وتقول نرمين حزينة (25 عاماً) المجازة في العلوم الاجتماعية لوكالة فرانس برس إنّ "الشباب الفلسطيني يعتريه نوع من اليأس، لأنّهم غير قادرين على تحقيق ما يصبون إليه.. وثمّة ما يحدّ من قدراتهم". وتضيف "باتت الهجرة الحلّ الأساسي لشباب المخيّم. كلّ من تتحدّث إليه يقول إنّه يريد السفر، بطريقة شرعية أم غير شرعية، لا يهمّ". وتؤكّد أنّ فكرة السفر الى بلد "يحترمني ويقدّم لي فرصة وعملاً" تراودها أيضاً، في وقت لا يجد فيه اللبنانيون في خضمّ الانهيار الاقتصادي فرصاً، "فكيف الحال بلاجئين في مخيّمات وسط ظروف صعبة". لكنّ نبرة اليأس سرعان ما تتغيّر إلى مزيج من الفخر والحماس حين تتحدّث الشابة عن يافا، وتحديداً حي المنشية مسقط رأس عائلتها، كما لو أنّها عاشت في المدينة التي نزح جدّاها منها مع مئات آلاف الفلسطينيين عام 1948. لكن بعد 75 عاماً من النكبة، لا تلوح في الأفق ملامح أيّ تسوية تحفظ حقوق الفلسطينيين وحلم العودة يتلاشى تدريجياً، حتى وإن كانت "فلسطين موجودة دائماً في القلب والذاكرة"، وفق ما تقول حزينة. في أزقة المخيم الضيقة والمكتظة، ترتفع صور حديثة لشبّان فلسطينيين قتلتهم القوات الإسرائيلية مؤخراً في الضفّة الغربية المحتلّة، وبجانبها صور قديمة للرئيس الراحل ياسر عرفات، في مؤشر على الرابط العضوي بين فلسطينيي الداخل وفلسطينيي "الشتات". وبحسب مديرة وكالة الأمم المتحدة لتشغيل وغوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) دورورثي كلاوس، فإنّ 489,292 لاجئ مسجّلون لدى الوكالة. ويعيش هؤلاء ظروفاً صعبة فاقمها الانهيار الاقتصادي المستمرّ منذ خريف 2019 والذي بات معه ثمانون في المئة منهم تحت خط الفقر. وتقول كلاوس "ما من أفق اقتصادي أو سياسي للاجئين الفلسطينيين في لبنان"، موضحة أنّه "بغياب أمل بمستقبل ذات معنى ومع حرمانهم من حقوقهم الأساسية، يحاولون الهجرة كلما تسنح الفرصة". "أبسط حقوقنا" ويقول لفرانس برس محمّد عبد الحفيظ (29 عاماً) الذي يجوب أزقّة المخيّم الضيّقة على دراجته النارية "لا نتمتّع بأبسط حقوقنا ونعيش كلّ يوم بيومه". ويتابع المتطوع في الدفاع المدني الفلسطيني "كنت أحلم أن أكون طبيباً أو مهندساً لكن ليس بمقدوري العمل في هذه المجالات". ويمنع لبنان اللاجئين الفلسطينيين من العمل في 39 مهنة، بينها المحاماة والطبّ والصيدلة والهندسة، كما يُمنع عليهم التملّك، وذلك خشية من أن يشكل ذلك مقدّمة لتوطينهم في لبنان ويحول دون حقّ عودتهم إلى أراضيهم. ولا يخفي عبد الحفيظ رغبته بالهجرة، لكنّ أمله بالحصول على تأشيرة شبه معدوم، بينما خيار الهجرة غير الشرعية محفوف بالمخاطر. ويروي كيف توفّي ثلاثة شبّان من المخيّم في أيلول/سبتمبر حين غرق مركب كان يقلّ عشرات المهاجرين، غالبيتهم لاجئون سوريون أو فلسطينيون ضاقت بهم سبل العيش. ويشرح "توفّوا لأنهم أرادوا أن يؤمنوا مستقبلهم". وداخل مكتب للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حيث يمضي أوقات فراغه، لا يرى وليد عثمان (33 عاماً) في الهجرة حلاً، متحدّثاً عن "مشروع يهدف إلى ضرب الشباب الفلسطيني عن طريق تجويعه وتقليل فرص العمل والحياة". ويتمنّى عثمان لو تسنّى له إكمال دراسة العلوم السياسية "من أجل العمل في مجال الدفاع عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية"، باعتبار أنّ "فلسطين تحتاج اليوم إلى المتعلّمين والمثقفين الذين يمثّلون هذه القضية أمام العالم كلّه". لكنّ ظروف الحياة دفعته الى التوقّف عن متابعة تحصيله العلمي في المرحلة الثانوية، لينصرف الى تعلّم مهنة الحدادة. "وطننا الأساسي" قبل 75 عاماً، فرّ جدّا عثمان من قرية نحف في قضاء عكا، ثم تهجّر والداه من مخيّم تلّ الزعتر للاجئين الفلسطينيين في ضاحية بيروت الشمالية الذي سوّي بالأرض في 1976 خلال الحرب الأهلية (1975- 1990). خلال جولات من الحرب ذاتها، شهد مخيم شاتيلا نصيبه من المآسي مع مجزرة طالته ومخيّم صبرا المجاور إبّان الاجتياح الإسرائيلي العام 1982، ثم خلال حرب المخيّمات في 1985. كذلك فإنّ المخيمات الفلسطينية في لبنان، وبينها شاتيلا، تؤوي قرابة ثلاثين ألف لاجئ فلسطيني فرّوا من سوريا المجاورة إثر اندلاع النزاع في هذا البلد في 2011، خصوصاً من مخيم اليرموك في جنوب دمشق، وفق وكالة أونروا التي تعاني من شح مزمن في التمويل. ولا يزال هناك قرابة 400 ألف لاجئ فلسطيني مسجّلين لدى الوكالة في سوريا، حيث يتمتّعون بحقّ العمل، مقابل 2,3 مليون مسجّلين في الأردن، حيث يحظون بالحقوق ذاتها التي يتمتع بها الأردنيون، بخلاف لبنان الذي يخشى التوطين ويحرم اللاجئين من هذه الحقوق بحجة ضمان حقّ عودتهم. ويقول عثمان "لا يوجد أيّ فلسطيني، ولو كان مرتاحاً في أيّ بقعة في الأرض، ينسى فلسطين. إنّها وطننا الدائم والأساسي". ويضيف "يولد الناس ولديهم وطن، أما نحن فنولد ووطننا في قلبنا".
مشاركة :