تونس - أجمع عدد من المختصين والمهتمين بالدراما التلفزيونية على أن حرفة السيناريست غير متوفرة في الدراما التونسية وأن هناك غياب للمعالجة الدرامية قبل كتابة السيناريو. وجاء ذلك خلال مسامرة رمضانية نظمها بيت الرواية، مؤخرا، حول "كتابة السيناريو: إشكالات التلقي"، وأثثها كل من الأكاديمي والناقد أحمد القاسمي والكاتبة بلقيس خليفة والصحفي كمال الهلال الهلالي والمخرجين السينمائيين مراد بالشيخ وعبدالله الشامخ. ويرى الناقد أحمد القاسمي أن كتابة السيناريو تغيرت اليوم على مستوى البنية الدرامية، إذ أصبحت الأحداث تتصاعد منذ الحلقتين الأولى والثانية، رغم أن الوظيفة الرئيسية للحلقات الأولى هي تقديم الشخصيات والأحداث. وأوضح أن عدم اقتباس كتّاب السيناريو من الأعمال الروائية سببه أن الكتابة الأدبية في تونس هي كتابة تأملية لكنها غير مشهدية. وقال إن القنوات الخاصة تقدم مادة درامية "مبتذلة" باسم حرية التعبير الفني، لافتا إلى أن "الحرية لا تعني أن يقول المبدع أي شيء كما يريد هو"، بل هي تتيح له معالجة المسائل بعمق مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية العائلة التونسية في شهر رمضان. وشدد على أن الأعمال الدرامية المعروضة غلبت عليها السطحية وغاب عنها العمق، وفقا لوكالة الأنباء التونسية. وأثبتت عموم التجارب العربية أنها تعاني من أزمة في كتابة السيناريو مما يحيل إلى أن هنالك أزمة في كتّاب السيناريو، والتجربة التونسية ليست بمنأى عن ذلك، حيث يظهر ذلك جليا من خلال العملين الدراميين اليتيمين اللذين تعرضهما قناتان تونسيتان منذ انطلاق الموسم الرمضاني، واللافت أن موضوعيهما متشابهين تقريبا. وهذا ما يكشف أن "أغلب السيناريوهات المكتوبة للدراما التونسية لا تستجيب للمقاييس التقنية في كتابة السيناريو ولا تحتوى على أدنى مقومات كتابة السيناريو من حيث الشكل"، بحسب المخرج مراد بالشيخ. وأضاف "لا تستجيب معظم السيناريوهات المكتوبة لشروط كتابة السيناريو، حتى إن أغلب الأعمال الدرامية تمرّ إلى التصوير والسيناريو لم تنته كتابته بعد"، مشيرا إلى أن السيناريو هو كتابة فنية مقننة ومدروسة وقائمة على نظام دقيق وآليات علمية محدّدة. ويرى أن "السيناريست" أصبح لا يخاطر بجهده في البحث والكتابة لأكثر من سنة، ليُرفض عمله أو يحفظ في الرفوف. وبخصوص عدم الاقتباس من الأدب التونسي أو العربي، يعتبر مراد بالشيخ أن الروايات ليست كلها ملائمة لتكتب للتلفزيون أو للسينما وهي ليست كلها قابلة للتحويل المشهدي. ويعتقد الصحفي كمال الهلالي أن الأزمة الحالية للدراما التونسية تعكس أزمة على مستوى كتابة السيناريو وأخرى على مستوى المعالجة الدرامية قبل كتابة السيناريو. وأجرى مقارنة بين كتابة السيناريو للأعمال الرمضانية الحالية والأعمال السابقة في الفترة التي سبقت الثورة، قائلا "كنا في الماضي نوجه النقد للكاتب علي اللواتي مثلا لأنه أهمل بعض الجوانب في السيناريو، لكن اليوم نتبيّن أننا أمام أزمة حقيقية في كتابة السيناريو". ولا يمكن للممثل التونسي أن يُبديَ رفضه للسيناريو المعروض عليه لاعتبارات مهنية ومادية، "فهو العمل السنوي الوحيد له للظهور أمام ندرة الأعمال الدرامية"، وفقا للكاتبة بلقيس خليفة. وقالت إن للقنوات الخاصة أغراض تجارية بالأساس، لكن ينبغي عليها أيضا أن تراعي الخصوصية الثقافية والفنية. أما المخرج عبدالله الشامخ، فقد ذهب في مداخلته إلى الحيّز الزمني لكتابة السيناريو، مشددا على أن كتابة السيناريو ينبغي أن تأخذ مساحة زمنية مهمّة قد تصل ثلاث سنوات في بعض الأحيان، إذ على الكاتب أن يدوّن التفاصيل الدقيقة للعمل الدرامي ثم القيام بمراجعات قبل بدء التصوير. وذكر أيضا أن كتابة السيناريو لا تتوقف عن الكتابة الأولى فحسب، بل يمكن أن تتغيّر أثناء التصوير وحتى أثناء مرحلة المونتاج، معتبرا أن الأزمة لا يمكن حصرها في مجال كتابة السيناريو فحسب، إذ من الممكن أن يكون السيناريو جيد، لكن قد يفقد بريقه أثناء التصوير أو أثناء المونتاج. ولئن اختلف الحضور أثناء النقاش حول مسألة الحرية في الدراما الرمضانية بين موقف مؤيّد للحرية التامة وغير المشروطة وموقف يدعو لتقييد هذه الحرية لتتلاءم مع خصوصية شهر رمضان، فإن الإجماع حصل بخصوص غياب العمق الدرامي للأعمال على مستوى الشكل والمضمون رغم أهمية القضايا المطروحة، فضلا عن غياب تصوّرات للنهوض بالدراما التونسية. وأفضت المسامرة الرمضانية التي نظمتها بيت الرواية إلى اتفاق الحضور على الدعوة لتكثيف الورشات التدريبية حول كتابة السيناريو.
مشاركة :