين "عالم متعدد الأقطاب"، وقيادة تحالف أوروبي - آسيوي (أوراسي) واسع، وتطويقه بأحزمة من القواعد البحرية والجوية في مناطق الجوار المهمة، كالشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إن تاريخ روسيا والغرب هو تاريخ الحدود المتحركة على الدوام، ومن دون تردد، ولم يبالغ سبيكمان، أهم المفكرين الاستراتيجيين في منتصف القرن الماضي، عندما قال: "إن شكل الأرض نفسه يلغي الأخلاق، ويعطي الأقوى المبرر لتدمير الأضعف". وتبني روسيا للاستراتيجية الجديدة يظهر عمق الانقسام القائم بين روسيا والدول الغربية منذ بداية الأزمة الأوكرانية، التي دفعت حلف شمال الأطلسي «ناتو» إلى رصّ صفوفه مع تحوّل موسكو إلى الصين. وأظهر بوتين قربه من نظيره الصيني شي جين بينغ، خلال القمة التي عُقدت في موسكو في وقت سابق من مارس، مشيراً إلى "الطبيعة الخاصة" للعلاقات بين بلديهما، والتي يبدو أنها تصب أكثر وأكثر في مصلحة بكين، لأن اعتماد موسكو عليها يزداد بقوة. وتكشف العقيدة الجديدة "الطبيعة الوجودية للتهديدات الناتجة من أعمال الدول غير الصديقة". وتصف الولايات المتحدة بأنها "المحرض والقائد الرئيس للخط المعادي لروسيا" كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وأضاف: "بشكل عام توصف سياسة الغرب المتمثلة في إضعاف روسيا بأي وسيلة، بأنها نوع جديد من الحرب الهجينة". وتحدد عقيدة السياسة الخارجية الأولويات التي تعطيها الدول لنفسها في الشؤون الدولية، ولمعرفة الطريقة التي تنظر بها الدول المعنية إلى علاقاتها مع العالم. في هذه الحالة، فان الوثيقة الجديدة التي تحل مكان نسخة يعود تاريخها إلى عام 2016 ونشرت على موقع الكرملين، لا توارب. وجاء في الوثيقة أن "روسيا تعتزم إعطاء الأولوية للقضاء على آثار هيمنة الولايات المتحدة والدول المعادية الأخرى في القضايا العالمية". وفي غمرة عزلتها في الغرب، تسعى روسيا إلى التقارب اقتصادياً ودبلوماسياً مع آسيا، ولا سيما الصين، وهي أولوية حيوية تنعكس في العقيدة الجديدة. وفي إطار النزاع في أوكرانيا، تؤكد موسكو أنها تسعى لمنع التجاوزات بحق السكان الناطقين بالروسية، تصف الوثيقة الجديدة روسيا بأنها "حضارة" تضم الشعوب التي تشكل "العالم الروسي". في الوقت الذي يقدم فيه بوتين نفسه على أنه بطل "القيم التقليدية" للكنيسة الأرثوذكسية في مواجهة الغرب"، فإن العقيدة الجديدة تتطرق أيضاً الى المجال الأخلاقي. وبحسب الوثيقة، ترى موسكو مخاطر تفاقم النزاعات التي تشمل دولا كبيرة، فضلا عن تصعيدها إلى حرب محلية أو عالمية. وأن عامل القوة يحدد بشكل متزايد العلاقات بين البلدان". وتتضمن عقيدة السياسة الخارجية الروسية المحدثة محاور عدة، أبرزها الإشارة إلى تنامي مخاطر الصدام بين الدول الكبرى، بما فيها الدول النووية، وتزايد احتمال الانتقال إلى حرب كبرى. وتقول العقيدة المحدثة إن روسيا ستسعى لعدم خلق ظروف تؤدي إلى استخدام أسلحة نووية أو أسلحة دمار شامل، وتتضمن أيضا استخدام موسكو القوات المسلحة لصد ومنع هجوم مسلح عليها أو على حلفائها. كما تقول إن روسيا ستسعى جاهدة لإقامة نظام عالمي يوفر الأمن الموثوق به والفرص المتساوية للجميع، وتقول إن إحدى أولوياتها تتمثل في إزالة "بقايا الهيمنة الأميركية" وهيمنة الدول غير الصديقة على الشؤون الدولية. وتعول روسيا ضمن هذه العقيدة المحدثة على العودة مع الوقت إلى التنسيق مع الغرب، على مبدأ المساواة واحترام المصالح. ويعتبر المفهوم الجديد للسياسة الخارجية الروسية الولايات المتحدة المصدر الرئيس للسياسة المعادية لروسيا، كما يؤكد بوضوح أن موسكو ليست لديها نيات عدوانية تجاه الدول الأنغلوساكسونية وأوروبا. وتقول العقيدة المحدثة إن مشروع روسيا الرائد للقرن الحادي والعشرين، هو تحويل أوراسيا إلى فضاء مشترك للسلام والاستقرار والازدهار. وتؤكد العقيدة الروسية الجديدة على أن موسكو ماضية بشكل استراتيجي في العمل على توسيع نفوذها الدولي، والسعي نحو تقويض النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة؛ حيث تؤكد العقيدة الجديدة أن موسكو “تسعى جاهدة لخلق عالم متعدد الأقطاب” تشغل فيه روسيا موقعا قطبيا مؤثرا. وتعتبر روسيا أكبر دولة في العالم، سواء من حيث الجغرافيا المتنوّعة، جبال وسهول وبحيرات داخلية وأنهار كبرى وبحار إقليمية مثل الأسود وقزوين وآزوف والبلطيق، ومن حيث شبكات سكك الحديد والطرق البرية والاحتياطات الضخمة من الموارد، مثل النفط والغاز والفحم والذهب والحديد والأخشاب وغيرها، ومن حيث التنوّع السكاني والعرقي واللغوي. كما تعتبر روسيا ثاني أكبر القوى العسكرية، ولا سيما من حيث عدد الرؤوس النووية وهندسة الفضاء رغم أنها لا تحتفظ بالكثير من القواعد العسكرية في العالم. أما من حيث السكان (150 مليوناً، 80 % من الروس الأرثوذكس) فقد عادوا إلى معدلات النمو الطبيعية بعد ملاحقة بوتين للجمعيات المثلية، ودعم دور الأم في المجتمع الروسي. يشار إلى أن الإصدار السابق لمفهوم السياسة الخارجية الروسية، كان قد صدر في نوفمبر 2016، وتم العمل على تحديثه خلال السنوات القليلة الماضية، وفي يناير 2022، تم تقديم الوثيقة المعدة للمناقشة مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الروسي، إلا أن الرئيس الروسي أعاد مسودة المفهوم للمراجعة وتمت الموافقة عليها أمس الأول الجمعة. ومع ذلك؛ من غير المرجح في المدى القريب أن تكون موسكو قادرة على الحفاظ على سياسة خارجية فعالة، تمكنها من تقديم نفسها كبديل للنظام الدولي، نظراً إلى حجم اقتصادها المتواضع نسبيا مقارنة بنظيريه الأميركي والأوروبي، والذي يعتمد إلى حد كبير على عائدات النفط والغاز، بالإضافة إلى الخسائر العميقة المتوقعة على المدى البعيد نتيجة العقوبات الغربية، والتي من المتوقع أن تحد بصورة ملموسة ليس فقط من قدرة موسكو على زيادة نفوذها في إفريقيا وأميركا اللاتينية، لكنّها قبل ذلك ستعيق وتيرة التعافي الروسي الداخلي اقتصاديا وتقنيا، وهذا هو الغرض بعيد المدى للعقوبات الغربية. يحاول فلاديمير بوتين دائماً أن يظهر بمظهر القيصر الروسي الذي لا يُقهر، أو يتمنى على أقل تقدير أن يكون الاتحاد السوفييتي ما زال قائماً، ليكون رئيساً لثاني أكبر قوة موازية للولايات المتحدة الأميركية، راضياً بذلك القليل من أحلامه بالسلطة، لذلك نراه ومنذ أن دخل الحرب في سورية، يحاول أن يعيد لروسيا مكانتها، ليعود إلى الواجهة السياسية العالمية بشكل قوي ومؤثر. خاضت روسيا طيلة عقدين من حكم الرئيس فلاديمير بوتين العديد من الاختبارات مع الغرب، ويبدو أنها اجتازت معظمها بنجاح، لذلك يرى الكثير من المحللين أنه بقدر ما تعدّ جهود موسكو المستمرة للاستفادة من التوترات المتصاعدة في أي مكان من العالم انتهازية، بقدر ما تعكس استراتيجية يراد من ورائها إعادة هيبة “روسيا العظمى” بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. لم يكن لدى فلاديمير بوتين منذ أن برز على الساحة السياسية قبل عشرين عاما من هاجس سوى استعادة مكانة روسيا كقوة عالمية عظمى بأي ثمن. ويبدو أن حدثي ضمه لشبه جزيرة القرم في 2014 ثم تدخله في سورية في 2015 قد سطرا تلك النزعة، وجعلا موسكو تعود إلى الساحة الدولية كفاعل يناطح الولايات المتحدة والغرب عموما. وبغض النظر عن سلوكه أو طريقه حكمه أو أسلوبه في التعاطي مع الأصدقاء والأعداء، وأيضا الحلفاء، يعتقد الخبراء اليوم أن بوتين، الذي وصف تفكك الاتحاد السوفييتي بأنه “أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين”، نجح في إعادة بلده إلى الواجهة، وإن كان على حساب أسوأ الخلافات مع الغرب التي تسجل منذ الحرب الباردة. كل شيء تغيّر بسبب الحرب الأوكرانية. الجميع في حاجة لإدراك التحديات المصيرية بما فيها النووية.

مشاركة :