قدمت أستاذ الأدب والنقد الحديث بجامعة الطائف الدكتورة مستورة العرابي إسهامات ثقافية كبرى من خلال عضويتها في العديد من اللجان والفعاليات والبرامج الثقافية والمشاركة في تحكيم الكثير من المسابقات بالإضافة لمشاركاتها الفاعلة في الملتقيات الشعرية، فضلًا عن أربعة كتب مطبوعة، وديوان شعر قيد الطباعة.. «المدينة» التقت الدكتورة مستورة العرابي فكان هذا الحوار.. * في البداية ماذا عن قصيدتك الشعرية، وما العوامل التي غذت تجربتك الشعرية؟ -أعتقد أنَّ الشاعر بصورة ما هو ابنُ بيئته التي يفترض فيها أن تشكل وعيه الأول بالناس وبالأشياء وتحدد حساسيته تجاهها، قبل الانفتاح على اللغة والمجازات والتخييل، فالطائف بطبيعتها وبساتينها وجبالها وتنوع تضاريسها، جعلتني أكثر انتماء للأرض وتجذرًا في الطبيعة بإيحاءاتها الجمالية الخلاقة وألوانها المتعددة، انتبهت إلى أن خيال الطبيعة واسع وثري ومتباين، وقد كان هذا التباين كفيلاً بتغذية ذاكرتي وتبرعم خيالاتي. هذا قبل أن ينبلج أمامي فجر اللغة الشعرية بمعناها الأكثر فنية مع تقدم التجربة الحياتية والثقافية والموهبة الشعرية، كما كان لقراءاتي المتنوعة دورها في تكثيف اللغة لدي وجعلي في مواجهة مباشرة مع ذاتي ومن حولي، بالإضافة إلى عامل آخر هو المسؤولية الأخلاقية تجاه الشعر، وهذا العامل يفرض علينا الانشغال بهموم الناس وأحلامهم ويضاعف حجم المسؤولية الملقاة على عاتق كل شاعر. التحولات الشعرية *كيف تنظرين لتطوّر الشعر الحديث وتحديدًا قصيدة النثر؟ -مر الشعر العربي بعدد من التحولات الفنية والفكرية، ابتداءً من القصيدة العمودية ومرورًا بقصيدة التفعيلة وانتهاء بقصيدة النثر التي ترتكز على الإيقاع الداخلي، والاعتماد على الاستعارات الكثيفة والمفارقة وعنصر المفاجأة وغيرها وعلى الرغم من ذلك فلها شعراؤها ونقادها الذين يواكبون تراكمها كما أنها استطاعت أن تخلق ذائقة خاصة بها شأنها شأن النصوص الوجيزة التي ظهرت نتيجة سرعة التواصل التقني، وكذا ما تشهده الثقافة العربية من تفاعل مع مختلف الثقافات التي فرضت استيراد بعض الأشكال الشعرية مثل الهايكو الياباني. * الملاحظ أن الشعر الفصيح بدأ في التراجع أمام سطوة الشعر النبطي.. فكيف ترين هذا الأمر؟ -قد تكون فرضية سطوة الشعر النبطي فرضية انطباعية في كثير من جوانبها، ذلك أن كل العصور الشعرية شهدت هذا النوع من الازدواجية في الإبداع الذي يحضر فيها الفصيح والنبطي، وهذا يدل على طبيعة الثقافة التي لا تحيا إلا بالاختلاف والتنوع، وتعبير عن التحول الإيجابي، ولا يمكن لنوع أن يهيمن على آخر، فلكل نوع منهما جمهوره، وتلك هي سنة الاختلاف في المشهد الإبداعي الصحي. التقنية الحديثة والشعر * أي دور لعبته المنافذ التقنية الحديثة في ذيوع وانتشار الشعر؟ -لاشك أن وسائل التقنية الحديثة لعبت دورًا مهمًا سواءً أكان ذلك في إنتاج النص الشعري أم في الترويج له ونشره أو في زيادة مقروئيته، فهذه الوسائل استطاعت كسر الفواصل بين المبدع وقرائه، وأتاحت فرصة التواصل المباشر بينهما، وهو تواصل كان من شأنه أن يثري الشاعر والنص الشعري، وأن يثري القارئ وتجربته القرائية للشعر. * لكِ تجربة كبيرة في إدارة المواهب الإبداعية باسم «شرفة الشعر».. حدثينا عنها؟ -من أجمل التجارب التي خضتها تجربة «شرفة الشعر» لرعاية المواهب الشعرية في الجامعات السعودية الحكومية والأهلية دعمًا لرسالة المملكة 2030 في رعاية المواهب الشبابية وتنميتها، وقد حرصت هذه الشرفة على تقديم مجموعة متميزة من المبدعين، وهم بحاجة إلى مؤسسات تأخذ بأيديهم، لأن تأطير الفعل الإبداعي يحفز المواهب ويدفعهم إلى التنافس والابتكار والإبداع. * كيف تقيمين تجربتك في كتابة الأوبريت وماذا أضافت إليكِ؟ -لي أكثر من تجربة في كتابة الأبوريتات الخاصة بالمناسبات الوطنية مثل اليوم الوطني، ويوم التأسيس والتخرج، منها «شموخ النخيل»،» رؤية من نور»،» مجد التأسيس»،» تخرجنا وحققنا الأماني» بحكم عاطفتي الوطنية أو اندماجي العلمي على تطويع نصوصي الشعرية شكلا ومضمونا لتكون أوبريتات ناجحة لهذه المناسبات. ولكي أحقق هذه الرؤية الشعرية وغيرها بأفضل صورة ممكنة، كان الأمر يتطلب مني أن أقضي وقتا طويلا في القراءة والاطلاع الكثيف لتقديم فكرة الأبوريت بصورة ناجحة، ليظهر في لوحات حيوية وألوان مزدهرة على خشبة المسرح، كما أشارك كثيرا بملحوظاتي في البروفات التي تسبق العرض النهائي لكل أوبريت كتبت نصه الشعري، أما الحكم على نجاح تجربتي فأتركه للمطلعين عليها أو من شاهد عروضها على خشبة المسرح. جمعية الأدب * إلى أين وصلت جمعية الأدب المهنية، باعتبارك عضوًا مؤسسًا فيها؟ - توشك جمعية الأدب المهنية على الانتهاء من الإجراءات الإدارية ومتطلبات التأسيس ومن خلال عضويتي في الجمعية كعضو مؤسس وكذلك عضويتي في بعض لجانها، فإنني أؤكد أن الأدباء والمثقفين سيكونون على موعد مع جملة من المشاريع الجادة والمكثفة التي سوف تطلقها جمعية الأدب كما أنهم سيكونون شركاء في صياغة الثقافة وإدارة شؤونها. * هناك من يرى أن اهتمامات الأندية الأدبية بالشعر دون المستوى، وما هو السبيل لإيجاد جيل جديد من الشعراء الجيدين؟ - أعتقد أن الحديث عن الأندية الأدبية واهتماماتها في الوقت الراهن فيه ظلم للأندية الأدبية وتاريخها العريق، فهي تعيش مرحلة مأزق الافتقار إلى المرجعية الإدارية لعملها، فهي ليست تابعة لوزارة الإعلام كما أنها ليست منسجمة مع الهيكلة الجديدة لوزارة الثقافة، ومن هنا فإنها تعيش فترة انتقالية يتوجب عليها خلالها تمثل الهياكل الجديدة للثقافة والعمل بموجبها أو الخروج النهائي من المشهد الأدبي. أما ما يتصل بالجيل الجديد من الشعراء فأعتقد أن المسألة معقودة بحرص هذا الجيل على الاستفادة من التجارب الشعرية التي شهدتها العقود الماضية والتراث الأدبي القديم إضافة إلى إيمان هذا الجيل بالحرية والمسؤولية في الوقت الراهن وهذا ما يمكنه من خلق لغته الخاصة ووضع الشعر على عتبة خاصة من التطور والتجديد. الترجمة * ما رأيك في ترجمة الشعر السعودي؟ - الترجمة مشروع متكامل، وترجمة الشعر لا تنفصل عن ترجمة بقية الفنون الأدبية كالرواية والقصة القصيرة والدراسة النقدية، وهو مشروع تضعه هيئة الأدب في صلب اهتماماتها، وفي هذا الإطار الشامل يأتي الاهتمام بالشعر، ولعله أصعب فنون الأدب ترجمة ولهذا يحتاج إلى عناية أكبر وتدقيق أشمل. * ما رأيك في مشروع الشريك الأدبي؟ - لعل مشروع الشريك الأدبي من أهم المشاريع التي تقوم هيئة الأدب بدعمها، وتعود هذه الأهمية إلى أن هذا المشروع كفيل بأن يوفر مراكز ثقافية مصغرة في كل منطقة ومحافظة ومركز، وهو بذلك يساهم في نشر الثقافة في كافة أرجاء المملكة، كما أن هذا المشروع من شأنه أن يتيح الفرصة للقطاع الخاص كي يساهم في بلورة ثقافتنا الوطنية وذلك من خلال استخدام مقاره وإمكاناته كمراكز ثقافية تقام فيها الفعاليات الثقافية. * كيف تقرأين التحول الثقافي في المملكة اليوم؟ - هذا سؤال لا يمكن اختصار إجابته في سطرين أو ثلاثة، بل هو سؤال يستحق أن تعقد حوله الندوات وتكتب حوله الدراسات، ذلك أن التحول الثقافي في المملكة هو جزء من تحول شامل تشهده المملكة على مختلف الأصعدة، وهو تحول يستهدف تحقيق رؤية المملكة 2030، ولعل أهم ملامح التحول الثقافي هو ما طرأ على مفهوم الثقافة من تطوير، فلم تعد قاصرة على الفنون الأدبية المعروفة بل امتدت لتشمل كل ما يمكن أن يوفر جودة للحياة وبذلك أصبحت الثقافة شاملة لكثير من ممارسات الحياة اليومية، كما أن من معالم التحول هذا الحرص على الوصول إلى قطاع كبير من المجتمع بهدف الارتقاء بالوعي وتحقيق جودة الحياة.
مشاركة :