رمال سيوة وسيناء.. سياحة وسفاري واستشفاء

  • 2/12/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تجذب الصحراء المصرية في تلك الفترة من كل عام، المئات من الباحثين عن الراحة والاستشفاء، بعدما تحولت علاجات حمامات الرمل، إلى واحدة من أهم طرق العلاج للعديد من الأمراض، وهو فتح أفق جديد أمام سكان البوادي، الذين كان عملهم حتى وقت قريب يقتصر على مرافقة الوفود السياحية في رحلات السفاري. ويتدفق على صحراء مصر الغربية المئات من الراغبين في الاستشفاء بطرق العلاج التقليدية، المعروفة لدى سكان البادية باسم حمامات الرمل، بعدما أثبتت التجارب نجاح تلك الطريقة في مساعدة العديد من مرضى الروماتيزم وغيره من الأمراض على سرعة الشفاء، بل إن كثيراً من العاملين بتلك الحرفة يقولون إن الاستخدام الصحيح لطرق العلاج بحمامات الرمل، يساعد على سرعة الشفاء من أمراض أخرى خطرة مثل ضعف المناعة، والعقم ودهون الدم، بل إنها أيضاً تمتد إلى تقديم علاج ناجع للأمراض المتعلقة بالحياة الجنسية. وتعد واحة سيوة واحدة من أهم الأماكن التي تقدم تلك الخدمة العلاجية، حيث يحترف المئات من السكان المحليين تلك المهنة، التي احترفها الآباء والأجداد منذ أزمنة سحيقة، ربما من دون أن يدرك هؤلاء ما تضمه الرمال في تلك المنطقة من عناصر، أثبتت التجارب المعملية الحديثة، أن لها دوراً كبيراً في علاج العديد من الأمراض المزمنة. ويخضع المرضى المعالجون بهذه الطريقة التقليدية، إلى برنامج علاجي شامل، يستلزم الإقامة في الواحة لفترة قد تزيد على أسبوع، يتلقى خلاله المريض أكثر من ثلاثة حمامات بالرمل، إلى جانب تناول بعض المشروبات العشبية الطبيعية التي تساعد الجسم على إفراز ما بداخله من سموم قد تكون هي السبب الرئيسي وراء الإصابة بالمرض. يعمل هارون السيد، أحد المعالجين بالرمال في سيوة، بتلك المهنة منذ ما يزيد على عشرين عاماً، بعدما تلقى فنونها على يد أبيه الذي كان يعالج هو الآخر بالرمل، وهو يقول عنها: هي طريقة من طرق العلاج التقليدي في الواحة، ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، الذين كانوا يحرصون عليها ويعالجون بها أنفسهم، وربما يفسر ذلك أن كثيرين منهم عمروا طويلاً، ولم يذهب بعضهم طوال حياته إلى الطبيب. يقوم هارون وعدد من معاونيه، بإجراء مساج كامل لجسم المريض قبل دفنه في الرمال، لتنشيط الدورة الدموية، وتجهيز الجسد لتلقي صدمة حرارة الرمال، حيث يتم دفن الجسد كاملاً حتى منطقة الرقبة في رمال الصحراء، لمدة لا تزيد على ربع الساعة، يتم تغطية رأس المدفون خلالها بمظلة صغيرة، حتى لا يتعرض لضربة شمس قد تفقده السوائل الحيوية بجسمه، وما إن تنتهي الجلسة حتى يقوم هارون ومعاونوه بلف جسم المدفون في غطاء ثقيل، حتى لا يتعرض للهواء، حيث يكون الجسم ساخناً تحت وقع تعرضه للرمال الساخنة، ويقول هارون: تقوم الرمال هنا بعمل الساونا، حيث تتفتح جميع مسام الجسد، ليخرج ما بداخله من سموم في شكل تعرق شديد، فيما تقوم المعادن المشعة الموجودة في الرمال بالتغلغل داخل الجسد، وجميعها من المعادن المفيدة، ثم نقوم بعد ذلك بنقل المدفون إلى خيمة مصنوعة من شعر الماعز على بعد خطوات، لنستكمل ما بدأناه، حيث تحجز هذه الخيمة الهواء عنه، وتمنح الجسد فرصة أكبر لمزيد من التعرق الذي نقوم بتعويضه على الفور، بالعديد من المشروبات العشبية الساخنة، التي تعوض أملاح الجسم، وتمده بالطاقة اللازمة. بعد ساعات يهدأ خلالها الجسد، وتبدأ مسامه في العودة إلى طبيعتها، يستطيع المرء أن يغادر تلك الخيمة الصغيرة إلى مقر إقامته، لكنه يجب أن يخضع لحزمة من الشروط، يلتزم بها التزاماً صارماً، فلا يجب أن يقرب من الماء للاستحمام، ولا لتيارات الهواء لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام، ويقول هارون: يكون الجسم في تلك الفترة عرضه للإصابة بالبرد، لأن جميع المسام تكون جاهزة لاستقبال الهواء، لذا فنحن نشدد على زبائننا بضرورة توخي الحذر، ونختار لهم أماكن إقامة بعيدة عن تيارات الهواء، ونمدها بالأعشاب اللازمة والطعام اللازم للإعاشة. لا تقتصر تلك الطريقة البدوية في العلاج على واحة سيوة، لكنها تمتد حتى مناطق عدة في سيناء، التي تحفل رمالها بالعديد من المعادن المهمة، المليئة بعناصر اليورانيوم والثوريوم والبوتاسيوم المشع، ما يجعلها هي الأخرى، قبلة للسياحة العلاجية، حيث تصل درجة حرارة الرمال فيها إلى نحو 45 درجة مئوية خلال ساعات النهار. ويقول سليم أبو سلامة، أحد المعالجين بالرمل في منطقة القنطرة شرق التابعة لمحافظة الإسماعيلية: بعض المرضى يجب أن يتلقوا ما بين خمس إلى سبع مرات من الدفن في الرمال، للتخلص من أمراض الروماتيزم والروماتويد وغيرها من الأمراض المتعلقة بنشاط الغدد في الجسم، ويضيف: كثير من الذين يتلقون هذا النوع من العلاج يشعرون بتحسن سريع عقب أول جلسة. ويعد مشروب الحلبة الساخن هو المشروب الرئيسي عقب جلسات الدفن، لا ينافسه في ذلك سوى مشروب الحبق إلى جانب بعض المشروبات البدوية الأخرى، ويستطيع الخاضع لجلسة الدفن أن يتناول وجبة خفيفة بعد نحو ثلاث ساعات من خروجه من خيمة المردم، وهي الخيمة التي يخرج إليها بعد الدفن، ليقضي بها بضع ساعات ينضح جسده خلالها بالعرق، ويقول سليم: يمكنه بعد ذلك تناول بعض مرق الدجاج الخفيف، إلى جانب وجبة خفيفة على العشاء، لكن من المحظور عليه أن يتناول أي شراب مثلج، حتى المياه يجب أن تكون فاترة. بعد ثلاثة أيام من أول جلسة يخضع المعالَج بهذه الطريقة إلى تدليك لكامل جسده بزيت الزيتون المخلوط مع الخل، لكن لن يكون باستطاعته الاستحمام، إلا بعد مضي أسبوع آخر، يحرص خلاله على عدم التعرض لتيارات الهواء، أو الوجود في أماكن مكيفة.

مشاركة :