حذر باحث متخصص في الخلايا الجذعية من مسوقين يروجون لمعالجة الأمراض المزمنة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ونبه الباحث في تحذيراته إلى انتشار سماسرة يستهدفون الحالات المرضية المستعصية بين أوساط السعوديين، يسوقون لمراكز غير متخصصة تعنى بزراعة الخلايا الجذعية. وقال ل"الرياض" باحث الدكتوراه في الخلايا الجذعية علي هزازي إنه على الرغم من التطور الملحوظ الذي قدمه تطبيق زراعة الخلايا الجذعية في علاج بعض الأمراض والتي فشل فيها العلاج التقليدي بالأدوية إلا أن هذا التقدم تم استغلاله بشكل غير مبرر، موضحاً "يتم نشر وتداول قدرة الخلايا الجذعية على الشفاء التام من أمراض السكري وتليف الكبد والفشل الكلوي وإصابات العمود الفقري وهو مالم تثبته التطبيقات والتجارب السريرية على المصابين بمثل هذه الأمراض"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه بين فينة وأخرى تروج بعض الأخبار لذلك مستهدفة التكسب المادي البحت دون الرجوع إلى أخلاقيات المهنة الطبية. لكن هزازي قال إن هذا لايمنع أن تكون الخلايا الجذعية قد أعطت بعض المؤشرات الواعدة في التجارب المعملية لهذه الأمراض لكن يبقى عدم تطبيقها في مثل هذه الحالات من قبل المراكز المتخصصة أمرا في غاية الحسبان، محذراً "ومن الأهمية بمكان أن التعامل مع هذا النوع من الخلايا من قبل غير المختصين أو بشكل خاطىء هو نتيجة حتمية لكارثة إنسانية تؤدي للوفاة أو حدوث اعتلالات ورمية ومضاعفات أخرى يصعب السيطرة عليها فيما بعد". وأضاف "تأتي أهمية الخلايا الجذعية في كونها الخلايا المسؤولة عن تعويض وتجديد الأنسجة أو الخلايا التالفة في الجسم بالإضافة إلى قدرتها في التطور والتمايز إلى أنواع أخرى من الخلايا المتخصصة مثل الخلايا الجذعية المكونة للدم وأنسجة الجلد والجهاز العصبي وغيرها ويكون هذا التحور والتمايز عن طريق نشاط جينات محددة مسؤولة عن تحديد النمط أو المسار البيولوجي الخاص بتكون الخلايا الجديدة والتي تعرف بعملية التمايز الخلوي. وزاد "تتنوع الخلايا الجذعية في أهميتها إلى ثلاثة أقسام رئيسية شاملة الخلايا الجذعية الجنينية والخلايا الجذعية المُستحثّة بالإضافة إلى الخلايا الجذعية البالغة وبحسب هذه الأنواع تختلف التجارب البحثية والتطبيقات الإكلينيكية". وفي اختصار مبسط عن هذه الأنواع، قال هزازي "إن الخلايا الجذعية الجنينية تُشكل الجنين في مراحله البدائية الأولى بعد تخصيب البويضة وهذا النوع من الخلايا جرت عليه الكثير من الأبحاث الطبية والتي لم تعطي دليلا واضحاً وآمناً للتطبيق العلاجي إلا أنّ كثيراً من الباحثين مازال يُعولُ على أهمية الخلايا الجنينية في علاج عدد لا محدود من الأمراض ذات الصبغية المعقدة في المستقبل وذلك لكونها أعلى الخلايا الجذعية قدرةً في التطور والانقسام وفي هذا الصدد فإنّ هذا النوع من الخلايا قد تم استعماله وبشكل محدود في بعض تطبيقات العلاج التجميلي إلا أن الكلفة العالية وتباين آراء الأديان السماوية يخلق كثيرا من الجدل وعدم الاقتناع التام حول هذا المسار". وأضاف "على نفس النسق يأتي اكتشاف الخلايا الجذعية المُستحثّة كثورة هائلة في مستقبل الطب التجديدي وذلك بعد نجاح العلماء في العشر سنوات الأخيرة إلى تحويل الخلايا الجسدية (العادية) إلى خلايا تحمل صفات الخلايا الجنينية وذلك عن طريق الهندسة الحيوية بإضافة مجموعة من عوامل النسخ وجينات ذات قدرات خاصة أكسبت الخلايا العادية الصفة البيولوجية للخلايا الجذعية، وقد نشطت بعض الدراسات في أهمية تطبيقها على المستوى العلاجي ولكن محدودية التجارب الإكلينيكية لهذا النوع من الخلايا ساهم في خلق مستقبل محفوف بالمخاطر وغير واضح من الناحية العلاجية كون عدم توصل العلماء في مجال الخلايا الجذعية إلى التحكم بشكل نهائي وكامل لمسار التمايز والتطور لهذه الخلايا ويبقى هذا لغزاً تسعى الدراسات جاهدةً لفك أسراره". واستطرد "النوع الثالث من الخلايا أتى حاملاً الأمل في إثبات العلاج الآمن بزراعة الخلايا الجذعية البالغة والتي لها صفة التطور والتمايز إلى مسار محدد ويتصدر ذلك الخلايا الجذعية المكونة للدم"، موضحاً "أثبت هذا النوع من الخلايا الجذعية قدرته في علاج بعض حالات فشل نخاع العظم، سرطانات الدم (اللوكيميا)، الأورام اللمفاوية والنقوية، تكسر الدم (الأنيميا)، وكذلك بعض الأمراض الناتجة عن فشل الجهاز المناعي". وقال هزازي على الرغم من أن هذا النوع الأخير من الخلايا الجذعية يحمل في طياته الأمل إلا أن الطبيب المعالج يعتبر هذه هي الخطوة الأخيرة بعد استنفاد كافة المحاولات بالعلاجات التقليدية حيث أن زراعة الخلايا الجذعية يتطلب العديد من الإجراءات والفحوصات السريرية والمخبرية والتي يأتي في مقدمتها اختبارات التطابق النسيجي (HLA) إذا تطلبت الزراعة وجود متبرع كما هو الحال في زراعة نخاع العظم في عملية تسمى (Allogeneic transplant) وقد لايكون هناك حاجة لمتبرع في مثل بعض الأمراض الليمفاوية (Hodgkins lymphoma) وفي هذه الحالة يكون مصدر الخلايا الجذعية هو المريض نفسه في عملية تسمى (Autologous transplant) ويتم استخلاصها من المريض قبل البدء بعملية العلاج الكيميائي أو الإشعاعي وإعادتها إليه بعد استكمال عملية العلاج وتساهم في خلق خلايا جذعية جديدة عوضا عن التي تم تدميرها أثناء علاج الورم الليمفاوي بجرعات عالية من مضادات السرطان. وأضاف "مِمَّا يدعم أهمية التريث باتخاذ الخطة العلاجية التي تخضع لزراعة الخلايا الجذعية أن المريض سيكون تحت العلاج الكيميائي فترة من الزمن تمهيداً لجعل الجسم قادرًا على استقبال هذا النوع من الخلايا بالإضافة إلى عملية العزل المشددة التي تصاحب المريض وبعد زراعة الخلايا الجذعية يصبح المتابعة الدقيقة للعلامات الحيوية والخصائص البيولوجية وعدد كريات الدم والصفائح الدموية أمراً حتمياً لضمان استقرار حياة المريض والتي تتجاوز السنة أحيانا وفي بعض الأحيان التي يكون فيها انتكاسة لصحة المريض قد يلجأ الطبيب المعالج لعملية زراعة خلايا ليمفاوية من المتبرع تعرف ب Donor Lymphocyte infusion والتي قد تساهم في دعم الخطة العلاجية دون الرجوع إلى عملية الزراعة مرة أخرى كما أن للفحوصات الجزيئيّة الجينية دورا مهما في إظهار النتائج والتي من خلالها يتم إعطاء تصور ملموس عن عملية نجاح الزراعة (engraftment)". ولفت هزازي إلى أنه على الرغم من التطبيق الآمن للخلايا الجذعية المكونة للدم إلا أن عملية التطابق النسيجي تشكل هاجساً مؤرقا في حال عدم وجود المتبرع ومن هذا المنطلق أعطت الخلايا الجذعية المأخوذة من دم الحبل السري لحديثي الولادة خيار أوسع في الحصول على خلايا مطابقة نسيجياً". وعلى صعيد الدور الفعّال للخلايا المستخلصة من دم الحبل السري فقد أنشئت بعض المنشآت الطبية قسما خاصا لبنك دم الحبل السري حيث يتم استخلاصه فور الولادة وإجراء الفحوصات المخبرية للتأكد من خلوه من الأمراض المعدية والفيروسات ويتم بعد ذلك عملية تحديد التطابق النسيجي ومن ثم تخزين دم الحبل السري والذي يحوي كمية غنية من الخلايا الجذعية في أماكن معدة ومجهزة لذلك لحين استعماله من قبل المريض في فترة لاتتجاوز سنوات من تاريخ التخزين بعد التأكد التام من المطابقة النسيجية. ولفت الباحث إلى أنه على الرغم من التقدم العلمي الذي قدمته خلايا دم الحبل السري إلا أن جزءاً من المخاطر قد يكون حاضراً خصوصا إذا كانت هذه الخلايا تحتوي على أمراض جينية أو وراثية يتعذر اكتشافها بشكل مباشر وإنما تظهر بشكل متأخر من عمر المتبرع أو المستقبل لهذه الخلايا لذلك تنهج بعض الخطط العلاجية بتتبع حالة الطفل المأخوذ منه دم الحبل السري بعد مرور سنة تحسباً فيما إذا كان لديه أي من الاضطرابات الجينية أو الوراثية قبل الزراعة.
مشاركة :