د. عبدالله باحجاج قد يقول المختصون والمطلعون على واقع أشجار النارجيل (جوز الهند) في محافظة ظفار إنَّ فرضية التصوّر أو التخيّل الذي يطرحه عنوان المقال قد تتحول إلى واقع فعلًا، حيث أصبح الخطر محدقًا بها، وبصورة متصاعدة، فما إن تغزو أشجار النارجيل آفة إلّا وتتجدد آفة أخرى، ويكون لها قوة تهديد أكبر من نظيرتها، مما يطرح مجموعة تساؤلات حول الضمانات المستدامة لهذه الثروة القومية بكل مستوياتها الاقتصادية والسياحية والشخصية الجغرافية الاعتبارية التي تميزها في إطار ترابها الوطني وامتدادها الإقليمي. فبعدَ آخر آفة وهي حشرة "خنفساء أوراق النارجيل" التي كتبتُ عنها مقالين ومجموعة تغريدات، ظهرت قبل 7 أشهر آفة أخرى دخيلة أكثر خطورة، وما زال خبراء وزارة الزراعة والثروة السمكية وموارد المياه لم يصنفوها حتى الآن، لكنَّ خبيرًا زراعيًا يُطلق عليها اسم "الذبابة البيضاء"؛ وهي تفرز مادة دبسية تجمع الفطريات، ولديها مدى أوسع على الانتشار، وأخطر. ووفق توضيحات هذا الخبير فإن هذه الآفة ظهرت قبل 3 سنوات في بعض دول القارة الآسيوية مثل: الفلبين وسيرلانكا، وانفقت عليها الحكومات الملايين من الدولارات لمكافحتها. هذه الآفة الجديدة مخاطرها وجودية على أشجار النارجيل في ظفار، وقد تمتد إلى مشروع زراعة 50 ألف نخلة، وهذا يعني أن واقع ومستقبل أشجار النارجيل يواجه خطرًا وجوديًا، ونتمنى ألا يكون مقالي بمثابة صراخ في وادٍ سحيق، مثل ما كانت صرخاتنا على الغزو السكني والتجاري للأراضي الزراعية وعلى اقتلاع بعض الأشجار من مواقعها التاريخية.. وهذه ثروة لا يحق لأي جهة أو فرد أو جماعة المساس بها، لكن لا توجد قوانين رادعة تحميها، فكم من تجاوزت قد اغتالت الكثير من المزارع في صلالة. يلجأ بعض أصحاب المزارع إلى عدم سقاية الأشجار حتى تذبل وتموت وهي واقفة، كما يمكن مشاهدة هذا المشهد الآن في كل أو معظم المزارع التي سُمح لها بالاستخدام المزدوج (سكني وزراعي) في محاولة منهم لإقناع الجهات الحكومية بتحويل استخداماتها من زراعية أو زراعية سكنية إلى تجارية. الفاعلون داخل مجتمعنا المحلي منشغلون بفردانية حياتهم، ولا تشكّل لهم مثل هذه القضايا الوطنية الاهتمام المُنتِج للفِعل، قد يتفاعلون قولًا في نطاق ضيق، وهذا أكبر ردة فعل، وحتى في حالة ظهور الآفات "الوجودية"، فالمؤسسات الحكومية المختصة لا تتحرك إلّا بعد فترة طويلة، بعد أن تكون الآفات قد استحكمت، وانتشرت، وحتى تحرُّكها لا يكون بقدر السيولة المتواضعة التي تتوفر لها، وحشرة خنفساء أوراق النارجيل المشار إليها سابقًا نموذجًا. فلماذا هذه السلبية الثنائية المشتركة؟ لم أجد من سبب سوى التقوقع في الفردانية الأنانية، وهي صناعة، وتظهر الآن بصورة أكثر انغلاقًا من قبل، بسبب طغيان التفكير المالي الذي وراؤه السياسات المالية. ربما طبيعة المرحلة الوطنية الآن، تحتّم إقامة جمعية لحماية أشجار النارجيل والموز والفافاي من جنوح المنافع الذاتية وتقوقعها، وغياب التشريعات الرادعة، مثل معاقبة كل من يُساهم في منع المياه عن الأشجار، والمنع المطلق لاقتلاع الأشجار، مهما كانت الأسباب والمبررات، وربما نحتاج من الأعضاء المنتَخَبين في المجلس البلدي لظفار استصدار لوائح محلية مُغلّظة لحماية هذه الثروات القومية، وهنا الرهانات على مثل هذه المسارات الحديثة، وهي رهانات فعّالة لو فُعِّلَت. القضية الآنية الآن تتمثل في التراكم المتوالي لغزو الآفات على أشجار النارجيل، وهي لا تتحمل التأخير كالعادة، وبحكم نظام اللامركزية الجديد في بلادنا، فإن هذه القضية تدخل ضمن صلاحيات مكتب محافظ ظفار، بحكم الاختصاصات اللامركزية التي مُنحت للمحافظين؛ فالمحافظون تقع مسؤوليتهم على مجموع التراب الوطني لكل محافظة من شجر وحجر وبشر وهواء وفروع المؤسسات المركزية. وهنا نقترح تشكيل لجنة تضم كل أطرف العلاقة الحكومية برئاسة مكتب المحافظ، تتولى مهمة التعجيل بالمكافحة وتأمين الطرق والوسائل الناجعة لها، بما فيها الأموال، وتذليل كل الصعوبات التي تعترضها. ووفق ما أفادنا به الخبير الزراعي، فإن عملية المكافحة تستوجب أن تكون كاملة، بحيث تشمل كل أشجار النارجيل في ظفار (السليمة والمريضة، الصغيرة والكبيرة)، ويرى كذلك أن المكافحة ينبغي أن تشمل الحشرة وفي الوقت نفسه آفة "حلم ثمار النارجيل" التي قال عنها إنها موجودة منذ أكثر من 20 سنة، وشكّلت أضرارًا اقتصادية لمحصول النارجيل، وهذا ما يلمسه كل مواطن. وهنا التساؤل: لماذا تُترك هذه الآفة طوال تلك الفترة الزمنية الطويلة؟ يدُق هذا الخبير جرس الإنذار في حالة مكافحة الذبابة البيضاء، وذلك عندما قال إن التأخير أو عدم تنفيذ المكافحة الصحيحة سيودي إلى تدمير وموت أشجار النارجيل، وقد لا تسلم أشجار الموز والفافاي منها. ولذلك نقول إن ثرواتنا القومية من النارجيل والفافاي والموز، أمانة على عاتق المؤسسات الحكومية اللامركزية والمركزية، وفي الوقت نفسه، أمانة على عاتق كل عضو مُنتَخَب من المواطنين، وهذا ملف نضعه بصورة عاجلة فوق كل تلكم الطاولات، ونخص بالذكر طاولة مكتب محافظ ظفار؛ لإشرافه الكامل على مجموع التراب الوطني لمحافظ ظفار. ووفق إحصائيات قديمة تُقدّر أعدد أشجار النارجيل بمحافظة ظفار بحوالي 150 ألف نخلة مزروعة على مساحة تقدر بـ1455 فدانًا وتنتج حوالي 7000 طن سنويًا، يُصدَّر منها حوالي 1700 طن سنويًا، والباقي يُستهلك محليًا. وهناك مشروع لإنتاج وتوزيع 50 ألف شتلة من النارجيل، وهذه النخيل الآن جميعها مُستهدفة من الذبابة البيضاء. مجددًا.. الملف فوق تلكم الطاولات المؤسسية والفاعلية المُنتَخَبة والاجتماعية.. فماذا ستفعلون بمصير ثرواتنا القومية: النارجيل والفافاي والموز؟!
مشاركة :