أثار عرض الفيلم التونسي نحبك هادي في مسابقة مهرجان برلين السينمائي الدولي اهتماما كبيرا كونه أول فيلم عربي يعرض في مسابقة هذا المهرجان العريق منذ عشرين عاما. وكان الفيلم التونسي صيف حلق الواد للمخرج فريد بوغدير قد شارك في مسابقة برلين في دورة عام 1996. وفيلم نحبك هادي هو العمل الأول للمخرج التونسي محمد بن عطية، وقد تحمس المخرجان البلجيكيان الشهيران الأخوان داردين لسيناريو الفيلم فحصل على تمويل بلجيكي وفرنسي إلى جانب شركة الإنتاج التونسية التي تديرها المديرة السابقة لأيام قرطاج السينمائية درة بوشوشة، التي تحولت إلى الإنتاج السينمائي منذ سنوات فأسست شركة نوماديس. يروي فيلم نحبك هادي قصة تشير -على نحو ما وبشكل رمزي- إلى الوضع القائم في تونس حاليا، أي إلى عجز تونس عن الخروج من أسر ماضيها السياسي أو المنظومة التي ظلت في الحكم منذ الاستقلال، والتطلع إلى تأسيس مجتمع ديمقراطي حديث. تدور القصة حول شخصية الشاب هادي ابن الطبقة الوسطى التونسية الميسورة الحال، الذي يعمل مندوب دعاية لإحدى وكالات بيع السيارات، وهو ينتقل من القيروان إلى المهدية على شاطئ البحر، حيث يحاول أن يقنع المسؤولين في الشركات العامة والخاصة بشراء سيارات الشركة التي يعمل لها. كان هادي على وشك الزواج من فتاة اختارتها له أمه ذات الشخصية القوية المهيمنة التي لم تترك كبيرة أو صغيرة إلا وحسبت حسابها، فقد رتبت له كيف سيقيم مع عروسه في مسكن شيدته فوق مسكنها، واتفقت مع الفرقة الموسيقية التي ستحيي الحفل، وأرسلت تستدعي شقيقه المهاجر في فرنسا لكي يتوسط له للانتقال إلى عمل يناسبه أكثر. لكن المشكلة أن هادي لا يشعر برباط حقيقي يربطه بخديجة، تلك الفتاة المتحفظة التقليدية التي لا ترغب سوى أن تكون ربة بيت، تدير المنزل وتنجب الأبناء فقط، دون أن تملك أي طموح في الحياة. وعندما يلتقي هادي بفتاة تدعى ريم تعمل في مجال السياحة وتسافر إلى بلدان العالم المختلفة، يكتشف من خلالها ما ينقصه، أي التجربة الحقيقية، ويقع في حبها ويتمرد على اختيارات الأم له، ويكاد يغادر البلاد ويرحل معها متطلعا إلى الفكاك من أسر واقعه المغلق المحبط. غير أن هادي يجد نفسه عاجزا في النهاية عن حسم أمره، فيقرر البقاء دون أن نعرف مصيره بعد أن استقال من عمله الذي يجده مملا لا يحقق له شيئا من طموحاته، كما يرفض هيمنة الأم على مقدرات حياته، دون أن يقدر على تولي مسؤولية نفسه وحده. تقليدية وحرفية وفي الفيلم إشارات عديدة إلى الأزمة الاقتصادية الحادة التي تضرب البلاد، وبالأخص مع تراجع النشاط السياحي وارتفاع الأسعار وتفشي البطالة، كما يلامس موضوع الهجرة إلى فرنسا. ورغم أسلوب السرد التقليدي المباشر، فالفيلم مصنوع بحرفية متميزة، ويبرز فيه بوجه خاص عنصر التمثيل سواء في دور الأم الذي قامت به الممثلة صباح بوزويتة، أو الدور الرئيسي الذي لعبه بمهارة كبيرة الممثل مجد مستورة، الذي بدا في البداية قليل الكلام، عابس الوجه يميل إلى العزلة، أقرب إلى شخصية انطوائية. لكن بعد أن يبدأ علاقته بريم، تتفتح شهيته للحياة، ويتحول إلى شخصية منبسطة تميل إلى المرح، يريد أن يستقل ويتخلص من دور الولد الصغير الذي تتولى أمه رعايته، لكنه يعجز في النهاية عن تحقيق ما يصبو إليه، في إشارة إلى التناقض الكامن داخل الرجل العربي، الذي يخضع في النهاية للتقاليد، وهو غالبا سيعود لكي يتزوج من اختارتها له أمه لا الفتاة التي أحبها! كان استقبال النقاد الحاضرين في المهرجان للفيلم استقبالا جيدا، علما بأنه ينافس 17 فيلما آخر على جائزة الدب الذهبي وغيرها من جوائز المسابقة. وربما يكون أيضا مرشحا للفوز بجائزة العمل الأول التي ينافسه عليها الفيلم البريطاني عبقري للمخرج مايكل غرانداج.
مشاركة :