المعارضة الموريتانية تلجأ إلى «الشارع»

  • 2/11/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

عاصفة حشد جماهيري، ومكبرات صوت، ومنصات في الشارع، وخطابات نارية، وأغان حماسية، وشعارات حالمة، وشتائم للواقع وللنظام القائم، بهذه اللوحة عادت المعارضة الموريتانية إلى خيار الشارع للضغط على نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز من أجل القبول بحوار سياسي شامل، وذلك بعد أكثر من عام على إعلانها أن خيار الثورة الشعبية فشل في موريتانيا، بل وأنه لم يكن واقعياً. منتدى المعارضة، وهو الائتلاف الرئيسي المعارض في البلاد، تمكن خلال الأسبوعين الماضيين من حشد الآلاف في مهرجانين بالعاصمة نواكشوط، مؤكداً بذلك قدرته على الحشد الجماهيري. وابتداء من مهرجان عرفات، الذي دشن الانطلاقة الجديدة، وحتى مهرجان السبت الماضي، الذي اختار له قادة المعارضة مقاطعة دار النعيم شمالي نواكشوط، وهي من أكبر خزانات الفقر في العاصمة، قدم زعماء المنتدى تعميمات أورسائل نحو ثلاثة مستلمين رئيسيين. التعميم أو الرسالة الأولى متعلقة بالحوار المرتقب، والذي كان قد دعا له النظام، فقبل عام اشترطت المعارضة للدخول في الحوار حصولها على وثيقة مكتوبة من السلطة تقدم من خلالها ممهدات (ضمانات)، بينها جملة كبيرة من المطالب أبرزها مطلب حكومة وفاق وطني تشرف على تطبيق النتائج التي سيتوصل إليها الحوار. المعارضة الموريتانية مع نزولها الجديد للشارع، أعربت عن قناعتها أن الحوار هو الحل الوحيد للأزمة التي باتت البلاد تتخبط فيها على جميع المستويات، وأن الحوار هو الحل الأمثل والأضمن لاستقرار البلاد. بهذا المعنى فإن المنتدى يقرر استراتيجية شعبية لإجبار النظام على الحوار وليس إطاحة النظام. وهذا ما أوضحه الرئيس الدوري لمنتدى المعارضة أحمد سالم ولد بوحبيني، الذي خاطب الحشود قائلاً إنهم يسعون إلى إخراج البلد من عنق الزجاجة، بآلية الحوار الجاد الصادق، الذي يؤسس للعبور نحو شاطئ دولة العدالة، والقانون، والحريات، والمساواة، دون خسائر، وفي جو يضمن الحفاظ على اللحمة الوطنية. وشرح أن الحوار هو خيارنا، لأنه هو الحل الوحيد الذي سيخرج البلاد من واقع الاستبداد، دون أن تتعرض لخطر الفوضى، وهي إشارة واضحة إلى ما تشهده البلاد من انقسامات واصطفاف عرقي وشرائحي. ولد بوحبيني أبلغ الجماهير أن الاستجابة التي لمسوها في قيادة منتدى المعارضة، الأسبوع الماضي من حماس السلطة للحوار تراجعت وتيرتها لأسباب يجهلونها. وهنا أعلن ولد بوحبيني أن منتدى المعارضة لن يقبل الدخول في أي حوار إلا بعد تسلمه رداً مكتوباً من السلطة على وثيقة الضمانات نقطة نقطة، وفق تعبيره. هل ستقبل المعارضة الموريتانية بأي ردود مكتوبة على ضمانات الحوار؟ هذا السؤال أجاب عنه بعض قادة المعارضة، وبما يفيد أنهم سينظرون في الردود المكتوبة إن وجدت ومدى تعبيرها عن صدق النظام في الحوار، ومن ثم يقررون الخطوة التالية. وهذا ما يحملُ الاستعداد لالمساومة على الضمانات أو الممهدات ذاتها، على الأقل من أطراف فاعلة في المعارضة. منتدى المعارضة في رسالته الثانية، أكد أنه سيعمل على توحيد صفوف المعارضة، كي تكون قادرة على التأثير القوي، وترجيح ميزان القوى، لصالح تغيير يجمع ولا يفرق، ويبني ولا يهدم. وأوضح قادة المعارضة أن المرحلة الراهنة تتطلب وقفة تأمل أمام واقع وتحديات اليوم التي تختلف عن تحديات الأمس، وتستلزم الاعتراف بالنواقص، والعمل على تغيير الأساليب، ومن دون ذلك سيبقى النظام هو المستفيد الوحيد، والشعب هو المتضرر، ويبقى التغيير متعطلاً. بناء على هذه الرؤية، التي تحمل نقداً ذاتياً، أعلن قادة المنتدى أنهم سيشرعون خلال الأيام المقبلة في العمل على توحيد صفوف أطياف المعارضة، بادئينبتجاوز ما أسموه الخلافات البسيطة والطبيعية داخل المنتدى، حتى يسير متماسكاً قوياً، وأعلن مد الجسور مع الأحزاب والشخصيات المعارضة خارج المنتدى، والتي يجمعنا معها نفس الهدف. إن هذه الرسالة الأخيرة تهدف أساسا إلى استرجاع تيار أحمد ولد داداه، الذي جمد نشاطه داخل منتدى المعارضة احتجاجا على خطوة المنتدى قبل شهرين بقبول إجراء لقاء تمهيدي مع الحكومة دون الحصول على الرد المكتوب بشأن الضمانات. وقد جاء إعلان تمسك المنتدى بالرد مكتوب نقطة نقطة كخطوة ترضية لولد داداه، الذي أعلن من جانب واحد مضيه النزول للشارع من دون ائتلاف المعارضة وذلك في مهرجان التحدي والصمود المقرر في الثامن عشر من فبراير الجاري. أما الرسالة الثالثة من العودة للشارع، فقد حملها قرار المنتدى بأن تكون تظاهراته تحت شعار: الشعب يعاني الفقر والإهمال وارتفاع الأسعار. إن قادة منتدى المعارضة الموريتانية يعلنون من خلال هذا الشعار العودة للخطاب المعيشي، الحقوقي، الاجتماعي الأكثر تأثيراً في المواطنين الموريتانيين، وذلك بعد سنوات من استهلاك المعارضة لشعار الرحيل، ولقد أكد قادة المنتدى أن شيئا لن يحصل ما لم يتحرك المواطن وينزل للشارع من أجل الضغط على النظام. إن هذه الرسالة ليست مبشرة لنظام ولد عبد العزيز الذي يعاني مصاعب اقتصادية جمة جراء تدهور أسعار صادرات المناجم، وبحيث لجأت الحكومة إلى وسائل تحصيل غير معتادة، حيث إن موريتانيا الآن هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم تقم بتخفيض أسعار المحروقات، وذلك لتعويض انهيار أسعار صادرات الحديد. وإذا تمكنت المعارضة من خلق ثورة مطالب معيشية اجتماعية ونقابية، فإنها ستكون وفقت في اختيار التوقيت المناسب، حيث وصلت الأسعار في البلاد إلى مستويات قياسية تزامنا مع استحالة رفع الأجور جراء تراجع المداخيل، الأمر الذي يحفز حاسة الخوف الموريتانية من ثورة خبز جديدة، تحت أي شعار، ويبدو نظام رئيس الفقراء في هذه الظرفية أمام مصاعب حقيقية، من أكثرها خطورة الوضعية المثيرة للقلق في قطاع المناجم، العمود الفقري لاقتصاد البلاد. لقد جاءت هذه المهرجانات وهذه الرسائل في وقت تلقت فيه المعارضة اتصالاً هاتفياً من الحكومة تطلب فيه اللقاء، غير أن المنتدى رد بأنهُ لن يذهب إلى لقاء لا يضمن فيه تسلم الرد المكتوب نقطة نقطة. وهكذا تأجل اللقاء هاتفيا إلى إشعار آخر، تارة تحت دعوى إعداد الرد المكتوب، وتارة تحت إغراء عرض توقيع وثيقة ضمانات مشتركة. إن هذا الارتباك يعكس أيضا اختلاف الرؤية داخل معسكر الحكومة إزاء الحوار المرتقب، فثمة ثلاثة سيناريوهات على الحكومة الموريتانية أن تختار بينها، بعد أن أصبحت تحت ضغط انتخابات مجلس الشيوخ المقررة هذا العام 2016. السيناريو الأول: يذهب هذا السيناريو إلى أن الزعيم التاريخي للمعارضة الموريتانية أحمد ولد داداه قد اتخذ قراراً نهائياً بعدم الحوار مع النظام، وذلك عبر الشروط التعجيزية التي تقدم بها ولد داداه في وثيقة الممهدات، وخلاصتها تخلي ولد عبد العزيز عن ذراعه العسكرية (كتائب الحرس الرئاسي) وعدم التدخل في ترتيب شؤون ما بعد المأمورية الرئاسية الحالية. وبناء عليه يرى جناح في النظام أن شرعية الإجماع الوطني مرتبطة بمشاركة ولد داداه الذي أصبحت المعارضة ماركة مسجلة باسمه، وفق تعبير أحد قيادي بارز في الموالاة. لا يشجع هذا السيناريو النظام على التورط في ضمانات تمنح لجزء من المعارضة، ويسوق بدلًا من ذك الذهاب إلى حوار وطني بمن حضر، من خلاله تتم إجازة منظومة سياسية وتشريعية جديدة، تفضي إلى إجراء مسلسل انتخابي جديد، وفتح باب البقاء في السلطة أمام الرئيس الحالي ولد عبد العزيز. السيناريو الثاني: ويقترح عزل ولد داداه في زاوية ضيقة دون أي تحالف سياسي يعزز من موقفه، ومن ثم محاولة جر منتدى المعارضة إلى حوار عبرطعوممتعلقة بفوائد سياسية ووظيفية وانتخابية للمنتدى، الذي - باستثناء الإسلاميين - دفع غالياً ثمن مقاطعته للانتخابات التشريعية الماضية، وستكون أي انتخابات تشريعية سابقة لأوانها بمثابة إنقاذه من الأمواج وإعادة للمركب. أما السيناريو الثالث: فهو الاستمرار في تهدئة الأوضاع العامة عبر رفع شعار الحوار إلى أن يتم تمرير كل ما يسعى إليه النظام وفق آلية 2013، التي شاغلت المعارضة بحوار وهمي، إلى أن كانت النتيجة خروجها من المؤسسات الانتخابية. لقد حذر الرئيس الدوري لمنتدى المعارضة أحمد سالم ولد بوحبيني من هذا السيناريو مؤكداً أن على الحكومة أن تتجاوز الأقوال إلى الأفعال، وأنه لم يعد من المعقول ولا المقبول استخدام الحوار كشعار تتجاوز به المراحل، ويستهلك به الزمن، ومناورة تلفت بها الأنظار عن المشاكل والمحن التي يعيشها الشعب، مضيفا على الحكومة أن تعي وتدرك أن انتظار الحوار له سقف زمني ينتهي إليه. الأزمة السياسية الموريتانية أزمة طويلة الأمد، وأن هذه الأزمة وليدة صراع مرير على كرسي الحكم وليس على الديمقراطية.

مشاركة :