يعكس رد الفعل الجزائري على قبول المفوضية الأفريقية أوراق اعتماد دبلوماسية مغربية كممثلة دائمة لاتحاد المغرب العربي لدى الاتحاد الأفريقي، حجم الحساسية المفرطة للجزائر حيال أي تعيين مغربي، كما يكشف ضعف قدرة الجزائر على التأثير في القرار داخل المنظمة الأفريقية. الجزائر- أثار تعيين المغربية أمينة سلمان في منصب الممثلة الدائمة لاتحاد المغرب العربي لدى الاتحاد الأفريقي، ارتباكا بما يشبه الهستيريا لدى الجزائر التي وصفت القرار بـ”الطائش والمتهور”، فيما يعكس فشلا ذريعا للجهود الجزائرية في فرض إرادتها، وتطويع المنظمة الأفريقية خدمة لمشاريعها السياسية المستهدفة للرباط. ويشير الرد العنيف على هذا التعيين إلى ارتباك دبلوماسي للحكومة الجزائرية التي استخدمت قطع العلاقات مع الدول أو سحب السفراء كطريقة للضغط، لكن قرارا كهذا سيكون هزة كبيرة لموقع الجزائر في المنظمة الأفريقية، وسينعكس على مواقف الدول الأفريقية منها. واستقبل رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد مؤخرا أمينة سلمان، التي قدمت له أوراق اعتمادها. وبحسب بلاغ نشر في الموقع الرسمي لاتحاد المغرب العربي، فإن تعيين سلمان يندرج في سياق تعزيز دور التجمعات الإقليمية الاقتصادية الأفريقية الثمانية والتي تضطلع بدور محوري في تحقيق أجندة الاتحاد الأفريقي 2063، ولاسيما على مستوى التنمية الاقتصادية والاندماج. فشل ذريع للجزائر في فرض إرادتها، وتطويع منظمة الاتحاد الأفريقي خدمة لمشاريعها السياسية المستهدفة للرباط وتشغل أمينة سلمان حاليا منصب مديرة الشؤون الاقتصادية باتحاد المغرب العربي، كما سبق أن شغلت منصب قنصل للمغرب بفيرونا الإيطالية. ويرى مراقبون أن قبول المفوضية الأفريقية أوراق اعتماد الدبلوماسية المغربية، يشكل ضربة قوية للحكومة الجزائرية التي حاولت بشتى الطرق تعطيل هذا القرار، في سياق مساعيها الدؤوبة لاستهداف المغرب، وتحجيم حضور المملكة في المنظمات الإقليمية والقارية. ويلفت المراقبون إلى أن الجزائر عملت على استغلال العائدات المالية التي حققتها من ارتفاع أسعار الغاز خلال الفترة الماضية من أجل استقطاب الدول الأفريقية، لاسيما تلك التي تمر بصعوبات اقتصادية، للتحكم في مفاصل القرار داخل المنظمة الأفريقية، وتوجيهها ضد المغرب، لكن قرار المفوضية الأخير أظهر فشلا ذريعا للتمشي الجزائري. وأعربت الجزائر في موقف لا يخلو من فوقية عن استغرابها العميق مما وصفته بـ”القرار المتهور والطائش” لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، بتلقي ما يسمى بـ”أوراق الاعتماد من دبلوماسية مغربية تقدم نفسها زورا على أنها المندوبة الدائمة لاتحاد المغرب العربي لدى الاتحاد الأفريقي”. وقالت الخارجية الجزائرية في بيان لها الأحد “هذا السلوك غير المسؤول هو أكثر من غير المقبول لأنه يأتي بعد الاحتجاجات العاجلة من قبل السلطات الجزائرية لدى مفوضية الاتحاد الأفريقي، من أجل النظر دون اعتراض على هذا التعيين المزعوم الذي، وفقا للنصوص التي تنظم عمل اتحاد المغرب العربي، لا يقع ضمن صلاحيات الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، الذي انتهت ولايته النهائية بشكل نهائي في أول أغسطس عام 2022 دون إمكانية التمديد”. وتتخذ الجزائر موقفا مناهضا للأمين العام الحالي للاتحاد المغاربي الدبلوماسي التونسي الطيب البكوش، على خلفية مواقفه المتزنة الساعية إلى تحييد المنظمة المغاربية عن الصراعات المفتعلة، التي تعوق فرص بناء اتحاد مغاربي حقيقي، ومنها قضية الصحراء المغربية. وترفض الجزائر الاعتراف بأي قرار للبكوش، وتتخذ من انتهاء ولايته ذريعة، مع أن الجزائر نفسها تحول دون انتخاب أمين عام جديد، للإبقاء على حالة الشلل للمنظمة المغاربية. وأوضح البيان أنه لم يتم التشاور مع الجزائر بشأن هذا التعيين، والذي تم خارج القواعد المنصوص عليها في المعاهدة المنشئة لاتحاد المغرب العربي في فبراير 1989، والتي تتطلب في هذه الحالة، التصويت بالإجماع من قبل الدول الأعضاء على مستوى مجلس وزراء خارجية اتحاد المغرب العربي، وهو الهيئة الوحيدة المخولة باتخاذ قرار بشأن هذا التعيين وإقامة علاقات تعاون مع التجمعات الإقليمية والدولية الأخرى. موقف جزائري لا يخلو من فوقية حول استغرابها العميق مما وصفته بـ"القرار المتهور والطائش" لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي وأشار ذات المصدر بالخصوص إلى المادة السادسة من معاهدة تأسيس اتحاد المغرب العربي، وإلى المادتين 5 و7 من النظام الأساسي العام التي تحدد صلاحيات الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، وكذلك بموجب قرار مجلس الرئاسة المؤرخ في الثالث والعشرين من فبراير 1990. وجاء في البيان أن الجزائر تدحض مصطلح “مؤقت” الذي استخدمته مفوضية الاتحاد الأفريقي كخدعة قانونية للتعامل مع الأمين العام السابق لاتحاد المغرب العربي، مؤكدا أن معاهدة فبراير 1989 المنشئة لاتحاد المغرب العربي لا تنص على هذا الموقف. كما أشار إلى أن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي بقبوله هذه “التمثيلية البروتوكولية، فإنه بذلك يرضخ لعملية تلاعب خبيثة، مصممة ومنفذة لأغراض لا تخدم بأي حال من الأحوال مصالح اتحاد المغرب العربي ولا الاتحاد الأفريقي”. وشددت الجزائر على أنها تنتظر من مفوضية الاتحاد الأفريقي توضيح موقفها النهائي بشأن هذا الانتهاك الصارخ وغير المقبول للبروتوكول والقواعد القانونية، ملمحة إلى إجراءات محتملة حسب تطور هذه القضية. يذكر أن الجزائر قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب نهاية أغسطس 2021، على خلفية ما تسميه قيام الرباط بـ”أعمال عدائية” ضدها. ولا تتوانى الجزائر عن مهاجمة جارتها الغربية المغرب، في موقف لا يخلو من عدائية في علاقة بقضية الصحراء، وهو ما يحول دون قيام اتحاد مغاربي حقيقي وفاعل، رغم أن العالم اليوم يتجه للتكتلات الإقليمية.
مشاركة :