أعترف بأنني من الأشخاص، الذين لم تستهوهم يوماً كتب التنمية وتطوير الذات، ولم أدخل يوماً محاضرة في هذا الخصوص، ولم أعتقد يوماً أن شخصاً دخل دورة تدريبية لمدة ثلاث ساعات أو حتى ثلاثة أشهر، وقرأ عدداً من مؤلفات مشاهير المتحدثين بنظريات تنمية الذات الأمريكان وغير الأمريكان، قادر فعلاً على تقديم الحلول لهؤلاء الراغبين في السعادة والثراء والتوازن النفسي، عبر جلسات تأمل وتكرار جمل فارغة، فهذه الموجة كانت لها أسبابها عندما ظهرت في الغرب، ومن ثم تحولت إلى تجارة ووصلت إلينا عبر مترجمين ومروجين، حولوها إلى دجاجة تبيض لهم ذهباً! أذكر أنني قرأت باكراً جداً، في سنوات الدراسة الجامعية أول كتاب ترجم في عالمنا العربي حول تنمية الذات وهو «دع القلق وابدأ الحياة»، وقد أحببت تلك الحكايات، التي استشهد بها الكاتب، لكنني لم أشعر بأي أثر حقيقي للكتاب في حياتي، سوى المعرفة بالشيء، أما عندما أصبت بالقلق فإنني لم أذهب للكتاب لأعرف كيفية التغلب عليه، بل كانت لي مخارجي الخاصة. إن القلق والتوتر والخوف والهواجس، وكل ما يمنعنا من الحياة أعراض لأمراض متغلغلة في النفس البشرية، يعود بعضها لمواقف حدثت لنا فترة الطفولة، أو لأساليب التربية، التي تعرضنا لها، أو لنوعية شخصياتنا، التي خلقنا الله بها، ووحدهم الأطباء والدارسون وأصحاب العلم من يمكننا الوثوق بهم، واللجوء إليهم إن شئنا، بينما يلجأ كثيرون للدين والصلاة مؤمنين بقول الله (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، ومع ذلك فلا غنى عن الأطباء والمستشارين النفسيين، الذين يمتلكون الأدوات الحقيقية، لمساعدة الأشخاص على تخطي الكثير من الأزمات والمخاوف. لا أتخيل شخصاً لا يمتلك شيئاً من العلم والتخصص الأكاديمي يمكنه أن يمارس معالجة المرضى وتقديم استشارات حفظها من كتب التنمية الذاتية، التي تملأ المكتبات، والتي تتبارى دور النشر لوضعها بين أيدي القراء بعناوين لافته ومغرية، تعدهم بالمكانة والصدارة والقوة والقيادة والسعادة والسيطرة! إن كل هذه العناوين وآلاف الكتب ليست سوى تجارة تباع للإثراء، وإقناع الشباب تحديداً بتحقيق أحلامهم وتغيير حياتهم وشخصياتهم، والتحليق بهم في خيال الأموال والمناصب والسعادة. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :