عاشت التلفزيونات العربية عقودا طويلة، وهي تباشر صباحية العيد، بأغنية "ليلة العيد" للسيدة أم كلثوم -رحمها الله- هذه الأغاني كانت لها حكايات، فبعد تقديمها على مسرح النادي الأهلي "1944" كرمها الملك فاروق الأول، بوسام الكمال "صاحبة العصمة". لكن بعد انتشار الإذاعات والتلفزيونات الأرضية، توسع انتشارها على مستوى واسع من الدول العربية.! واصبحت أيقونة كل عيد، حفظها الصغير قبل الكبير. "79" عاما لم تكن هينة لأن يأتي أحد في مزاحمة هذا التاريخ العريض وتبديل وجدانيات العرب بشكل كامل، كانت تحتاج إلى جهود وتفكير واسع لإضافة العديد من الأغان التي تتناسب مع العيد. في المملكة العربية السعودية، جاءت أغانٍ أخرى، في ذاكرتهم أغانٍ ما أن تشرق شمس العيد إلا وينطلق بثها لتكون حافزا محليا لبهجة العيد، هذه الوجدانيات ما إن يبشر الناس بقدوم العيد، إلا وينطلق بثّ أغنية "ومن العايدين ومن الفايزين".. هذه الأغنية بالذات يتذكرها الخليجيون كثيراً، باتت هي أهم أغنية تستعرضها محطات التلفزيون في دول مجلس التعاون الخليجي كافة. في الوقت الذي ظهرت فيه هذه الأغنية، كان المطرب السعودي يهتم بالمناسبات الدينية والأعياد، حيث كان حريصا على مشاركة أفراد المجتمع في جميع فصول حياتهم واهتماماتهم. كانت أغنية "من العايدين ومن الفايزين" -1971- للفنان محمد عبده، محور الاهتمام منذ عقود سابقة، صاغها شاعر الوطن إبراهيم خفاجي لتكون علامة خالدة في جبين الفن السعودي. يتذكر السعوديون "المخضرمون" من خلالها طفولتهم ووقت زهو التلفزيون بأحلى البرامج والأغاني المنسجمة مع العيد، تلك الفترة التي كان الفنان يسعى لتقديم أفضل الأعمال الاجتماعية والوطنية لكي ينافس بها أقرانه ويكسب الحظوة عند الجمهور. قبل ظهور من "العايدين" بسنوات كان التلفزيون يستعرض أغنية أم كلثوم "ليلة العيد" الخاصة بالعيد، إلى جانب مجموعة "أنوارك هلَّت" وغيرهما، كانت في غالبها أغانٍ مستوردة، إلا أن علو كعب الفنون السعودية، بشكل عام في بداية السبعينات، جعل من هذه المناسبة محور اهتمام الفنان السعودي، حتى صدح علي عبدالكريم في أذهان الناس بأغنية "فرحة فرحة"، كانت منافسة بشكل كبير لأغنية "ومن العايدين"، وبعد عودة الراحل طلال مداح من اعتزاله قدم أغنية "كل عام وأنتم بخير" والتي لازمت فرحة العيد وجعلته ساحة للتنافس فيما بين الفنانين السعوديين وزادت من جمال هذا اليوم وانضمت له كتحفة فنية لائقة في يوم العيد. أغاني العيد بشكل عام تغرس في النفس الشعور بالفرح والاستمتاع بالعيد وتحفز الذاكرة عند سماعها، رغم امتلاك تاريخ الأغنية السعودية لتلك الأعمال الخالدة التي صدح بها طلال ومحمد عبده وعلي عبدالكريم، إلا أن الفنان السعودي والخليجي -الحالي- لم يعد يهتم بمثل هذه المناسبات ولم يعد حريصاً على التفاعل مع المجتمع في مناسباتهم وأعيادهم. أغاني الزمن الجميل للأغنية السعودية ما زالت هي محور الاهتمام في مناسبة العيد، ولا طعم للعيد دون سماعها، حتى حفرت مكانها في ذاكرة السعوديين والخليجيين بشكل عام. منذ سنوات وتلفزيونات الخليج تبثُ أغاني طلال مداح "كل عام وأنتم بخير" ومحمد عبده "ومن العايدين"، وبتنا نزحف للوطن العربي نذكرهم بجمال العيد عبر أعمالنا الوطنية، وعكسنا بذلك البداية التي كانت لنا مع المصريين بأغنية أم كلثوم "ليلة العيد" ومجموعة "أنوارك هلَّت". قبل سنتين استغلت بعض القنوات وهج هذه الأغاني وطالبت من بعض الفنانين إعادتها من جديد وبثها عبر شاشتها، إضافة إلى أن الفنانين أمثال عبدالمجيد عبدالله، والذي قدم أغنية جديدة تحمل عنوان "عادت عليكم" من كلمات فهد المساعد وألحان مبهم وتوزيع عصام الشرايطي، وقدم سابقاً راشد الماجد أغنية "حياك يا عيد حياك"، ونوال الكويتية التي قدمت "كل عام وأنت بخير" وفنانون آخرون، لكن مثل هذه الأغاني لم تؤثر، لأن الذاكرة ما زالت منسجمة مع وجدانيات صوت طلال مداح ومحمد عبده وعلي عبدالكريم وأم كلثوم. والتي ما زال الإعلام المرئي والمسموع، يصدح فيها حتى اليوم، متجاهلا جديد ما يقدمه الآخرون، والتي تبين من خلال ذلك أن ذاكرة المجتمع العربي، ما زال متراكما منّذ الأزل، ومزاجه نحو التغيير ما زال عنيدا، يحفّز الصغير في التعلق بأغاني الزمن الجميل.
مشاركة :