راكمت سنوات الانقسام الفلسطيني الداخلي التداعيات السلبية الواقعة على القضاء واستقلاليته لاسيما في قطاع غزة الذي يعاني من نقص شديد في عدد القضاة وتكدس شديد في ملفات النزاعات. ويؤكد ناشطون حقوقيون أن وجود سلطتين قضائيتين في الضفة الغربية وقطاع غزة انعكس سلباً على أداء السلطتين من جهة تعيين القضاة وخطط تطوير القضاء في ظل النظام السياسي القائم. ويظهر تتبع جلسات هيئة الجنايات الكبرى في غزة حجم الضغط الملقى على عاتق القضاة ومساعديهم الإداريين في وقت تتراكم فيه الآلاف من الدعاوى القضائية شهريا ما يدفع إلى تصاعد ظاهرة اختناق القضايا. وتتمثل ظاهرة اختناق القضايا في عدم تمكن قضاة غزة من الفصل في الدعاوى المرفوعة خلال جلسات المحاكم على مدى العام الماضي، والاضطرار إلى ترحيلها لسنوات أخرى وهو ما يعرف بطول أمد التقاضي، وتشمل هذه الظاهرة الخلافات النظامية والشرعية، مما أدى إلى ازدحام ملفات نزاعات المتخاصمين أمام الهيئات القضائية، وانعكس ذلك سلباً على المواطنين الذين فضلوا القانون على أخذ الحق باليد أو الحل بالطريقة العشائرية. ويقول وكيل المكتب الفني بالمجلس الأعلى للقضاء في غزة المستشار إيهاب عرفات لوكالة الأنباء الألمانية إن إجمالي 84 قاضيا فقط يتعاملون مع قضايا سكان القطاع البالغ عددهم أكثر من مليونين و350 ألف نسمة .ويوضح عرفات، أن المجلس الأعلى للقضاء عين نصف العدد المذكور من القضاة خلال السنوات الثلاث الماضية في مسعى لتخفيف العبء القضائي إلى جانب تفعيل نصوص قانونية تتعلق بتقصير أمد التقاضي والعمل على التخصص القضائي في المحاكم. ويشير إلى أن متوسط العمر الافتراضي للدعاوى في محاكم غزة انخفض بعد أن كان يتراوح في محكمة الدرجة الأولى من عامين إلى ثلاثة أعوام ليصبح الآن يتراوح بين ست أشهر إلى 16 شهرا لكنه لا زال يعد كبيرا. وبحسب عرفات فإن القاضي ينجز في اليوم الواحد قرابة 50 معاملة ما بين أحكام ومعاملات تتعلق بالجمهور في قضايا عامة، موضحا أن الجهود مستمرة للارتقاء بالعمل والمنظومة القضائية بما في ذلك السعي لزيادة عدد القضاة. وتتصاعد منذ سنوات مطالب المؤسسات الحقوقية الفلسطينية بضرورة تعزيز استقلال السلطة القضائية بما يؤدي إلى تقليص الفجوة في الثقة بين المواطنين والجهاز القضائي الذي يلجؤون إليه للفصل في النزاعات المختلفة. ويأتي ذلك في وقت تظهر فيه الإحصائيات الرسمية تراكم أكثر من 100 ألف دعوى قضائية أمام المحاكم النظامية في غزة خلال الأعوام الأخيرة بانتظار الفصل فيها وفق القانون ما أدى إلى طول أمد التقاضي. وتتعلق أغلب القضايا التي تستغرق وقتا طويلا في التقاضي بملفات المواريث والجنايات، وأخرى بملكية الأراضي. غير أن الملاحظ أن التدهور الاقتصادي والمعيشي في قطاع غزة بفعل الحصار الإسرائيلي المستمر منذ عام 2007 أدى إلى زيادات قياسية في ملفات النزاعات أمام المحاكمة على خلفية الديون والقروض والتخلف عن السداد وهو ما شكل عبئا إضافيا على عمل المحاكم. ويرى المحامون في غزة بوصفهم أحد أقطاب العدالة، أن قلة عدد القضاة العاملين في المحاكم يسبب اختلالا في ميزان العدالة وضعف ثقة المواطنين بجهاز القضاء وقدرته على إنصافهم. وبهذا الصدد يقول نقيب المحامين في غزة صافي الدحدوح إن رفع زيادة مستوى تحقيق العدالة وحل أزمة اختناق القضايا مرهون بتعيين قضاة أكفاء وذوي خبرة، وهو أمر يسهّل تخصيص بعض القضايا في المحاكم لتسهيل البت في ملفات النزاعات. ضغط كبير ملقى على عاتق القضاة ◙ ضغط كبير ملقى على عاتق القضاة ويوضح الدحدوح أن عدم تمكن القضاة من الفصل والبت في الدعاوى المرفوعة في الخلافات النظامية والشرعية، والاضطرار إلى ترحيلها لعدة أشهر يؤدي إلى ازدحام ملفات نزاعات المتخاصمين. ويشير إلى أن هذه الظاهرة المقلقة تنعكس سلباً على المواطنين الذين فضلوا القانون على أخذ الحق باليد أو الحل بالطريقة العشائرية نظرا إلى أن زيادة فترة أمد التقاضي يعرقل الحق في الوصول إلى العدالة. وينقسم النظام القانوني في الأراضي الفلسطينية إلى القضاء النظامي الذي يختص بأحوال القانون وفق الدستور وما يصدر عن المجلس التشريعي (البرلمان)، والقضاء الشرعي المتعلق بالزواج والطلاق والميراث وفق أصول الدين الإسلامي، إلى جانب القضاء العسكري المختص بالقضايا الأمنية ويتبع وزارة الداخلية. وتتولى المحاكم النظامية في غزة الفصل في المنازعات المدنية والتجارية والضريبية والجنائية وحتى النزاعات بين الحكومة والأفراد وهو ما يدفع بوجود عدد ضخم من الملفات أمام القضاة. ويؤكد مدير عام المحاكم في قطاع غزة ماهر الرفاتي في تصريحات له على التداعيات السلبية لنقص عدد القضاة، وأن المجلس الأعلى للقضاء يعمل على تطوير المنظومة القضائية وسير العدالة الناجزة بزيادة عدد القضاة. ويشير الرفاتي إلى أنه بحسب المعيار العالمي يفترض وجود قاض لكل خمسة آلاف فرد، لكن في قطاع غزة يوجد قاض واحد لكل أكثر من 25 ألف فرد، فضلا عن أن زيادة عدد القضايا يخلق ضغطا متواصلا على القضاة وازدحاما للمراجعين داخل المحاكم. وينبه إلى أن مجلس القضاء الأعلى يسعى لزيادة عدد المحاكم في قطاع غزة والتي يبلغ عددها 13 محكمة فقط تقع عليها مسؤولية إنهاء جميع الدعاوى المرفوعة غير أن النقص في عدد القضاة يقف حائلا أمام ذلك. وبحسب الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء فإن عدد القضايا في المحاكم النظامية في قطاع غزة غير المفصول فيها قد وصل إلى 44 ألف قضية، علما بأن المحكمة العليا تنعقد في غزة بثلاث صفات هي المحكمة الدستورية ومحكمة العدل العليا ومحكمة النقض. ويتبع النظام القانوني في فلسطين السلطة القضائية وينقسم إلى القضاء النظامي الذي يختص بأحوال القانون وفق الدستور وما يصدر عن المجلس التشريعي، والقضاء الشرعي الذي يتعلق بالزواج والطلاق والميراث وفق أصول الدين الإسلامي، وأخيراً القضاء العسكري الذي ينظر في القضايا الأمنية لذا يتبع وزارة الداخلية وليس السلطة القضائية. ووفقا للمجلس الأعلى للقضاء في غزة، فإن المحاكم النظامية استقبلت خلال العام الماضي ما يزيد على 64 ألف دعوى قضائية وجزائية، وتمكن القضاة من الفصل في معظمها إلى جانب البت في عدد من القضايا المدورة لتفادي زيادة عدد الملفات المرحلة إلى العام المقبل.
مشاركة :