تعتبر التقنية النقالة اليوم منصة الاتصال الأكثر فاعليةً وانتشاراً في منطقة الشرق الأوسط، وهي تمتلك الإمكانات التي تؤهلها لإحداث تغييرات جذرية في طريقة تقديم خدمات الرعاية الصحية على وجه الخصوص؛ لا سيّما أن الحلول التي توفرها بدأت بالفعل بإنقاذ حياة الكثير من الأشخاص حول العالم مدفوعة بالنمو المطرد لأعداد المشتركين بخدمات الهاتف النقال وانخفاض تكلفة الأجهزة بحد ذاتها. ويمكن للهاتف النقال أن ينقذ مليون إنسان في عام 2017 في البلدان النامية. ويقول محمد عبدالحق مدير عام شركة أي بي أم في المملكة "تتباين معدلات تبني حلول التقنية النقالة بشكل كبير بالرغم من الاهتمام المتزايد الذي تبديه بلدان منطقة الشرق الأوسط بتوظيف أدواتها في قطاع الرعاية الصحية؛ ففي المملكة على سبيل المثال، بدأت التطبيقات الذكية المخصصة للمعلومات الطبية تكتسب زخماً كبيراً. وبينما يتوق جمهور المتابعين لاستكشاف الحلول الجديدة بمجال توظيف التقنية النقالة في قطاع الرعاية الصحية، لا تزال بعض المناطق تفتقر إلى البنية التحتية التي تتيح الاستخدام واسع النطاق للتطبيقات التفاعلية والقادرة على إدراج البيانات الطبية الشخصية ضمن أنظمة الرعاية الصحية المحلية". وفي وقت سابق من العام، تم الكشف عن بناء 5 مدن طبية جديدة في المملكة التي تسعى بجدية لتوسيع نطاق خدماتها الصحية عبر إنفاق مليارات الدولارات لدعم تحديث هذا القطاع الحيوي. ومن هنا تبرز أهمية التقنية النقالة لتطوير القطاع الصحي في المملكة التي استأثرت بنسبة 50% من إجمالي الأجهزة النقالة التي تم تصديرها إلى منطقة دول مجلس التعاون الخليجي خلال الربع الأول من عام 2015، وترتكز المرحلة الانتقالية، التي ستفضي إلى التبني الشامل للتكنولوجيا النقالة، على عدد من التحولات الاستراتيجية في نمط ونوعية الخدمات الصحية. ويضيف عبدالحق "بدايةً، سيتوجب على مزودي الخدمات الصحية اعتماد أنظمة "السجلات الطبية الإلكترونية" التي ستتيح لهم استخراج وتحليل ومشاركة التاريخ الطبي للمريض رقمياً، وبالتالي تسهيل إدراج هذه المعلومات في التطبيقات الطبية الذكية؛ مما يسمح بشكل رئيسي بتجميع المعلومات الطبية، وهو أمر لطالما شكّل تحدياً أمام قادة القطاع الصحي من جهة وأربك المرضى من جهة أخرى، وخصوصاً في بيئة العمل التي تشجع المرضى على الاختيار بين طيف واسع من الأطباء بدل اعتماد طبيب واحد للحصول على الخدمات الصحية الأساسية". وبموازاة ذلك، يسهم تطوير التطبيقات الذكية التي ترتكز على الواقع الطبي للبلاد في إتاحة فوائد التقنية النقالة للمرضى بشكل أسهل ودون الحاجة لإحداث تحولات جذرية في البنية التحتية، فضلاً عن تحسين مستويات الكفاءة التشغيلية لخدمات الرعاية الصحية، وإزاحة العبء الإضافي المتمثل بتوعية المرضى حول أدوات التقنية النقالة وتبنيها على نطاق أوسع. ويضيف عبدالحق "يتمثل التحول الثالث في نوعية المبادرات الصحية التي تضمن سهولة الوصول إلى مختلف المستلزمات الطبية، ومتابعة اللقاحات، والقدرة على تشخيص الأمراض عن بعد. وتكفل هذه المبادرات إحداث تحول شامل في مشهد الرعاية الصحية في المنطقة؛ مما يؤدي إلى رفع نسبة تحويل الحالات المرضية إلى الطبيب المناسب، وسرعة إجراء التشخيص، وتحسين تجربة المرضى بشكل ملموس. وعلى سبيل المثال، يمكن للتطبيقات التي تدعم التواصل المرئي والمسموع أن تلغي الحاجة إلى السفر مئات الكيلومترات لزيارة الطبيب. بدورها، تسمح عمليات "التشخيص النقال" للعاملين في حقل الرعاية الصحية إرسال نتائج الفحوصات الطبية مباشرة من مواقع الزيارات الميدانية، فضلاً عن منح المرضى الذين يقطنون في الأماكن النائية قدرة أفضل على الوصول إلى مزودي الرعاية الصحية في بلدان أخرى بالزمن الحقيقي". ويعزز استخدام التطبيقات الصحية الذكية الموجهة لمزودي خدمات الرعاية الصحية من دورها في إطلاق حوار مفتوح بين الحكومات والمواطنين- ولا سيما في الأزمات- من خلال اعتماد نموذج الرعاية الصحية "الموزّعة"؛ حيث يقوم فريق من خبراء العمل الميداني بمقابلة المرضى وجمع المعلومات المناسبة، ومن ثم تحويلها إلى الأطباء وتلقي التوصيات حول العلاج المحتمل. وبعد أن يتم ترسيخ دور هذه التطبيقات، سيصبح من السهل نقلها لعهدة الحكومات المحلية كي تقوم بتشغيلها. ويتيح هذا النوع من التطبيقات الذكية فهم سياق الأحداث في الأزمات، حيث يقول عبدالحق "هو بذلك يعتبر بمثابة بوليصة تأمين ضد الأوبئة مثل حالة تفشي مرض الإيبولا العام الفائت؛ الأمر الذي يعزز عوامل المرونة والكفاءة والتغطية الإقليمية في أحوج الأوقات إليها. ولكن ينبغي تثبيت هذه التطبيقات وتدريب الموظفين على استخدامها قبل حصول الأزمات إذا ما أردنا توظيفها بالشكل الأمثل". وتجدر الإشارة إلى أن تطبيقات الرعاية الصحية المؤسسية لا يمكن لها بأي شكل من الأشكال أن تحل محل البنية التحتية الأساسية للرعاية الصحية رغم أنها تقدم بديلاً مؤقتاً لمواجهة ضعف القدرة على تقديم الخدمات الصحية المباشرة. حيث يتطلب التبني الأمثل للتكنولوجيا النقالة في قطاع الرعاية الصحية وجود مصادر التمويل الكفيلة ببناء البنية التحتية الرقمية المناسبة في المستشفيات، فضلاً عن تمكن أخصائي الرعاية الصحية من مراقبة المرضى في أي زمان ومكان. وفي ختام حديثه يقول عبدالحق "تتطلب عملية التبني الشامل للتكنولوجيا النقالة في قطاع الرعاية الصحية بذل الكثير من الجهد والمال، وقد أثبت رواد هذا المجال على مستوى منطقة الخليج العربي أنها قابلة للتحقيق. وحتى يتم التغلب على التحديات المرتبطة بالبنية التحتية، يتوجب على المستشفيات وغيرها من المؤسسات الصحية في الوقت الراهن النظر في الحلول التي تقدمها التطبيقات الذكية المخصصة لمؤسسات الرعاية الصحية، والبدء بعملية إحداث التحول الشامل في العمليات الخلفية والارتقاء بجودة حلول الرعاية الصحية من نطاقها الحالي الضيق إلى آفاق أرحب تشمل الجميع".
مشاركة :