العلا - عبدالرحمن العطوي: تعتبر محافظة العلا شمال غرب المملكة كيانًا مكانيًّا يحمل تاريخًا بشواهد حية، وأصولًا ثقافية صاغتها حضارات متعاقبة منذ أكثر من 200 ألف عام، وكانت مقصدًا لرحلات الرحالة والمستكشفين، ولا تزال حتى اليوم أحد أهم مواقع الاستكشافات التاريخية نظير ما تختزنه من آثار. وعُرِفت «العلا» قبل الإسلام باسم «دادان» كما ورد في كتب الآشوريين والكتب العربية القديمة، وكذلك باسم «وادي القرى»، ولكن اسمها ارتبط بإرث حضارة الأنباط والدادانيين واللحيانيين. وتضم العلا معالم تاريخية إنسانية، يظهر من بينها موقع «الحِجر» الذي بنته إبداعات الحضارة النبطية، وسُجِّل الموقع بوصفه أول موقع تراث عالمي لليونسكو في المملكة العربية السعودية، وتضم كذلك مملكتَيْ لحيان ودادان الأثريتين خلال زمنين متعاقبين، في المدة ما بين القرن التاسع قبل الميلاد، حتى نهاية القرن الثاني أو بداية القرن الأول قبل الميلاد، إضافة إلى «البلدة القديمة»، التي كانت ملتقى قوافل الحجاج منذ أكثر من ألف عام. واجتمعت في «العلا» عوامل الجذب التاريخي والجغرافي، فهي واحدة من أهم الأماكن الأثرية في العالم التي تحكي معالمها تاريخ حضارات إنسانية، وتمتاز بجمال طبيعي وتراث إنساني نوعي، يجعلها في مستهدف رئيس أكبر متحف حي في العالم، ولتوفر وجهة فريدة تجربة سياحية عالمية مميزة وفق ما تعمل عليه الهيئة الملكية لمحافظة العلا. وفي إطار ما نصت عليه رؤية المملكة 2030، من تعظيم الاستفادة من الإرث التاريخي الذي تتمتع به أرض المملكة، إذ أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - في السادس والعشرين من شهر شوال عام 1438هـ، الموافق 20 يوليو 2017م، أمرين ملكيين بإنشاء (الهيئة الملكية لمحافظة العلا) وتشكيل مجلس إدارتها برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، لتعكس الهيئة أهمية تطوير محافظة العلا على نحو يتناسب مع قيمتها التاريخية ومكانتها الحضارية، وما تشتمل عليه من مواقع أثرية، وبما يحقق المصلحة الاقتصادية والثقافية التي قامت عليها رؤية المملكة 2030. وتشهد محافظة العلا كل عام وخاصة موسم الشتاء العديد من المهرجانات الشتوية السنوية وأهمها موسم شتاء طنطورة بتنوعه الفني والثقافي. «والطنطورة» هي الساعة الشمسية التي اعتمد عليها الأهالي لتحديد الوقت الخاص بدخول موسم الزراعة ومربعانية الشتاء، حيث تحتفل العلا اليوم بهذا المعلم التراثي والثقافي من خلال مجموعة من الفعاليات الترفيهية والثقافية والتجارب المميزة خلال الاحتفال الذي يحمل هذا الاسم التاريخي. وقبل أسبوع انتهى موسم شتاء طنطورة الذي شمل الاحتفال والعروض الثقافية والأنشطة التفاعلية التي تبرز تاريخ العلا العريق وموسمها الساحر، حيث يعد هذا الاحتفال الأضخم من نوعه لنبدأ موسمًا آخر في هذه المحافظة التاريخية والعديد من الأنشطة والفعاليات الترفيهية، منها التحليق في سماء العلا والاستمتاع بالمناظر المبهرة والطبيعية على متن المناطيد، وتختلف التجارب بين رحلة المناطيد المعلّقة التي تستغرق 15 دقيقة أو رحلة مناطيد التحليق الحر التي تستغرق 45 دقيقة «حسب الظروف الجوية» وسيستمتع محبو التجول والمشي، في جولة «مسار الواحة التراثي»، الذي يمتد ساعتين، يتنزه الزوار في مناطق طبيعية خلابة بجوار المنازل الطينية الأثرية والمزارع المحلية الخضراء وبين أسوارها الطينية القديمة. ويمكن للزوار ومحبي الأزياء الاستمتاع بتجربة التسوّق في المتاجر الراقية في وادي عِشار، حيث تأتي مجموعة من المتاجر الراقية لفترة محدودة فقط لتعرض منتجاتها الراقية والفاخرة لزوار العلا. وتقام المتاجر المميزة بين التضاريس الطبيعية الساحرة في أحضان وادي عِشار. تعد العلا موقعًا تراثيًّا استثنائيًّا ليس في المملكة فحسب، بل في المنطقة والعالم، حيث تمتلك العديد من الوجهات والتفاصيل التاريخية التي تضرب في عمق التاريخ، كما تتمتع بخصائص طبيعية نادرة ومبهرة، قد لا تتوافر في موقع آخر في العالم فيما تستقبل بلدة العلا القديمة أعدادًا كبيرة من السياح والزوار. وتحتضن مدينة العلا تراثًا يعود بالزائر إلى آلاف السنين للوراء، كما تعد البلدة القديمة أحد المواقع الأثرية الأربعة في العلا التي تعرف كوجهات سياحية جاذبة للسياح والزوار على مدار العام، وتضم موقع الحجر الأثري ودادان وجبل عكمة بالإضافة لمدائن صالح المدينة الحجرية التي تقع على مسافة 22 كم من محافظة العلا التي يعود تاريخها إلى ماقبل الإسلام في عهد المملكة النبطية حيث تشهد إقبالًا كبيرًا من الزوار. وتستمر في العلا العديد من المواسم المتتابعة التي تجعل منها محط أنظار السياح وزوار المملكة على مدار العام.
مشاركة :