من السهل أن يقدم الإنسان مبرراً أو مبررات تجاه الطرف الآخر، والتبرير يقدم حين يقوم الإنسان بخلق الأعذار في حالة الشعور بالذنب تجاه أي عمل ليس بأخلاقي يقوم به، في هروب من الأفعال التي تنافي العلاقات الإنسانية. والتبرير له عدة تعاريف ولكنها تصب جميعاً في لوم الإنسان لنفسه ومحاولة الانسجام والهدوء الداخلي والعمل على محو الشعور بالذنب وتأنيب الضمير. إن مواقف الحياة بما فيها الضغوط والصدمات الانفعالية وحالات الإحباط ونوبات الغضب هي جزء لا يمكن تجاهله في خبرات أي إنسان مهما كان منظماً وناضجاً في إدراكه مما يجعله غير واثق من نفسه في شرح موقفه بطريقه عقلانية بعيدًا عن الدفاع عن النفس غير المعقول. يلجأ الجميع على اختلاف ثقافاتهم وكفاءاتهم للبحث عن أساليب وحلول ورود أفعال متنوعة ومختلفة للتخفيف من حدة الضغط النفسي الذي يعتريهم نتيجة المواقف الصعبة التي قاموا بها. الجميل أن هناك من الناس من يثقون بأنفسهم ولا يقدمون التبريرات، (لسنا مجبرين على تبرير المواقف لمن يُسيء الظن بنا، من يعرفنا جيداً يفهمنا جيداً، فالعين تُكذب نفسها أن أحبّت والأذنُ تُصدّق الغير إن كرِهت) ويليام شكسبير. للأسف أقولها وبحرقه يعاني مجتمعنا من مشكلة «التبرير» إلى درجة أنها أصبحت سمة من سماته. اسأل ابنك عن خطأ ارتكبه تجده يسوق لك المبررات وإن كانت غير صحيحة أو غير منطقية. وعندما يرتكب الموظف الذي يعمل لديك خطأ وتستدعيه لمناقشته فيه تجده يصرف كل تفكيره في جمع المبررات، اسأل الصديق لماذا تأخر عن موعده فيقوم بتقديم التبريرات، اسأل إنساناً يعز عليك وتحترمه لماذا لم يقدم واجب العزاء تجده يقدم الاعتذار غير الواقعية، هناك مئات المواقف التي تحدث هنا وهناك ويقابلها مئات التبريرات. شخصياً أتساءل: لماذا نهرب ولا نواجه الخطأ الذي ارتكبناه ولا نقدم الاعتذار بطريقة تصفي القلوب وتبعث السكينة إلى النفس. الإكثار من التبرير في علم النفس هو أمر يحتاج إلى استشارة الأخصائيّ النفسي؛ لأنّ الإنسان الذي يكثر من التبرير يصبح في مرحلة ناكرًا لأخطائه على الإطلاق أو ربّما غير مدرك لها مما يسبب القطيعة والتباعد بين الناس. أرى أن التبرير واختلاق المبررات واصطناع الأعذار هو مفتاح الكذب فلا تبرر كثيراً وعش كما أنت إنساناً صادقاً حقيقياً لا مزيفاً تصبح قريباً ممن يحيطون بك. ثقافة التبرير الفردية أصبحت ثقافة مجتمعية يعشقها البعض لكنها لا تليق بمجتمعنا لهذا يجب التركيز على هذه المشكلة والتفكير فيها وإيجاد الحلول لها. إن الاعتراف بالخطأ دليل على نُبلٍ في النفس، ونُضج في العقل، وسماحة في الخُلق وقوة العلاقة فكلنا نخطئ ولسنا معصومين من الخطأ. نصيحة للجميع لا تبرروا إخفاقاتكم الشخصية وتعثركم، بل واجهوا ما تمرون به بكل ثبات والنتيجة في النهاية ستكون -بإذن الله -إيجابية تبعث الأمل. (الاعتذار لا يعني أنك على خطأ فقط، بل يعني أنك تقدّر العلاقة مع الآخرين وتمنحها أهمية كبيرة) جبران خليل جبران
مشاركة :