تحدثت في مقال الأسبوع الماضي عن شركات الحج لخدمات حجاج الخارج؛ ونشاطها في البحث عن عملاء جدد، والترويج لخدماتها من دول مختلفة ومن غير الأقاليم التي اعتادت في الماضي التعاقد معهم في نظام المؤسسات، حيث التوزيع حسب الأقاليم الجغرافية؛ وهذا بسبب التنافسية التي أخذت بها الشركات الجديدة.. كما أن شرط السن لم يكن قط في مهنة الطوافة، بل حتى في نظام مقدمي الخدمات، ولائحته التنفيذية، ولا في نظام الشركات. وما أود التأكيد عليه، هو أن العمل في خدمة ضيوف الرحمن لن يخرج في إطاره العام عن الخدمات السابقة التي كان يقوم بها المطوف، وإن اختلفت بعض الإجراءات والتنظيمات لارتباطنا بالتقنية، والتي يستطيع القيام بها عدد محدود من مختصي التقنية، فهناك الاستقبال، والضيافة، والسكن، والنقل، والإسكان في المشاعر المقدسة «منى وعرفات»، ومن ثمّ التفويج في النفرة والنقل والترحيل لبلادهم.. وهي مهام قام بها المطوف عبر التاريخ، وحقيقة تلك الشركات التي وضعت السن لم يكن لها مسوغ نظامي سوى أن وزارة الحج قد حددت في شروط التوظيف لديها من العام الماضي، سن (22- 50 عاماً).. ولكن وزارة الحج دورها رقابي إشرافي، وتتعامل بالمسطرة والقلم، وتنفيذ تعليمات مكتوبة على مقدمي الخدمات، الذين عركوا الميدان وخبروه في كل تفاصيل رحلة الحاج، وعلى استعداد لمواجهة أي مشكلات إنسانية، أو بيئية، أو اجتماعية نتيجة للخبرات التراكمية، وكان بدل ذلك الشرط، قبولهم كمستشارين في الشركة أو في مراكز تقديم الخدمة لحل العقبات الطارئة، سواء الخدمية أو الاجتماعية التي تنشأ بين العاملين أو بينهم وبين حجاج بيت الله الحرام، خصوصاً في ظل اختلاف الثقافات بين الحجاج؛ التي ستخدمها الشركات من كافة أنحاء العالم، وهذا تحدي كبير عليها أن تأخذه في الحسبان، وأخذ الكفاءات القادرة على الإدارة بالخبرة أو على الأقل أخذ الكفاءات الأكاديمية منهم للعمل في الدراسات والبحوث لتطوير الشركة. كما أن التواصل مع العملاء والمستفيدين، ومنهم المساهمون، أمر في غاية الأهمية، وإيجاد (لجنة علاقات المساهمين)، وأن يكون هناك متحدث رسمي باسم كل شركة، للرد على استفسارات المساهمين، سواء عن الجمعية العمومية أو عن حقوقهم أو عن الاستثمارات. كما رأينا زيادة التنافسية بظهور شركات أخرى من المساهمين، ولكنها حتماً تعمل حسب النظام؛ و»أن نسبة التملك في شركات أرباب الطوائف يجب ألا تقل عن 51% بشكل أدنى، ونسبة 49% بشكل أعلى للشركاء من حملة الأسهم، لضمان سيطرة الشركة الأم، مما سيُقوِّي مركزها المالي، ويحافظ على مصلحة عموم المساهمين»، وهؤلاء هم أولى من غيرهم في الدخول للخدمة لوجود الخبرات السابقة في المهنة. وهناك سؤال مهم لوزارة الحج: هل وضعت الوزارة (خطة تشغيلية عامة للشركات) للعمل بموجبها في ظل التحول الكبير؟، وهل طالبت الشركات بوضع خططها التشغيلية المتوائمة مع خطة الوزارة والمتوافقة مع نظام مقدمي الخدمات؟، حتى يكون جميع العاملين على دراية بالأهداف والعمل على تحقيقها؛ مثلاً كيف سيتم السكن للحجاج من دول مختلفة للشركة الواحدة وكيف سيتم خدمتهم؟، وخاصة في مشعري منى وعرفات، حيث الازدحام وصعوبة الوصول للحجاج بسهولة إذا كانوا في مجمعات بعيدة.. فالخطة التشغيلية هي بمثابة خارطة الطريق للعمل بما يُحقِّق سلامة وراحة ضيوف الرحمن. وليس أدل على أهمية مهنة الطوافة وشأن المطوفين عبر التاريخ؛ اهتمام الدولة السعودية بهذه المهنة الشريفة، وما أفرده كرسي الملك سلمان بن عبدالعزيز لدراسات تاريخ مكة من بحوث ودراسات علمية قُدمت بالشراكة مع إمارة منطقة مكة المكرمة ووزارة الحج بتاريخ 22-23/2/1435هـ، حيث أُقيمت ندوة علمية في رحاب جامعة أم القري، وقد جُمعت الدراسات والبحوث في ثلاث مجلدات، يحوي كل منها عشرات من الدراسات القيمة في مفهوم الطوافة، ونشأتها التاريخية، وتطورها في العهد السعودي، والمطوفون، ومهامهم وخدماتهم وأسر الطوافة التي عملت في المهنة أجيال متعاقبة، وكل تلك المجهودات تدل على اهتمام وعناية المملكة العربية السعودية بالمطوفين والطوافة عبر التاريخ، وعبر كتب الرحالة والوثائق التاريخية والتقارير التي مُنِحَت لهم، وكل ذلك يثبت صعوبة إلغاء مُسمَّى (مهنة الطوافة)، لأن العمل سيظل في خدمة ضيف الرحمن، وستظل العلاقات الإنسانية والقيم التي توارثها أبناء الطائفة هي التي تحكم العمل الميداني.. والله من وراء القصد.
مشاركة :