سيطرت إمبراطوريّة بدويّة على السّهوب الآسيويّة ثلاثة قرون منذ 200 عام قبل الميلاد، حيث تاجرت بالبضائع على طريق الحرير، وبنت قبورًا مزخرفة للموتى، وفرضت سيطرتها على الأراضي البعيدة. وشَهِدت الإمبراطوريّة، التي عُرِفت باسم «شيونغنو»، صراعًا مع الصين الإمبراطوريّة التي كانت منافستها الكبيرة، وأدّى ذلك إلى بناء سور الصين العظيم، ولا تزال أجزاء منه قائمة حتّى اليوم. ولعدم وجود سجلات مكتوبة عنهم، باستثناء تلك التي أصدرها مؤرخون صينيّون اعتبروهم برابرة، اختفت إمبراطوريّة «شيونغنو» وشعبها بين ظلال التّاريخ. والآن كشفت أدلّة قديمة للحمض النووي، بمساعدة نتائج حفريات أثريّة حديثة، عن أسرار واحدة من القوى السياسيّة الأكثر تأثيرًا في ذلك العصر. وأكمل فريق دولي من العلماء تحقيقًا وراثيًا في مقبرتين على طول الحدود الغربية لإمبراطورية «شيونغنو» فيما يُعرف الآن بمنغوليا، وكانت إحداهما مقبرة للنّخبة الأرستقراطية، بينما خُصِّصت الثّانية للنخبة المحليّة. وتوصّل العلماء إلى تسلسل جينومات 17 فردًا دُفِنوا في المقبرتين، ووجدوا مستوى «مرتفعا للغاية» من التّنوع الجيني، ما يُرجّح أنّ الإمبراطوريّة كانت متعدّدة الأعراق، والثّقافات، واللغات، وفقًا للدّراسة الجديدة المنشورة في مجلة Science Advances. ورُصِد التّنوع الجيني بين المجتمعات الفرديّة، ما يعني أنّ الإمبراطوريّة لم تكن مجرّد خليط من مجموعات متجانسة، وحّدتها قضيّة مشتركة. وفي بيان صحفي، أوضح كبير المؤلفين، والأستاذ المشارك في العلوم البيولوجيّة بجامعة «سيؤول» الوطنيّة، تشونغ وون جونغ: «لدينا الآن فكرة أفضل عن كيفيّة قيام (شعب) شيونغنو بتوسيع إمبراطوريتهم عبر دمج مجموعات متباينة، والاستفادة من الزّواج وصلة القرابة لبناء الإمبراطورية». ومن بين المقابر الفردية التي دُرِست كانت المقابر التي تتمتع بمكانة أعلى ملكًا للنّساء، ما يشير إلى أنهنّ لعبن دورًا مهمًا بشكلٍ خاص في مجتمع «شيونغنو». وتزيّنت التوابيت المُتقنة برموز ذهبيّة للشّمس والقمر، بإشارة إلى القوّة بالنّسبة إلى هذه المجموعة. واحتوى أحد الأضرحة على بقايا 6 خيول وعربة. وقال عالم آثار المشروع في الدّراسة والأستاذ المساعد بقسم فنون وآثار آسيا الوِسطى في جامعة «ميشيغان» بريان ميلر: «لم تمتلك تلك النّخبة من النّساء الأغراض لعرض مكانتهنّ فقط (مثل الأحزمة والقلادات)، بل لتفعيل نفوذهنّ أيضًا، مثل الأواني الفاخرة لاستضافة الولائم». وكشفت الدّراسة أيضًا معلومات حول حياة أطفال «شيونغنو». وتمامًا مثل الرّجال، تم دفن المراهقين مع الأقواس والسّهام، ولكن لم ينطبق ذلك على الأولاد دون سن الـ11. وترى عالمة آثار ما قبل التّاريخ في جامعة «بون» أورسولا بروسدر أنّ البحث يعرض نظرة أعمق على النّسيج الاجتماعي لشعب «شيونغنو»، باستخدام علم الوراثة كأداة. وقالت بروسدر التي لم تشارك في أحدث دراسة: «أنا متحمّسة لرؤية المزيد من الدّراسات من هذا النّوع في المستقبل»، مضيفة: «نظرًا إلى كوني أحد الأشخاص الذين أشاروا إلى دفن النساء البالغات مع أكثر الأغراض فخامة، فأنا متحمّسة لرؤية أنّ علم الوراثة يدعم هذا الرّأي». وغالبًا ما أُسيء فهم شعب «شيونغنو»، بحسب ما ذكرته بروسدر، وذلك لاستناد المعلومات على نصوص من الصين الإمبراطوريّة واليونان القديمة، حيث كان يُعتبر الرعاة الرّحل أقل شأنًا إلى حد كبير.
مشاركة :