أكادير (المغرب) - اختار إبراهيم الشتوي العودة إلى قريته بجبال الأطلس الكبير في ضواحي مدينة أكادير وسط المغرب، بعد أكثر من 10 سنوات من العمل في القطاع الخاص بمدينة الدار البيضاء (غرب)، من أجل المحافظة على استمرارية أقدم المناحل التقليدية بالعالم. وإبراهيم (52 عاما) تخلى عن مغريات المدينة وانبرى حارسا على هذه المناحل حتى لا تصبح نسيا منسيا، إلا أن مهمته ليست بالأمر السهل، بسبب صعوبة المكان، وإقناع الأهالي بالأمر، وصراعه مع الجفاف الذي يهدد المناحل والقرية والمنطقة برمتها. وتوجد ما بين جنبات الأطلس الكبير بلدة انزركي، فالوصول إليها يقتضي سلوك طريق غير معبدة لنحو 4 كيلومترات، تتخلله أشجار وطبيعة خلابة وهدوء يعم المكان. ويصنف خبراء متخصصون هذا الموقع على أنه "أقدم وأكبر مزرعة جماعية تقليدية لتربية النحل في العالم"، ويعود تاريخ إنشائها إلى العام 1850. تخلى إبراهيم عن متعة أكبر مدينة في المغرب، ليعود إلى انزركي بلدته الصغيرة، التي تضم نحو 40 أسرة، بعد العودة إلى القرية، ظل يهتم بالزراعة، ليجد أن المنحل يعرف تراجعا وتهميشا، وإذا استمر الحال على ما هو عليه ممكن أن ينتهي، وهكذا أسس جمعية "تدارس انزركي للتنمية والتعاون" غير حكومية، من بين مهامها الحفاظ على أقدم منحل تقليدي في العالم، مبني في القرن 16. وأوضح الشتوي أن "منحل انزركي توقف لمدة 40 سنة، حيث لم يعد الأهالي يستعملونه، وخلال 2012 تم إنشاء جمعية تعنى بتشجيع الناس بأهمية هذا المنحل"، مضيفا "خصوصا أن أجدادنا يقولون إن هذا المنحل يتميز بالبركة، إنتاجيته مرتفعة مقارنة مع أماكن أخرى، وممكن أن يكون السر في تواجده وسط الغابة". المنحل مبني بالطين والحجر وجذوع النخل والخشب والقصب عبر طوابق متعددة، حيث تملك أسر القرية طابقا خاصا بها. واعتبر إبراهيم أن "المنحل يتوفر على 1200 سلة مخصصة للنحل، حيث يتم تربيته بطريقة تقليدية، ولكن يتم استعمال نحو 250 منها فقط من طرف 15 عائلة في المنطقة". وأشار إلى أن "سبب تراجع استخدام المنحل يرجع إلى كون باقي النحالة يستخدمون الصناديق الحديثة لتربية النحل، لأنه يعطي إنتاجية كبيرة للعسل بأقل مجهود، عكس مناحل انزركي حيث المجهود أكبر، مقابل إنتاجية قليلة، ولكنه من ناحية الجودة أفضل من المناحل العصرية". يكون العمل المكثف بهذه المناحل خلال فترة فبراير/شباط، ومارس/آذار، وأبريل/نيسان، حيث يتم وضع النحل نهاية أبريل/نيسان والإنتاج يكون في يوليو/تموز، وخلال أغسطس/آب، يتم وضع السلل في أماكن أخرى. ورغم أن العمل بالمنحل لا يدوم طيلة السنة، إلا أن إبراهيم يسهر عليه على مدار العام، ويطمح أن يتم تأهيل جنباته، فطريقة إنشائه من الطين والأحجار تتطلب عناية خاصة، وهو ما ينكب عليه إبراهيم. تم تصنيف منحل انزركي تراثا وطنيا عام 2021 من جانب وزارة الثقافة المغربية التي عملت على ترشيح المنحل إلى لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو). ويرى إبراهيم أن استمرارية المنحل مرتبطة بمدى وجود الماء، خصوصا في ظل توالي سنوات الجفاف بالمنطقة، لافتا إلى أن "عمر النحلة ما بين 45 و50 يوما، والملكة ما بين 4 إلى 5 سنوات، حيث تضع الملكة البيض إذا توفرت حبوب اللقاح، المرتبط بدوره بوجود النباتات"، متابعا "فإذا كان هناك جفاف لا تضع الملكة البيض ويموت النحل بشكل تدريجي، وينتقل عدد النحل بخلية واحدة من 50 ألفا إلى 1000 نحلة". وأوضح أن "الجمعية تعمل للتغلب على هذا المشكل، حيث تم حفر بئر يعمل بالطاقة الشمسية، وآخر يتطلب إمكانات أخرى، وتعمل على غرس العشوب والنباتات العطرية والطبية، حيث تم غرس 20 ألف شتلة زعتر، و5 آلاف شتلة خروب، خلال السنتين الماضيتين". ولفت إلى توجيه مياه البئر إلى المنازل بدل الزراعة في القرية بسبب الجفاف، "لذلك لم يتم غرس الشتلات هذه السنة"، معربا عن تمنياته بحفر آبار في القرية والقرى المجاورة، "لأن الاستقرار مرتبط بالفلاحة المرتبطة بدورها بمدى وجود الماء من عدمه، حيث يتسبب الجفاف في هجرة 80 في المئة من القرية". إبراهيم مستمر في حماية المنحل، فهو يدرك أهميته التراثية والثقافية، لذلك يعطي كل جهده للمنحل الذي شهد على أحداث وحضارات كثيرة، فهو يحافظ على تراث يمتد لقرون ومهدد بالزوال. وبحسب إحصاءات العام 2019، تضم المملكة نحو 910 آلاف مزرعة لتربية النحل يستغلها نحو 36 ألف مزارع.
مشاركة :