تُصر المجتمعات المتطورة والمتحضرة، في الغرب والشرق على احتضان الفنون والآداب بمختلف أشكالها ومستوياتها، لإيمانها الراسخ والعميق بدور هذه الفنون والآداب في تنمية الذوق والإحساس والفكر والمزاج والسلوك لدى مجتمعاتها، أفراداً وجماعات، بل هي - أي الفنون – ساهمت ومازالت في تنمية وازدهار وتمدن الكثير من الشعوب والمجتمعات، ومنها الكثير من المجتمعات العربية طبعاً خلال المسيرة الإنسانية منذ عصر الإنسان الأول وحتى عصرنا الراهن. الفنون، سواء كانت فولكلوراً أو موسيقى أو غناء أو رسماً أو نحتاً أو تمثيلاً أو أهازيج،... أو غيرها من مختلف الأشكال والألوان الفنية التي ابتكرها الإنسان وما يزال من أجل الترفيه والمتعة والفرح والإبداع والفكر والانفتاح والتسامح، تمر بالكثير من الممانعات والملاحقات والتحديات، أغلبها مفتعلة أو واهية. إن ملامح الفرح والبهجة والسعادة والمتعة والدهشة التي تمنحها الفنون المختلفة والموروثات المتنوعة التي يزخر بها وطننا العزيز من شرقه لغربه ومن شماله لجنوبه، تؤكد عمق وأصالة وروعة الإنسان السعودي الذي يشبه تفاصيل وتضاريس ومناخات وبيئات هذا الوطن الكبير الممتد على كل الآفاق والسماوات. وهنا، لابد من سؤال كبير جداً، بحجم الغياب الكبير لهذه الفنون والموروثات: هل نُدرك حقاً الدور الكبير الذي تلعبه الفنون في حياة المجتعات؟ مبكراً، أدركت الشعوب الحية والمجتمعات الذكية أهمية وتأثير الفنون على نمط مسيرتها وطبيعة حياتها، حيث ابتكرت وطورت وقننت الكثير من الفنون، ونقلتها من مجرد وسائل للترفيه والمتعة وشغل الفراغ والشعور بالفرح والبهجة إلى ضرورة وحاجة، بل اعتبرتها أي الفنون من المصادر الحضارية الرائعة والملهمة التي تُفاخر بها أمام العالم، كل العالم. فمثلاً، الموسيقى بكل فنونها وآلاتها وأدواتها تُعتبر حالة إنسانية رائعة وقيمة حضارية ممميزة تتنافس حولها المجتمعات المتطورة، بل ويجري تصنيفها نتيجة اهتمامها وعنايتها وتعلقها بالموسيقى. الفنون، ليست مجرد فضاءات ومساحات للمتعة والبهجة والتسامح والتصالح والانفتاح، بل هي كل ذلك وأكثر، ولكنها في الأساس قيمة إنسانية رائعة ووسيلة حضارية ملهمة تتمايز وتتفاخر بها الأمم والشعوب والمجتمعات. الفنون، ليست طريقاً للانحراف أو وسيلة للغواية. لا، الفنون ليست كذلك، بل على العكس تماماً، فهي مانحة الفرح والمتعة والسعادة، وصانعة الذوق والرقي والأناقة. كم نحن بحاجة ماسة لإشاعة الفنون والموروثات الجميلة في حياتنا التي تشوبها الكآبة والرتابة والحزن والملل والنمطية، لأنها أي الفنون الوحيدة القادرة على انتشالنا من تلك الأجواء والظروف والتداعيات الصعبة التي أثّرت كثيراً على نفسياتنا، بل وشوهت الصورة التي نحملها لحاضرنا ومستقبلنا. ستيفن، صحفي ومترجم ألماني يتحدث اللغة العربية وأحد ضيوف "الجنادرية" أكد لي أكثر من مرة بأن الفنون والموروثات والرقصات والأكلات والتراث والعادات التي شاهدها عن قرب خلال فترة المهرجان، أشبه بكنز آن لهذا الوطن الرائع أن يستثمره ويعرضه للعالم لأنه لا مثيل له على الإطلاق.
مشاركة :