من الخطأ النظر الى شيعة الخليج كشيعة إيران، ان عدم فهم الاختلاف بين الشيعي الخليجي والشيعي الإيراني ومحاربته جعلتا بعض شيعة الخليج تدريجياً ينتمون لإيران أكثر من انتمائهم لأوطانهم. لم تقدم إيران لشيعة الخليج شيئاً يذكر، بينما قدمت حكومات الخليج لهم شيئا أكثر بنسب مختلفة من دولة لأخرى. اذاً لماذا ينتمي بعض شيعة الخليج لإيران؟، ببساطة بحثاً عن الأمان وهو المطلب الفطري النفسي الأعلى في الحياة، والقارئ لتاريخ شيعة الخليج يجد ذلك، فالقرب من إيران والبعد عنها يتناسبان طردياً مع الشعور بالأمن في دول الخليج. لا تخفى على شيعة الخليج صفوية إيران ومجوسيتها أكثر من تشيعها، لكنهم لا يستطيعون ان يعيشوا بلا انتماء فهم أمام خيارين: اما ان ينتموا لدولهم الخليجية أو لإيران. ان شيعة الخليج يدركون أنهم شيعة من الدرجة الثانية لدى إيران، لكنهم في الوقت نفسه يدركون أنهم مواطنون من الدرجة الثانية في بعض دولهم الخليجية. ما الطبيعي ان يحدث في هذه الحال؟، ان تتسابق إيران والخليج على كسب ولائهم لكن الذي حدث هو العكس، سعت إيران لكسبهم معنوياً وأعلن أكثر الخليجيين الحرب عليهم. ان حرب بعض سنة الخليج الضاغطة على شيعته جعلت بعضهم ينتمون لمجوسية إيران ويتحالفون مع علوية سورية ودروزها، انه البحث عن البقاء من خلال التحالفات، ولست هنا أناقش عقائد الشيعة والسنة فلذلك أهله، انما أتكلم عن التفاعلات النفسية التي مر بها شيعة الخليج، كما أنني لا أبرر لهم أفعالهم بل أقدم تفسيراً نفسياً لعله ان ينفع في بث التوافق في المنطقة. ولا ينفع في نظري بل من المستحيل التقارب بين المذهبين، لكن التعايش أمر ممكن وقد عاشه الخليج فترات طويلة في بعض دوله بمثالية فائقة. اذاً لا حل الا رفع حس المواطنة لدى الفرد الشيعي وغير الشيعي في دول الخليج بكل وسيله ممكنة، ومساواة الشيعة ببقية أبناء الخليج ثم الضرب بيد من حديد على من يتبين انتماؤه للخارج على حساب وطنه. ان البحث عن الأقوى من أجل الانتماء هو أمر غريزي، وإيران تعيش حالة قوة متفردة حالياً وتعمل ضمن استراتيجيات الحوثيون نموذجاً - في هذه الظروف كان لزاماً تذويب الشيعي الخليجي في خليجيته لا في تشيعه وكذلك السني الخليجي، فالاهتمام بسنية الخليجي مفزع للشيعي الخليجي، وأظن ان حكماء الخليج وساسته لا تنقصهم المهارة في تصميم خطوات تحقق ذلك، من أجل خليج مسلم مستقر يفخر بدينه لا بطائفته. لقد نجحت بعض دول الخليج أكثر من سواها في ذلك، لأن حس المواطنة لدى مواطنيها عال جداً فاستوعبت السني والشيعي على حد سواء، ولم تظهر فيها الأزمة بين السنة والشيعة وهذا هو التفسير الأدق، وليس لأن الشيعة يعتبرون أقلية في تلك البلدان، في المقابل ظهر الانتماء الشيعي لإيران في دول خليجيه أخرى بسرعة، لأن المواطنة في تلك البلدان ضعيفة أصلاً لدى السني والشيعي على حد سواء. كم أتمنى ان أنام وأستيقظ ذات صباح وقد اختفى من الوجود مصطلح سني وشيعي ومعه كافة المذاهب الأخرى، فيفر الانسان حينها من منهج الاسلام الى منهج الاسلام ثم يعود اليه فليس أمامه سواه. أ.د.طارق الحبيب نقلا عن( الوطن) الكويتية
مشاركة :