تحل ذكرى يوم الأسير الفلسطينيّ الذي يصادف الـ17 من نيسان/ أبريل من كل عام، مع تصاعد عدوان الاحتلال الإسرائيليّ على الشعب الفلسطينيّ، وتنفيذ المزيد من الجرائم والانتهاكات الممنهجة. وشهدت قضية الأسرى منذ العام المنصرم -الذي كان أكثر الأعوام دموية- تحولات خطيرة، وذلك في ضوء التّحولات التي فرضتها الانتخابات الإسرائيلية، ووصول اليمين الصهيونيّ الأكثر تطرفًا لدى الاحتلال، سدة الحكم، ومنهم ما يسمى بوزير الأمن القومي (بن غفير)، الذي سخر كل ما يملك من أدوات للتحريض على الأسرى، وعائلاتهم وكذلك على عائلات الشهداء. و وصل هذا التّحريض إلى مرحلة لم نشهدها من قبل، خاصّة في ظل الأدوات المستحدثة التي يحاول ترسيخها عبر مستويات أجهزة الاحتلال، ومنها إدارة سجون الاحتلال، والأهم تشريع، وتمرير قوانين عنصرية، وذلك إلى جانب جملة من السّياسات الثابتة والممنهجة التي ينفذها الاحتلال، بهدف فرض مزيد من الهيمنة والسّيطرة على الأرض، والتي تعكس مستوى نظام الفصل العنصري (أبرتهايد) القائم بصور متعددة، وتعكسه هذه السّياسات على مدار الساعة. وتعد قضية الأٍسرى من القضايا الأكثر حساسية عند الشعب الفلسطيني، حيث يقدر عدد عمليات الاعتقال ضد الفلسطينيين منذ عام 1967 حوالي 800 ألف عملية اعتقال، أي أكثر من 20% من أبناء الشعب الفلسطيني قد دخلوا السجون الإسرائيلية لفترات وطرق مختلفة. ووصل عدد حالات الاعتقال خلال انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000، إلى أكثر من أربعين ألف عملية اعتقال، ولايزال أكثر من 6000 معتقل داخل السجون الإسرائيلية، موزعين على أكثر من 27 معتقلاً. وتعرض أكثر من 80% من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين للتعذيب خلال التحقيق على يد جنود المحققين الإسرائيليين، وهناك أشكال عدة للتعذيب بحق المعتقلين الفلسطينيين، مثل: الشبح ومنع النوم ونزع الملابس خلال الليل والضرب وحتى محاولات الاغتصاب، ذلك عدا عن التعذيب النفسي. وتؤكد مؤسسات الأسرى (هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومركز وادي حلوة – القدس)، أنّ المتغير الوحيد القائم هو أنّ سلطات الاحتلال وبأجهزتها المختلفة، عملت على تطوير المزيد من أدوات التّنكيل، وتعمق انتهاكاتها عبر بنية العنف الهادفة إلى سلب الأسير الفلسطيني فاعليته وتقويض أي حالة نضالية متصاعدة ضده بهدف تقرير مصيره، وحماية حقوقه الإنسانية. وتستعرض مؤسسات الأسرى لهذا العام أبرز المعطيات والمتغيرات التي شهدها واقع سياسة الاعتقال اليوميّة الثابتة، وكذلك واقع الأسرى في سجون الاحتلال، حيث يواصل الاحتلال اعتقال نحو (4900) أسير/ة، بينهم (31) أسيرة، و(160) طفلًا بينهم طفلة، تقل أعمارهم عن (18) عامًا، إضافة إلى أكثر من (1000) معتقل إداريّ بينهم (6) أطفال، وأسيرتان وهما (رغد الفني، وروضة أبو عجمية). الاعتقال الإداري هواحد انواع الاعتقال الذي يصدر من جهة ما بحق شخص ما دون توجيه تهمة معينة أو لائحة اتهام بحيث يكون بناء على ملفات سرية إستخبارية أو بسبب عدم وجود أو لنقص الأدلة ضد متهم ما، وقد برز هذا الاعتقال بشكل خاص في الأراضي الفلسطينية حيث مارسه الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين الذين لم يثبت ضدهم مخالفات معينة بحيث أنه إذا وجد ضابط المخابرات أنك تشكل خطراً على أمن المنطقة فيستطيع أن يحولك للاعتقال الإداري دون إبداء الأسباب. وبلغ عدد الأسرى القدامى المعتقلون قبل توقيع اتفاقية أوسلو، (23) أسيراً، أقدمهم الأسير محمد الطوس المعتقل منذ 1985، بالإضافة إلى ذلك فإنّ هناك (11) أسيرًا من المحررين في صفقة (وفاء الأحرار) الذين أعاد الاحتلال اعتقالهم وهم من قدامى الأسرى الذين اعتقلوا منذ ما قبل (أوسلو) وحرروا عام 2011 وأعيد اعتقالهم عام 2014، أبرزهم الأسير نائل البرغوثي الذي يقضي أطول فترة اعتقال في تاريخ الحركة الأسيرة، والذي دخل عامه الـ(43) في سجون الاحتلال، قضى منها (34) عاماً بشكل متواصل. ووصل عدد الأسرى الذين أمضوا أكثر من 20 عامًا قرابة الـ 400 أسير وهم ما يعرفوا (بعمداء الأسرى)، بالإضافة إلى العشرات من محرري صفقة (وفاء الأحرار) أعيد اعتقالهم عام 2014، وأمضوا أكثر من 20 عامًا على فترتين. فيما بلغ عدد الأسرى الذين صدرت بحقّهم أحكامًا بالسّجن المؤبد (554) أسيراً، وأعلى حكم أسير من بينهم الأسير عبد الله البرغوثي ومدته (67) مؤبداً. بينما بلغ عدد شهداء الحركة الأسيرة، (236) شهيداً، وذلك منذ عام 1967، بالإضافة إلى مئات من الأسرى اُستشهدوا بعد تحررهم متأثرين بأمراض ورثوها عن السجون، إضافة إلى (12) أسير شهيد محتجزة جثامينهم. ووصل عدد الأسرى المرضى إلى أكثر من (700) أسيرًا يعانون من أمراض بدرجات مختلفة وهم بحاجة إلى متابعة ورعاية صحية حثيثة، منهم (24) أسيرًا ومعتقلًا على الأقل مصابون بالسرطان، وبأورام بدرجات متفاوتة، والذي يعد أصعبهم الحالات الأسير القائد وليد دقّة المعتقل منذ 37 عامًا، والأسير عاصف الرفاعي. واقع عمليات الاعتقال منذ مطلع العام الجاري واصل الاحتلال الإسرائيلي منذ مطلع العام الجاري 2023، جرائمه، وسياساته الثابتة، والممنهجة بحقّ المعتقلين، والأسرى وعائلاتهم. وتشكّل جريمة الإعدام الميداني الجريمة الأبرز، والتي استعادتها قوات الاحتلال كنهج خلال أي عملية اعتقال تنفذها ليلًا بحقّ المواطنين، ومن مختلف الفئات. ومنذ مطلع العام الجاري، سجلت المؤسسات المختصة، نحو (2300) حالة اعتقال حتى تاريخ إعداد هذه الورقة، حيث تشكّل عمليات الاعتقال أبزر السّياسات الثّابتة، والممنهجة التي استهدفت كافة شرائح المجتمع الفلسطينيّ. وبلغ عدد الأطفال المعتقلين منذ مطلع العام الجاري أكثر من (350) غالبيتهم من القدس، فيما بلغ عدد النّساء والفتيات اللواتي تعرضن للاعتقال الـ(40). وتشكّل نسبة عمليات الاعتقال في القدس، الأعلى مقارنة مع بقية محافظات الضفة، حيث تجاوزت حالات الاعتقال خلال العام المنصرم أكثر من 3000 حالة من بين 7000 حالة اعتقال من كافة الأرض الفلسطينية. ولم تتوقف فعليًا وتيرة الاعتقالات العالية منذ مطلع العام الجاري حيث سُجلت أكثر من 1200 حالة اعتقال في القدس وبلداتها، وذلك إلى جانب عمليات الاعتقال، والحبس المنزلي، والإبعاد، وفرض الضرائب، والغرامات، والتعويضات، وهدم المنازل، والحجز على أموال عائلات أسرى داخل سجون الاحتلال، ومحررين، بهدف محاربة الوجود الفلسطيني، وتهجير السكان الأصليين من القدس. تشريعات وقوانين عنصرية صعّدت منظومة الاحتلال بكافة مستوياتها عدة أدوات لاستهداف الأسرى، من ضمنها سن قوانين وتشريعات عنصرية تمس مصير الأسرى وعائلاتهم، وكان أبرزها مشروع قانون إعدام الأسرى الذين نفّذوا عمليات مقاومة ضد الاحتلال، إضافة إلى قانون سحب الجنسية والإقامة من أسرى ومحررين مقدسيين ومن الأراضي المحتلة عام 1948. ولم يكن هذا التشريع العنصري الأول، بل شرّع الاحتلال على مدار سنوات جملة من القوانين العنصرية الخطيرة، واستهدفت الأسرى، ولاحقًا عملت على تعزيز هذه القوانين، بقوانين عنصرية خطيرة، جميعها متشابكة، ويشكّل كل قانون حلقة من مسار طويل من هذه التشريعات. وشكّل قانون سحب الجنسية والإقامة من المناضلين الفلسطينيين الذين مارسوا حقهم في النضال من أجل تقرير المصير، أبرز هذه القوانين العنصرية التي جاءت بها حكومة الاحتلال الأكثر فاشية. ولا يزال الاحتلال ماضٍ في اختراع سلسلة من التشريعات التي تمس بشكل مباشر المقدسيين، والفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، وكذلك الأسرى والمحررين منهم، وشهدنا على مدار الشهور الماضية استهداف عائلات أسرى في الأراضي المحتلة عام 1948، وكذلك ما جرى مع الأسيرين السابقين كريم يونس، وماهر يونس، والأسير المريض بالسرطان وليد دقة، وما واجهته عائلته من استهداف وملاحقة. واقع الأسرى داخل سجون الاحتلال وما يواجهونه من جرائم وانتهاكات منظمة استمرت أجهزة الاحتلال وعلى رأسها إدارة سجون الاحتلال بتنفيذ سياساتها الثابتة، والممنهجة بحقّ الأسرى والأسيرات ومنهم الأسرى الأطفال داخل سجون الاحتلال ، وأبرزها جريمة الإهمال الطبي (القتل البطيء)، التي تشكّل اليوم أبرز هذه الجرائم، وكان آخر ضحايا الإهمال الطبي، الشهيد أحمد ابو علي من الخليل، الذي استشهد في شهر شباط/ فبراير من العام الجاريّ. بالإضافة إلى سياسة العزل الإنفراديّ، والتي تصاعدت بشكل ملحوظ منذ 2021 حتّى اليوم، وتحديدًا بعد عملية (نفق الحرية) البطولية، حيث يبلغ عدد الأسرى الذين يواجهون العزل الانفرادي اليوم نحو (35) من بينهم أسرى مرضى يعانون من أمراض نفسية، وصحية مزمنة، من بينهم الأسير أحمد مناصرة الذي يواصل الاحتلال اعتقاله، وعزله رغم ما وصل إليه من وضع صحي ونفسي خطير، ونذكر هنا كذلك أقدم الأسرى المعزولين في سجون الاحتلال، الأسير محمد خليل الذي يواجه العزل الإنفرادي منذ أكثر من 15 عامًا. ومن السياسات الممنهجة بحق الأسرى، عمليات الاقتحام للأقسام، والتنكيل بالأسرى. وسُجلت العديد من الاقتحامات لأقسام الأسرى في عدة سجون منذ أواخر العام المنصرم ومع مطلع العام الجاري، ، وتصاعدت فعليًا بالمقارنة مع الأشهر التي سبقت شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، حيث بلغت حدتها في نهاية شهر كانون الثاني/ يناير من العام الجاري. ويذكر أنه سُجلت عدة اقتحامات في يوم واحد، وفرضت عقوبات جماعية على الأسرى، بما فيها عملية عزل جماعية. وتواصل سلطات الاحتلال أيضاً وضع العراقيل أمام زيارات عائلات الأسرى لأبنائهم في السجون كعقوبة تفرضها بحقهم، او بسبب انتمائهم الحزبي كما يحدث مع عشرات الاسرى من غزة. وتتعمد إدارة السّجون تحويل أي حقّ إلى أداة لفرض مزيد من إجراءات التّنكيل بحقّ الأسرى، ولم تتوقف يومًا عن (ابتكار) أدوات لعرقلة زيارات الأسرى، والتّنكيل بذوي الأسرى. وعلى مدار شهر فبراير وحتى الـ22 من مارس، من العام الجاري، نفذ الأسرى سلسلة خطوات احتجاجية، تمثلت بخطوات عصيان يومية طالت كافة مناحي الحياة الاعتقالية، رفضًا للإجراءات التي أعلن عنها الوزير المتطرف (بن غفير) بحقّ الأسرى. و استهدفت إجراءات بن غفير جوانب عديدة من حياة الأسرى مثل كمية المياه المسموح باستخدامها، وساعات الاستحمام، ومنع ادخال الخبز. ووأخذت خطوات الأسرى، خصوصيتها مع الواقع السّياسي الذي تحاول فرضه حكومة الاحتلال الأكثر تطرفًا، باستهداف كل ما تبقى للأسرى وبعد مواجهة استمرت لمدة (37 يومًا)، تمكّن الأسرى من دفع إدارة السّجون إلى التراجع عن إجراءاتها التي أعلنت عنها، إلا أنّ هذا لا يعني أنها توقفت عن العديد من السّياسات التّنكلية بحقّ الأسرى، والتي أصبحت جزءًا من منظومة السّجون الإسرائيلية. تؤكد مؤسسات الأسرى مجددًا وفي ظل العدوان المستمر على شعبنا الفلسطينيّ، أنه على المؤسسات الحقوقية الدولية أن تحمي جوهر عملها الإنساني والحقوقي بالانتصار لحقوق الشعب الفلسطيني الذي يواجه الاحتلال على مدار عقود طويلة، نفّذ خلالها جرائم لا تُعد ولا تحصى، ومع ذلك فإن المواقف الدولية بقيت خجولة، واليوم وتحديدًا في ظل المتغيرات الدولية التي نشهدها، تكشف مجددًا سياسة الكيل بمكيالين، وعليه فإننا نطالب مجددًا بحماية دولية في ظل ما نشهده من عدوان وقتل العشرات من الفلسطينيين واعتقال المئات، واتخاذ قرارات رادعة لجرائم الاحتلال
مشاركة :