في كل مرة أعيد قراءة دواوين نزار قباني أكتشف شيئاً جديداً، وكأن الدواوين صدرت البارحة وكأن تلك الأعوام لم تمر، نزار قباني صاحب اللغة الأنيقة الطازجة وغير المسبوقة جعلته شاعراً استثنائياً وفي كل يوم هناك عنده جديد. المرأة عنده لم تعد غماماً أو موجة عطر أصبحت بالدرجة الأولى كائناً حساساً، وله خصوصيته ولذلك دعا نزار لإقامة صلة جديدة وعادلة مع هذا المخلوق الاستثنائي عندما كتب قصيدته الشهيرة حبلى في منتصف الخمسينيات. يعتبر شعر نزار قباني عندما سطع نجمه جسراً أوصل الكثير لمن أراد أن يواجه الحقيقة. في (خبز وقمر) كانت الصدمة السياسية فالخبز النزاري كان ضرورياً حين لاتكفي الشعارات السياسية أما القمر فهو شاهد ومراقب لما يحصل على أرض الواقع. نزار سافر مع المرأة من خط الاستواء إلى أبعد المدارات. ماكتبه نزار عن الأندلس، وتحديداً قصر الحمراء كان دليلاً سياحياً شاملاً... لمن قرأه في تلك المرحلة استطاع استعادتها ولو شعرياً. فمنذ ابن زيدون لم يكتب أحد وجع الأندلس وولهه ونعناعه وياسمينه وقصوره وانكساراته وهزيمته كما كتب نزار الذي أعاد اكتشاف التاريخ من مدخل قصر الحمراء عندما كان اللقاء. أما الشام تلك الحكاية التي امتدت معه منذ أن رأى الضوء بجانب مئذنة الشحم بحي القيمرية إلى أن غاب قمره في عاصمة الضباب...لندن. نزار قباني ليس شاعراً فقط وتنتهي الكلمة هنا لا إنه الشعر، من كلمة صباح الخير إلى تصبحون على خير وبينهما التفاصيل الكثيرة قهوة الصباح، الجريدة، المقهى، التاريخ, المرأة، الله ما أكثر تفاصيلك يا نزار. فتحت اليوم اليوتيوب وعدت لسماعك....امتد عمود من الفرح والضياء حولي, قلة هم الشعراء الذين كلماتهم تعيش وتختمر بداخلهم فتظهر أنيقة وزرقاء زرقة عينيك وزرقة بحر بيروت الذي أحببت. لقد حوّل نزار قباني الشعر إلى خبز ضروري متاح للكبار والصغار على حد سواء. يقول في كتابه الشعر قنديل أخضر لا يوجد لفظة شعرية ولفظة غير شعرية الشعر فن ملامسة الآخر... على هذا الأساس نقل نزار قباتي الشعر من القاعات حيث النخبة إلى الساحات والشواطئ والأرصفة حيث يتلاقى العشاق مرددين أشعاره التي جاءت على حناجر مطربي الحب والرومانسية كعبدالحليم حافظ ونجاة وفايزة أحمد وكاظم الساهر. ولعله من الشعراء القلائل الذين حُظُوا بهذا الاستمرار الذي لم ينقطع وكأنه كل يوم يبعث لنا برسالة ليقول لجميع الناس تمتعوا بالحياة. فهو يقدم نموذجاً بسيطاً من الشعر لكن بمقدار بساطته هو أيضاً عصّي أيضاً وضروري لصقل الروح/ لجعل الإنسان أكثر إنسانية. إن تذكرنا لنزار قباني واحتفاءنا به هو احتفاء بالشعر بالأشياء الجميلة التي يجب أن تبقى لتجعل حياتنا أقل قسوة وأقل شقاءً ملونة وبهيجة تستحق أن تعاش رغم كل مافيها من تحدٍّ. كل ما بنزار هو فني وجميل كتب عن المدن والألوان والأشكال والنساء عبر مقاربات رائعة بكلمات اتسعت لتشمل الحياة كلها. انغمس نزار في حياة عصره واشتبك بالقضايا الكبيرة والضغيرة استمر يورق ويخضر مع كل ربيع كاشفاً ونذيراً للمعتم القائم. أبسط مايقال عنه إنه شاهد على عصره. ** ** - نوال عليان الحوار
مشاركة :