المعارضة الموريتانية تلوّح بالنزول إلى الشارع

  • 6/4/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

بعد انشغالها منذ أشهر بشكل النافذة التي‮ ‬فتحها النظام للحوار،‮ ‬يبدو أن المعارضة الموريتانية اكتشفت أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز فتح النافذة فعلاً لكنه أبقى على سياجها،‮ ‬الذي‮ ‬لن‮ ‬يسمح بدخول‮ ‬غير أشياء‮ ‬محدودة جدا،‮ ‬وقد لا تتعدى‮ ‬تهوية سياسية‮ ‬وبقدر ما‮ ‬يتحمله أنف النظام الحساس إزاء‮ ‬غبار وأتربة المطالب المناوئة‮.‬ المعارضة الموريتانية المنهكة تعبوياً ومالياً،‮ ‬والمشرذمة بين ثلاث هيئات،‮ ‬وأكثر من‮ ‬أربعين زعيماً‮‬،‮ ‬تأكدت الأسبوع المنصرم،‮ ‬وفي‮ ‬بيان منتدى المعارضة،‮ ‬أن الحوار الذي‮ ‬عرضه النظام هو‮ ‬مجرد ملهاة جديدة تعود عليها النظام الحالي‮.‬ وقالت المعارضة إن تعامل الرئيس ولد عبد العزيز مع هذا الحوار أكد عدم جديته في‮ ‬الموضوع،‮ ‬مذكرة بثلاث محاولات مشابهة في‮ ‬السابق‮.‬ ونوهت المعارضة إلى أنها استجابت بنية صادقة لدعوة الحوار،‮ ‬رغم‮ ‬الشكوك التي‮ ‬تحوم حول النوايا الحقيقية للرئيس ولد عبد العزيز نفسه بهذا الخصوص‮.‬ المعارضة الموريتانية هددت بأن صبرها قد نفد،‮ ‬ولوحت بالتصعيد والنزول للشارع،‮ ‬وأكدت عزمها أكثر من أي‮ ‬وقت مضى،‮ ‬على العمل بجد،‮ ‬وبكافة الوسائل المتاحة من أجل‮ ‬تحقيق التغيير المطلوب‮ ‬الذي‮ ‬يتطلع إليه الشعب الموريتاني‮.‬ جاء ذلك بينما أكدت التسريبات أن الحكومة بصدد رفض النقاط الرئيسية في‮ ‬وثيقة عرض الحوار التي‮ ‬تسلمتها الحكومة،‮ ‬وتتعلق أهم المطالب الرئيسية بحكومة توافقية تشرف على تطبيق نتائج أي‮ ‬اتفاق‮ ‬ينتج عن الحوار المرتقب‮.‬ ووفق التسريبات،‮ ‬فإن مداولات‮ ‬صقور‮ ‬نظام ولد عبد العزيز توصلت إلى أن أقصى ما‮ ‬يمكن أن تصل إليه الحكومة من تنازلات هو القبول بانتخابات برلمانية وبلدية تسمح بعودة المعارضة للمؤسسات الانتخابية‮.‬ يناقضُ‮ ‬ ذلك بشكل كلي‮ ‬طموح القادة الرئيسيين في‮ ‬المعارضة‮ (‬أحمد ولد داداه،‮ ‬علي‮ ‬ولد محمد فال،‮ ‬ومسعود ولد بلخير‮)‬،‮ ‬الطامحين إلى خلافة ولد عبد العزيز في‮ ‬الحكم،‮ ‬وذلك عبر حوار‮ ‬يؤمن إنهاء مأموريته بسلام،‮ ‬لكنه‮ ‬يمكن المعارضة من استلام الحكم في‮ ‬الرئاسيات القادمة‮.‬ غير أن القوى الوسطية في‮ ‬المعارضة،‮ ‬غير منشغلة بالمعركة المبكرة حول الكرسي‮ ‬الرئاسي،‮ ‬وترى أن أهدافها‮ ‬يجب أن تتركز أكثر حول‮ ‬مشاركة معقولة ومنصفة‮ ‬في‮ ‬الدولة ومؤسساتها الانتخابية والإدارية،‮ ‬وذلك سبيل المشاركة في‮ ‬وضع تصور للمشاكل العميقة التي‮ ‬تعيشها البلاد في‮ ‬ملفات أكثر استراتيجية متعلقة بالمشكل العرقي‮ ‬والشرائحي‮ ‬والوضع المعيشي،‮ ‬والدور الموريتاني‮ ‬في‮ ‬الصراع الإقليمي‮ ‬المتصاعد بشكل متسارع جراء ملفات الإرهاب والاضطرابات في‮ ‬الساحل‮.‬ من هذه الزاوية‮ ‬ينتظرُ‮ ‬ولد عبد العزيز إما إلى جر المعارضة لمشاركة انتخابية لتجميل مساره الديمقراطي،‮ ‬أو إحداث انقسام في‮ ‬صفوف المعارضة،‮ ‬بعد الجدل بل والعتاب‮ ‬بين القادة المعارضين إثر النتائج الكارثية التي‮ ‬خلفها قرار المعارضة مقاطعة الانتخابات التشريعية والرئاسية الماضية‮.‬ هكذا بعد أن انشغلت المعارضة الموريتانية خلال الأشهر الماضية في‮ ‬تصفيف المطالب والشروط المحضرة للحوار الشامل،‮ ‬بناء على العرض الأسخى من نوعه المتعلق بعرض النظام لانتخابات رئاسية مبكرة ونيابية وبرلمانية سابقة لأوانها وبناء الثقة بين كل الأطراف السياسية،‮ ‬إذ بأحلامها تتحطمُ‮ ‬أمام الواقع والممكن‮‬،‮ ‬أمام خيار الدخول في‮ ‬اتفاقات مرحلية كما جرى في‮ ‬السابق أو العزلة‮.‬ ليس ذلك فحسب،‮ ‬فالمعارضة انتبهت متأخرة إلى أن موريتانيا تتجه إلى منعطف سياسي‮ ‬حاسم،‮ ‬يتعلق هذه المرة،‮ ‬بالتحضير لحكم مستديم‮ ‬لصالح الرئيس محمد ولد عبد العزيز‮.‬ هذا المنعطف من الطبيعي‮ ‬أن تواجهه عشرات الصعوبات نظراً إلى التحولات السياسية المتصاعدة،‮ ‬والتجاذب الاجتماعي‮ ‬العنيف الذي‮ ‬تشهده البلاد،‮ ‬إلا أن الحراك المحموم لولد عبد العزيز وحشده الشعبي‮ ‬الهائل في‮ ‬مختلف ولايات البلاد،‮ ‬لم‮ ‬يترك مجالاً للشك في‮ ‬سعي‮ ‬الرجل للتحضير المبكر لمأمورية ثالثة،‮ ‬كانت المعارضة مطمئنة إلى أنها مستحيلة دستورياً،‮ ‬إلا أن الحشد الجماهيري‮ ‬الذي‮ ‬نجح الرئيس في‮ ‬تأمينه وتحركه السريع بين الولايات وخرجاته الإعلامية،‮ ‬ولقاءاته بنخبته العسكرية،‮ ‬تشير إلى أنه ماضٍ في‮ ‬هذا الخيار‮.‬ الرئيس ولد عبد العزيز شغل طوال أسابيع الرأي‮ ‬الموريتاني‮ ‬بأطول الجولات الرئاسية في‮ ‬تاريخ البلاد،‮ ‬ويستعد لجولات أطول في‮ ‬باقي‮ ‬الولايات‮.‬ خلال الجولات الماضية،‮ ‬غير ولد عبد العزيز الأسلوب النمطي‮ ‬للزيارات الرئاسية،‮ ‬فلم‮ ‬يترأس أي‮ ‬مهرجانات ولم‮ ‬يلق أي‮ ‬خطاب،‮ ‬واكتفى بالتلويح للحشود التي‮ ‬تستقبله،‮ ‬وبزيارات مكثفة لاستطلاع واقع المدارس والمستشفيات والطرق وتفقد المشاريع الإنمائية‮.‬ ولد عبد العزيز اكتفى في‮ ‬عاصمة كل ولاية بعقد اجتماع سريع بما‮ ‬يعرف بالوجهاء والأطر‮ (‬كبار الناخبين‮)‬،‮ ‬يستعرض فيه إنجازاته،‮ ‬و‮‬يجيب عن بعض الأسئلة الهامشية ويتجاهل تلك الأسئلة المحرجة‮.‬بحسب الكاتب الصحفي‮ ‬موسى ولد حامد‮.‬ المحللون والمراقبون السياسيون لم‮ ‬يجدوا إجابة شافية تبرر زيارات ولد عبد العزيز في‮ ‬هذا الظرف للولايات الداخلية،‮ ‬إذ لم تتضمن لقاءات شخصية،‮ ‬ولا إطلاق مشاريع نوعية،‮ ‬كما لم تتضمن الرد على الأسئلة التي‮ ‬تشغل بال الموريتانيين فيما‮ ‬يتعلق بالوضع المعيشي‮ ‬والبطالة والمطالب النقابية المتصاعدة‮.‬ ‮ ‬المعارضة لم تر في‮ ‬هذه‮ ‬الزيارات الكرنفالية‮ ‬غير المبررة‮ ‬سوى أنها‮ ‬كرست الممارسة القبلية والجهوية البغيضة بأبشع تجلياتها.‬ هذه‮ ‬الزيارات الغامضة‮‬،‮ ‬التي‮ ‬لا تشهد خطابات ولا مهرجانات ولا لقاءات فردية،‮ ‬وتأتي‮ ‬في‮ ‬عزّ‮ ‬موسم الحر الشديد والجفاف،‮ ‬لا تتعدى قيام‮ ‬الجنرال‮‬،‮ ‬وفي‮ ‬خطوة ذكية،‮ ‬باختبار قدرته على الحشد الجماهيري،‮ ‬واختبار القوة الجماهيرية لأنصاره ومراقبة ذلك عن قرب وميدانياً بعيداً عن التقارير المكتبية،‮ ‬التي‮ ‬لا‮ ‬يمكن الاتكال عليها في‮ ‬ظل توجهه نحو البقاء في‮ ‬السلطة عبر ولاية رئاسية ثالثة،‮ ‬تتطلب‮ ‬عملاً جماهيرياً استثنائياً‮ ‬من أجل تغيير الدستور أو طبيعة نظام الحكم‮.‬ وخلال ذلك حقق ولد عبد العزيز أهدافاً تلقائية أخرى،‮ ‬منها دفعه الموريتانيين إلى تناسي‮ ‬الشائعات عن حالته الصحية،‮ ‬بعد أن أمضى أسابيع‮ ‬يتحرك ليل نهار في‮ ‬أقسى الظروف المناخية‮.‬ ولد عبد العزيز الذي‮ ‬نفى باستحياء سعيه لمأمورية ثالثة،‮ ‬واعتبر أن‮ ‬هذا ليس الوقت المناسب لهذا السؤال‮‬،‮ ‬يدرك أن‮ ‬الوعود لا تلزم سوى من‮ ‬يقتنعون بها‮‬،‮ ‬وفق تعبير أحد المعلقين الموريتانيين،‮ ‬بينما‮ ‬يدرك خصومه أن كل هذه التعبئة الشعبية ليست من أجل وداع كرسي‮ ‬الحكم‮.‬ وكان قادة بارزون في‮ ‬المعارضة قد أكدوا أن ولد عبد العزيز‮ ‬يعد لانقلاب شعبي‮ ‬على الدستور‮.‬ تعزز ذلك ملفات مستجدة بالغة الأهمية،‮ ‬فإعلان شركة‮ ‬كسموس أنيرجي‮ ‬الأمريكية عن اكتشافات‮ ‬فاقت التوقعات‮ ‬لما‮ ‬يتوقع أن‮ ‬يكون أكبر حقل للغاز في‮ ‬غرب إفريقيا،‮ ‬واكتشفته الشركة في‮ ‬السواحل الموريتانية،‮ ‬تم بطريقة لا تخلو من‮ ‬أسلوب هوليودي‮‬،‮ ‬إذ سافر رئيس الشركة عبر طائرة خاصة مطارداً الرئيس الموريتاني‮ ‬في‮ ‬ولاية داخلية لإبلاغه‮ ‬النبأ السعيد‮.‬ وقبل ذلك وصل التعاون العسكري‮ ‬الموريتاني‮ ‬الأمريكي‮ ‬مرحلة استراتيجية بشهادة الطرفين،‮ ‬وبشهادة التحرك العسكري‮ ‬الأمريكي‮ ‬في‮ ‬موريتانيا بشكل لافت‮.‬ وإضافة إلى ذلك،‮ ‬ضمنت موريتانيا الحصول على تمويلات خارجية سخية لمشاريع تنموية مهمة،‮ ‬متعلقة بقطاعات الزراعة،‮ ‬والصحة،‮ ‬والتعليم،‮ ‬والبنية التحتية‮.‬ في‮ ‬هذه المرحلة لا‮ ‬يتعجل الرئيس الموريتاني‮ ‬إجراء أي‮ ‬اتفاق مع المعارضة،‮ ‬إذ تقبل هذه الأخيرة على‮ ‬عطلة سياسية‮ ‬طويلة تبدأ بشهر رمضان وموسم العطل لتنتهي‮ ‬بافتتاح العام الدراسي‮ ‬القادم‮.‬ وكان ولد عبد العزيز قد رد على استغراب عرضه السخي‮ ‬حول الحوار،‮ ‬بأنه لا يزال في‮ ‬بداية مأموريته الرئاسية،‮ ‬وأنه إنما عرض الحوار من أجل تنمية المسار الديمقراطي،‮ ‬ومن أجل‮ ‬فكّ‮ ‬العزلة عن المعارضة‮.‬ لا‮ ‬يمكن للمعارضة الموريتانية بتنظيماتها الحالية،‮ ‬وتضارب مصالحها ورؤاها،‮ ‬وتنافس زعمائها،‮ ‬أن تشكل حاجزاً بين ولد عبد العزيز وطموحه لتأسيس حكم مستديم عبر تغيير الدستور أو طبيعة الحكم من جمهوري‮ ‬إلى برلماني‮.‬ ذلك أن الرجل‮ (‬الجنرال‮)‬،‮ ‬بعد امتلاكه لقرار وولاء المؤسسة العسكرية،‮ ‬وإعادة بنائها من جديد،‮ ‬عرف الطريق إلى إدارة الموريتانيين عبر تناقضاتهم‮.‬ وهكذا استخدم الورقتين العرقية والشرائحية،‮ ‬بشكل‮ ‬يخدم بقاءه في‮ ‬الحكم،‮ ‬كما رسم عبر تحويل البلاد إلى‮ ‬محطة لوجستية‮ ‬للقوات الفرنسية والأمريكية،‮ ‬دوره الإقليمي‮ ‬في‮ ‬منطقة الساحل،‮ ‬وذلك بعد نجاحه في‮ ‬الملف الأمني‮ ‬ليس داخل البلاد وحسب،‮ ‬بل وفي‮ ‬بناء نظام استخباراتي‮ ‬في‮ ‬شبه المنطقة،‮ ‬يباهي‮ ‬ولد عبد العزيز علناً أنه أصبح‮ ‬يخدم المجتمع الدولي‮.‬ وكخلاصة،‮ ‬فإن أقل ما‮ ‬يقال إن الوضع الميداني‮ ‬الحالي‮ ‬يشجع برمته ولد عبد العزيز على اتخاذ خطوة التأسيس لحكم مستديم،‮ ‬وهي‮ ‬خطوة قد تتأخر تكتيكياً،‮ ‬أو لأن الوقت لا‮ ‬يزال‮ ‬يسمح‮.‬

مشاركة :