دولة الإمارات العربية المتحدة استحدثت مؤخرا منصب وزير السعادة كأول وزارة من نوعها على مستوى وتاريخ الحكومات في العالم، وتلك حالة سياسية ومجتمعية مفاجئة للغاية، ونحن صغار أتذكر عبارة من عبارات الحكمة مفادها «السعادة ينبوع يتمنى الجميع أن يغرفوا منه وهم لا يعرفون أنه تحتهم» أي كأننا لا نحيط بالصورة الكلية للحياة نمضي فيها وننشغل بالتفاصيل التي يمكن أن تجعلنا تعساء ويظللنا الهم والغم، ونجعل من السعادة إبرة ضائعة في كومة قش. تلك الوزيرة الجميلة مهمتها أن تساعد في تركيز الانتباه المشتت الذي يبحث فيما لا طائل منه، مهمتها أن تجعل الناس أكثر تفاؤلا وأملا في حاضرهم ومستقبلهم، وأن ينظروا إلى الأرض لوضع خطوتهم التالية، حتى لا يتعثروا وهم في رحلة الحياة فيسقطوا ومع السقوط تنهار قواهم الإيجابية، مهمتها أن تساعد الناس على أن يغرفوا من ينبوع السعادة الذي يتدفق تحتهم وهم يبحثون عنه في زحمة التفاصيل المزعجة. ليست وزارة تعنى بالترفيه وإنما إعادة اكتشاف الإنسان لذاته، وتحوّله الى مسارات إيجابية دافعة لنفسه ولمجتمعه، فهناك كوامن وطاقات راكدة لم تستغل في الذات الإنسانية، حيث إن تراكم السلبيات والإحباطات يعمل على تغييب الوعي وإدراك أن السعادة موجودة لدى كل شخص يمكن أن يفكر بصورة إيجابية مؤثرة لصالح نفسه ومجتمعه ووطنه، وكل من لم ينظر إلى هذا التعيين والاستحداث المبدع بإيجابية فهو ليس سعيدا بالتأكيد وبلا أمل حقيقي في تغيير واقعه إلى الأفضل. وزيرة السعادة الإماراتية عهود الرومي، أمام تحديات كبيرة أولها ليس إثبات جدارتها في المنصب وإنما تقديم تجربة إنسانية ملهمة لكل دول العالم ومجتمعاته التي التفتت إليها مع إعلان تعيينها، بين دهشة واستغراب، فآلام البشرية من الكثرة والبؤس بما يجعل الجميع يبحث عن بارقة أمل لإخراجهم من ركام الفشل والمعاناة، لذلك من المهم أن تنجح ليس لبلادها وإنما لكل الناس فهي وزيرة سعادة في تجربة جديدة لم يسمع بها الناس من قبل. مهمة الوزيرة الشابة من الصعوبة بما يجعلها أسهل مهمة، فهي معنية بأن تطور خطى الأفراد في الاتجاه الصحيح وتحديد الخيارات بوعي ينبغي استعادته لأولئك الذين يعيشون بؤسا من صنع أنفسهم، والحياة ربما تبدو للبعض غير عادلة، وذلك غير صحيح، ولكنها قاسية نسبيا بما يدفع لتطوير مهارات تتعامل مع قسوتها وتحولها إلى قيمة إيجابية تتصالح فيها النفس داخليا ومع محيطها، لذلك ننتظر صاحبة السعادة لتطلق خيول الأمل في فضاء الروح وينظر الجميع إلى الينبوع تحتهم ويرتوون منه.
مشاركة :