تبدو الصورة قاتمة للغاية في حلب ومنطقتها حيث يستخدم طيران ومدفعية روسيا والنظام السوري كثافة نارية هائلة في تدمير ممنهج لمناطق تمركز المعارضة، تستغله الميليشيات الإيرانية من «الحرس الثوري» و «حزب الله» والهزارة و «الألوية الشيعية» العراقية في التقدم بهدف محاصرة المدينة وقطع خطوط الإمداد إليها، في وقت تتولى واشنطن لجم أنقرة ومنعها من أي تدخل، إذا كانت تفكر في ذلك أصلاً، بعدما أقفل الروس المجال الجوي السوري أمام طيرانها، من دون أي رد فعل من الأميركيين وحلف شمال الأطلسي. ويعني هذا أن المعارضة السورية التي أبدت ممانعة في الذهاب إلى «جنيف 3» لأنه من دون أولويات ومرجعية واضحة، ثم قررت بعد ذهابها عدم التفاوض في ظل استمرار العمليات العسكرية الروسية، وخصوصاً قصف المناطق المدنية، تخضع حالياً لعملية «تأديب» مشتركة بين أميركا وروسيا كي تستجيب الشروط التي صاغتها الدولتان الكبريان في قرار مجلس الأمن 2254، وأصرتا عليها في إبداء وزيري خارجيتيهما الاستياء من تأجيل المفاوضات، ما يحول في رأيهما دون نجاح الحرب على «داعش». أما تركيا التي لا يهمها فعلياً سوى «العامل الكردي» المساعد في الهجوم على المعارضة وفي تغطية العمليات الروسية، فتكتفي بالإعراب عن قلقها من حصار حلب واحتمال سقوطها، وتهرب إلى الانشغال بقضية اللاجئين الجدد الذين أقفلت حدودها في وجههم، لتغطية عجزها عن القيام بما يمكنه التخفيف من الاندفاعة الروسية التي تهدد نفوذ أنقرة في المنطقة المعروفة بروابطها التاريخية معها. وفي وقت يتجنب الأميركيون أي صياغة سلبية في تصريحاتهم عن الوضع في الشمال السوري، يواصلون مواقفهم الخطابية بدعوة الروس إلى القبول بوقف إطلاق النار من دون ضغط فعلي لجعل ذلك ممكناً. ويكتفي جون كيري بالحديث عن «الخطة ب» في حال لم يتمكن من التوصل إلى اتفاق على وقف القتال اليوم في ميونيخ. وهو ما قابلته موسكو بازدراء لأنها تعرف أن مصير هذا التهديد لن يكون أفضل من مصير التهديد الذي لوح به أوباما عندما استخدم جيش بشار الأسد السلاح الكيماوي في غوطة دمشق العام 2013 وانتهك «الخط الأحمر» الأميركي. وفي المقابل، تسترضي موسكو واشنطن بمواقف مجانية في المنطقة الآسيوية التي تركز اهتمامها عليها، على غرار إدانة إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً خلال مداولات مجلس الأمن، على رغم أن المعلومات تشير إلى أن بيونغيانغ حصلت على مكونات رئيسية في الصاروخ من الروس أنفسهم. لم تترك إيران مجموعة تابعة لها في العالم لم تشركها في القتال في سورية، مكذبة كل التوقعات والادعاءات الأميركية بأنها ستصبح بعد الاتفاق النووي «أكثر اعتدالاً ومرونة» في التعاطي مع الوضع الإقليمي، وأنها ستلتفت إلى مصالحها الاقتصادية المستجدة مع العالم. لكن ما حصل هو أن العالم كله تهافت على مصالحه معها من دون أي مبالاة أخلاقية أو إنسانية بنتائج الهجمة التي تشنها على أكثر من جبهة عربية. أما المدنيون السوريون الذين يواجهون منذ خمس سنوات أشرس حرب إبادة تعرض لها شعب على الإطلاق، فلا خيار أمامهم سوى المزيد من التشرد، في ظل انشغال دول العالم بتصنيف من يصلح منهم للحصول على اللجوء، بينما لا يملك مقاتلو المعارضة غير مواصلة معركتهم، مستندين إلى القلة من الدول العربية التي تدعمهم، ولكنها لا تملك للأسف حرية تخطي الحدود التي رسمتها واشنطن لتسليحهم.
مشاركة :