قد يكون مثل هذا التسريب أو هذا الخطر، أكثر احتمالاً في التنظيمات التي تنبثق من عملية انشقاق حزبي خذلته الحقائق الموضوعية، أو مزايدات أخرى لظاهرة انفعالية تستعد لمعركة جزئية مفتعلة، تؤدي إلى انعكاسات غير متوقعة قد تضرمها قوى محرضة من الخارج، أو العكس قوى من الداخل. ولعل من أبرز ما أثير على وسائل الاتصال الحديثة في هذه الأيام الوثائق السرية الأمريكية المسربة التي قيل بأنها تكشف تفاصيل تجسس أمريكا على حلفائها وهي عبارة عن 53 وثيقة، يرتبط معظمها بالحرب في أوكرانيا وحجم الخسائر الروسية والأوكرانية، فهل الوثائق تحتوي على معلومات بالغة الأهمية والحساسية، ويخشى المسؤولون الأمريكيون من أن يؤدي الأمر إلى تعريض المصادر الحساسة للمعلومات الاستخبارية للخطر، فضلا عن إلحاق الضرر في العلاقات الخارجية المهمة، حيث صرح البنتاغون: «لن نخوض في مدى صحة الملفات التي نُشرت، و»بدأنا اتصالات على أعلى مستويات مع شركائنا خاصة في أوكرانيا لطمأنتهم وتأكيد دعمنا لهم». فهل أصبح اختراق أمريكا سهلاً؟، وهل العلاقة الأمنية معها عبء على العالم بمعنى لا يوجد ثقة في تبادل المعلومات، إضافة إلى عدم الثقة بما تقوله عن سياساتها وتحالفاتها؟. بديهي بطبيعة الحال أن هناك وثائق تكشف مدى اختراقات واشنطن لوزارة الدفاع الروسية و»فاغنر» بشكل أكثر مما كان يعتقد في السابق بحكم العداء بينهما، ولكن التسريب أتى في وقت تحشد أوكرانيا قواتها من أجل شن هجوم مضاد ضد روسيا، وفي الأهمية تتصدر الحرب في أوكرانيا الأولوية، وتوضح كيف تدير الولايات المتحدة حالة الصراع وتوجيهه، وذلك بعد علاقات أكثر ثقة بين زيلينسكي وواشنطن بشأن تبادل المعلومات الاستخباراتية، فالقصص كثيرة والاتهامات أكثر، أمريكا تتهم روسيا وروسيا ترد بعد اتهامها بشأن التسريبات الحساسة وهذه المعلومات قد تساعد الروس في كشف الجواسيس الذي يمدون واشنطن بالمعلومات. عطفا على الموقف الراهن الذي يشبه مشهدا سرياليا لكل من إسرائيل وكوريا الجنوبية وأوكرانيا فالكل غاضب، والسلطات في وزارة العدل الأمريكية تفتح تحقيقاً جنائياً وضعت له كل الاحتمالات للتسريب والعواقب، فعندما تتفحص شيئاً داخل سياقه تفهمه أكثر، وتفهم قصور حجج التشكيك، والموقف الذي قد يتسبب بحرج لواشنطن وهو نشر وثائق سرية تحمل معلومات للتجسس على حلفاء مقربين يكاد يكون من الصعب تجاوزه بسهولة. وفي سياق هذا المشهد عادت قضية «ادوارد سنودن» موظف الاستخبارات الأمريكية السابق الذي تلاحقه واشنطن إلى الأذهان، وكيف أكدت هذه الحادثة الانتكاسة في علاقات الولايات المتحدة مع الصين وروسيا، فتفاقمت بالتالي الأزمات وتعقدت العلاقات، وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما آنذاك بأن بلاده تتبع «كل الطرق القانونية» للقبض عليه، واعتبر المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني أن طريقة تعامل هونغ كونغ والصين مع قضية سنودن «انتكاسة خطيرة» لجهود بناء الثقة بين واشنطن وبكين. فهل تتكرر خيبة الأمل لحلفاء أمريكا مرة أخرى؟، بعد التي قال عنها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في وقت سابق إن بلاده ستشعر «بخيبة أمل» إذا ساعدت روسيا والصين سنودن في الهروب من محاولات القبض عليه وترحيله إلى واشنطن، وهل سنشاهد مزيدا من الأفلام التي تناولت الجاسوسية والجواسيس والمخابرات في هوليوود؟.
مشاركة :