تعد جهود البحث والتطوير التعاونية بين المهندسين والمبدعين في مختلف أنحاء العالم المحركات الأساسية للرخاء الاقتصادي المطلق والنسبي. لكنها أيضا غير مرئية في حسابات السوق. على المنوال ذاته، فإن إدراك حجم ومدى إلحاح التحديات العالمية مثل تغير المناخ، ثم إنكار حقيقة مفادها بأن الحكومات وحدها هي القادرة على معالجتها بفاعلية، كما تفعل مجلة "الإيكونيميست"، يرقى إلى شيء أشبه بالخطأ الفكري المتعمد. لقد أيد آدم سميث ذاته قوانين الملاحة التي نظمت حركة التجارة والشحن بين إنجلترا ومستعمراتها ودول أخرى، رغم حقيقة أنها فرضت نقل البضائع على السفن البريطانية حتى لو توافرت خيارات أخرى أرخص. في كتابه "ثورة الأمم"، يقول سميث، "الدفاع أهم كثيرا من الترف". كان شجب السياسات الأمنية المرغوبة بوصفها "سياسات حماية" خارجا عن الموضوع الأساس آنذاك والآن. علاوة على ذلك، كانت إدانة "الإيكونيميست" سياسات الحماية المزعومة من جانب بايدن مصحوبة بملاحظة غامضة مفادها بأن "سياسات الهجرة أصبحت سامة". الواقع أن الأمر لا يخرج عن خيارين، ينبغي للولايات المتحدة إما أن ترحب بمزيد من المهاجرين "كما أعتقد أنها يجب أن تفعل"، لأن إنتاجيتهم عالية ولأنهم يندمجون بسرعة، وإما يتعين عليها أن تقيد الهجرة لأن بعض الناس يعتقدون أن عملية الاستيعاب والاندماج بطيئة للغاية. من خلال التمسك بالغموض، يقامر كتاب المقال، على أمل إقناع القراء على جانبي القضية بأن "الإيكونيميست" تشاركهم وجهات نظرهم. الواقع أن الملاحظة الواردة في المقال بأن إعانات الدعم قادرة على "تعزيز الاستثمار في المناطق المحرومة في الأمد القريب"، لكنها تعمل أيضا على "ترسيخ الضغوط السياسية المهدرة والمشوهة" في الأمد البعيد، لا تخلو من غموض والتباس على نحو مماثل. يبدو الادعاء الأساسي هنا أنه رغم سوء إخفاقات السوق الناجمة عن عوامل خارجية، فإن العواقب المحتملة التي قد تترتب على سياسات الحكومة التي تهدف إلى تصحيحها أشد سوءا. أي إن الرهان الأكثر أمانا من جانب الأمريكيين يتلخص ببساطة في تمسكهم بإيمانهم وثقتهم بالسوق. تعكس حجة "الإيكونيميست" سوء فهم جوهريا لتاريخ الولايات المتحدة. تمتد جذور التقاليد الاقتصادية الأمريكية إلى أفكار ألكسندر هاملتون، وأبراهام لينكولن، وتيدي وفرانكلين روزفلت، ودوايت أيزنهاور، الذين أدركوا الحاجة إلى دولة داعمة للتنمية وانتبهوا إلى مخاطر السعي وراء الريع. من المؤكد أن 70 عاما مرت على رئاسة أيزنهاور، وأن قسما كبيرا من قدرة دولة أمريكا جرى تفريغه من مضمونه خلال الحقبة النيوليبرالية الطويلة التي بدأت بانتخاب رونالد ريجان. لكن سياسات عدم التدخل التي كانت غير ملائمة بدرجة بائسة لاقتصاد الإنتاج الضخم في خمسينيات القرن الـ20 هي في حقيقة الأمر أقل ملاءمة لاقتصاد المستقبل القائم على التكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا المعلومات. وبدلا من رفض سياسات بايدن الصناعية، ينبغي للأمريكيين أن يحتضنوها. وعلى حد تعبير مارجريت تاتشر، لا يوجد بديل. خاص بـ «الاقتصادية» حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2023.
مشاركة :