د. خميس الزهراني لـ«الجزيرة الثقافية»: النقد السعودي مواكب للحركة الإبداعية.. يرصد تحولاتها ويناقش قضاياها ومستجداتها

  • 5/5/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الثقافية - علي القحطاني: أكد الأستاذ الدكتور عادل خميس الزهراني، أستاذ النقد الحديث بجامعة الملك عبد العزيز، أن مشكلة كثير من المبدعين أنهم لا يقرؤون ما يكتبه النقاد في كل مناطق المملكة، وهم يتناولون بالتحليل أعمالاً سردية وشعرية، في كتب منشورة، وأبحاث في مجلات علمية محلية وعربية وعالمية، ويعتقد أن هذه الأعمال لو جُمعت ستكوّن قاعدة بيانات ضخمة. وتحدث د. عادل خميس الزهراني عن تعلّقه بكتاب «تهافت التهافت «لابن رشد منذ الصغر، وخاض تجربة الفلسفة وكتب في إحدى مقالته الفلسفية عن فكرة مفهوم الضيافة، من منظور سعودي، كما تناولها مفكران وفيلسوفان سعوديان، د. سعيد السريحي ود. عبد الله المطيري في كتابيهما. وتحدث الزهراني عن المنح الفلسفية المتاحة للباحث السعودي، وواقع البحث الفلسفي في المملكة وطبيعة العلاقة بين الناقد والمبدع والمتلقي. كما تحدث المحاور أيضاً عن الكم الهائل من الروايات السعودية وموضوعات أخرى تخصّ النقد العربي والتقويم العام لمستوى الأكاديمية في مجتمعنا.. فإلى الحوار: الناقد السعود * انطلاقاً من تجربتك النقدية، هل ترى بأن الناقد السعودي واكب الشعر والقصة والرواية؟ - أعتقد أنك تشير إلى التهمة التي يرددها بعض الأدباء والأديبات دون إدراك حقيقي، تحركهم -غالباً- النرجسية، يعتقد كل من نشر نصّاً أو عملاً أن النقاد ملزمون أن يتناولوه بالتبجيل والرعاية، كأنهم موظفون لديهم، أعتقد أن النقد السعودي مواكب للحركة الإبداعية، يرصد تحولاتها، ويناقش قضاياها ومستجداتها، ويكرّس الأسماء التي تستحق أن تُكرّس، مشكلة كثير من المبدعين أنهم لا يقرؤون فقط، هناك نقاد في كل مناطق المملكة، يتناولون بالتحليل أعمالاً سردية وشعرية، في كتب منشورة، وأبحاث في مجلات علمية محلية وعربية وعالمية، أعتقد أن هذه الأعمال لو جمعت ستكوّن قاعدة بيانات ضخمة، لكن، لنكن صادقين مع أنفسنا، الناقد يكتب عن الأعمال التي يتفاعل معها بطريقة أو بأخرى، يرى فيها ما يستحق أن يُكتب عنه، الناقد ليس تاجر شنطة، يطارد كل من كتب نصاً أدبياً أو نشر عملاً. الفيلسوفان * هل يمكن أن تحدثنا عن تجربتك البحثية في مشروع المنح الفلسفية؟ - تجربة رائعة، علاقتي بالفلسفة ليست جديدة، كما يعلم الجميع، وعلاقتي بالأصدقاء في جمعية الفلسفة كذلك، وهي محفز من محفزات العمل المعرفي لدي، حين أُعلن عن المنحة كانت فكرة البحث قد تخمّرت بما يكفي في ذهني، عرضتها على صديقين ورأيا فيها ما يستحق، وجاءت المنحة لتشعل شرارة البدء، تناولت في بحثي فكرة جميلة عن مفهوم الضيافة، كما تناولها مفكران وفيلسوفان سعوديان، أعني سعيد السريحي (في كتابه أركيولوجيا الكرم)، وعبد الله المطيري في كتابه (فلسفة الآخرية، وجدت في الأطروحتين فرصة للحديث عن مفهوم فلسفي عالمي (الضيافة) من منظور سعودي، هذا المنظور مهم لأنه يحمل خصوصيته التي تحمّل الخطاب حمولات جديدة ومختلفة، أحضر السريحي والمطيري ميشال فوكو وليفيناس ودريدا للفكر السعودي، وأسهما في تشكيل حالة جدلية تستحق الدراسة والنظر، قضيت مع البحث أوقاتاً جميلة، واستفدت كثيراً. المنح الفلسفية * برأيك ما الذي ستضيفه «المنح الفلسفية» للباحث السعودي؟ وما واقع البحث الفلسفي في المملكة قبل وبعد مشروع المنح الفلسفية؟ - الدعم حافز مهم للعمل، يسهّل العقبات، ويشحذ الهمم، تسهم مثل هذه المنح في جذب الباحثين الجادين للدرس الفلسفي، أعتقد أن هذه المشاريع تسهم في صنع حراك فلسفي حقيقي، عمادة البحث العلمي الرصين، تتطور الحضارات بالبحث العلمي كما هو معروف، مثل هذا يزيد عدد المهتمين بالفلسفة، ويشعر العالم بأن هناك حراكاً فلسفياً في المملكة، ثم يبدأ التفاعل معه بالقراءة والكتابة والحوار. الهمّ الفلسفي * ما الهمّ الفلسفي لدى الباحث السعودي؟ - الباحث السعودي لا يختلف عن غيره، ألاحظ اهتماماً بالأنطولوجيا وبأسئلة المعرفة والأخلاق، ثم أن هناك من تشغله الميتافيزيقيا وعوالمها، لاحظت أيضاً أن المتغيرات التي يفرضها العصر الحديث بتأثير قوي من التكنولوجيا تثير قلق الباحثين والمفكرين السعوديين. وظيفة الفلسفة * ما هي وظيفة الفلسفة في تصوركم؟ وتقويمك لبرامج جمعية الفلسفة السعودية؟ - إبقاء جذوة السؤال مشتعلة، (والسؤال هو أساس التفكير النقدي)، هذه أم الوظائف التي تضطلع بها الفلسفة، وستجد أن تحت هذه الوظيفة منظومة من المهام التي تنجزها الفلسفة للبشرية والوجود، لقد تأخرنا كثيراً في استثمار هذا الحقل المعرفي، ولعلنا الآن نحاول أن نعوّض بهذا الحراك الذي نشهده، أنا قريب من أنشطة الجمعية؛ مشارك وحاضر ومستفيد، هناك عمل دؤوب ومنظم؛ برامج وفعاليات موجهة لكل شرائح المجتمع، فعاليات للأطفال وللأسر، وللباحثين المتخصصين، ومؤتمرات عالمية في الفلسفة، وفلاسفة عالميون يحضرون، ويلمسون هذا النهم، وهذا التحول الحضاري البهيج. تهافت التهافت * نود أن تحدثنا، عن اهتمامك بحقل الفلسفة وعن تأثير من سبقوك؟ - «تهافت التهافت» هذا العنوان العجيب أسرني منذ الصغر، لعل شعريته جذبت الشاعر الصغير داخلي، انحزت لابن رشد مبكراً، قبل أن أفهمه حتى ولا أزال منحازاً وأنا اليوم أفهمه قليلاً ،أقنعني ابن رشد أكثر مما فعل الغزالي ، يقينية هذا الأخير جعلتني أتوجس كيف يكون الفيلسوف يقينياً، هذا أمر لا أستوعبه،حمزة شحاتة قادني لنيتشه، ومن حينها اختلفت علومي. تحولتُ شيئاً وشيئاً نحو التقويض، كان شحاتة من الأسباب التي جعلتني أتعمق في التفكيك والتفكيكيين؛ أنا الآن أنظر إلى الوجود من خلال دريدا، وهايدقر ونيتشه.. ومن خلال شحاتة طبعاً. علاقة النقد بالفلسفة أزلية كما يعرف الجميع، وهذا جعل الولع أكثر. جاك دريدا * في محاضرتك الأخيرة: «تفكيك الحاضر من المستقبل: نظرة في تقويض دريدا»، قلت إن جاك دريدا سبقنا إلى المستقبل، حاولت فيه تفكيك وقراءة نصوص رائد التفكيكية، لماذا دريدا، هل يمكنك أن توضح؟ - يمر العالم بحالة تفكك وسيولة على عدة مستويات كما نلاحظ؛ ليست السياسة وحسب، بل الأخلاق، والفكر، والقيم، والعلوم، مسلّمات تهتز وتتشظى، أفكار ولاعبون جدد يدخلون المشهد ويؤثرون فيه، الواقع في عملية تفكك مستمر، التفكيك حتمية تاريخية وذلك لأن الوعي البشري مبني على أساس غير منسجم، أساس مكتظ بالتناقضات، هذا الأساس هو اللغة..، المعنى، الذي يطارده الإنسان في رحلته الوجودية، صنعة لغوية، واللغة مزيج غير متجانس، يحمل تناقضاته في جوهر بنيته، لذلك، ليس هنالك معنى مستعاد، لأن هذا المعنى سيكون -بشكل أو بآخر- مرادفاً للحقيقة.. هنالك فقط تأويلات، كما قال نيتشه، هذا ما رآه مبكراً، وبشّر به، أو حذّر منه، دريدا، نحن الآن نشهد إرهاصات هذا الخضم، لعل الأجيال القادمة ستشهد أكثر، وتدرك.. أظن أن اسم دريدا سيكون حاضراً بينهم، ولعل تفكيكياً مثلي ينشدهم: نُبّئت أن النار بعدكَ أوقدت واستبَّ دونك يا دريدا المجلسُ وتحدثوا في شأن كل كبيرة لو كنت حاضرهم بها لم ينبسوا الناقد والمبدع * كيف يرى عادل الخميس طبيعة العلاقة القائمة بين الناقد والمبدع والمتلقي؟ - جدلية.. جدلية.. جدلية الناقد الأدبي والشاعر * هناك أمر قد يراه الكثيرون مفارقة ويحتاج إلى إيضاح وهو عملك كناقد، وفي الوقت نفسه صدر لك مجموعتان شعريتان، كيف تربط بين دور الناقد الأدبي والشاعر، وهل ترى أن رقيب الناقد يُربك تمرد الشاعر لديك؟ أم أن لكل مجال استقلاليته؟ - ليس هناك تعارض، نرى أطباء ومهندسين شعراء في الوقت ذاته، الأمر نفسه مع الناقد. النقد مجال علمي، وتخصص له متطلباته المعرفية، يشتكي -كغيره- من المتطفلين عليه، لكن هذه هي الحال، هناك متطفلون على الطب والهندسة والاقتصاد والإدارة ... التأثير * هل يؤثِّر الناقد في الشاعر داخلي؟ - نعم. أعتقد ذلك، أنا أتعامل مع النصوص الشعرية باستمرار، أحلّلها وأحاورها، وكثيراً.. كثيراً ما أجدني أقلَّ من أجاريها إبداعاً. أدونيس والشعر * يقول أدونيس: إذا مات الشعر عند العرب، مات العرب. كيف يرى عادل الخميس مستقبل ديوان العرب: (الشعر)؟ - لن يموت الشعر، لم يمت، ولن يموت، هو موجود عند كل الأمم، وباقٍ في كل الأمم. ما يقوله الشعر ويفعله، لا يستطيع أي شيء آخر أن يقوله أو يفعله، تتجدد أنواعه، نعم. تتغير وطائفة من عصر إلى عصر، ربما. لكنه باقٍ ما بقي الإنسان، لأنه ببساطة يسد حاجة غريزية، زرعها الله فيه، لدي شعور، أن آخر بشريٍ على وجه الأرض سيختار أن يودعها بقصيدة؛ قصيدة رثاء أو حنين.. والله أعلم. السوشيال ميديا * مع النقلة النوعية لوسائل التواصل الاجتماعي، هل أسهمت تلك القنوات إيجاباً أم سلباً في المشهد الأدبي والثقافي بالمملكة؟ ) سلباً وإيجاباً، قرّبت هذه النوافذ الثقافة من الناس، وقربت الناس إليها، أصبحت الجماهير أقرب لعوالم المعرفة والفكر، أسهمت في تعريف الناس بأسماء وأعمال مميزة محلياً وعربياً وعالمياً، وهذا أمر جيد، كما أنها خلقت جواً من الحوار المستمر، الذي يشارك فيها كل من أراد، على الجانب الآخر، صنعت نجوماً ومشاهير لا يقدمون ما ينفع، سطحيين ومجوفين، المؤثر حين يكون أجوفَ يهدم للأسف، أكثر مما يبني. الروايات السعودية * مع وجود كم من الروايات السعودية خلال العقود الماضية، هل ترى في الرواية نوعاً من التجديد؟ - أعتقد أن الرواية هي التجديد في ذاتها، هذا الفن الذي جاء يطل فغلب الكل، نجحت الرواية في التغلغل في المجتمعات، وكشف قضاياه الدفينة، المسكوت عنها. رأى الناس -أعني عامة الناس- لأول مرة أنفسهم، وهمومهم، وطموحاتهم، وانكساراتهم مجسدة في جنس أدبي يستوعبهم ويستوعبونه، يفهمهم ويفهمونه، نعم تحول لصيحة، أغرت كل من هبَّ ودبَّ في الكتابة الأدبية، لكني أؤمن أن الزبد يذهب جفاء، وأن الأعمال السردية الحقيقية ستبقى، وسيبقى كتابها، أصحاب الموهبة والتجربة الأدبية الحقة. النقد في المملكة * هل هناك مشروع نقدي أدبي وثقافي في المملكة؟ وما هي مشروعاتك التي تعمل عليها الآن؟ - نعم. هناك مشروع، بدأه جيل الحداثة، وأعتقد أننا على الطريق، أما عن مشاريعي فهي مستمرة، سيصدر لي كتابان قريباً في النقد والفلسفة، وهناك كتب أخرى سترى النور تباعاً، بعضها نقدي، وبعضها إبداعي في السرد والشعر. لا تزال جذوة المعرفة توقد الروح، وتنير النفق. الوضع الأكاديمي * الوضع الأكاديمي في جامعاتنا.. كيف تراه وأنت أحد منسوبيه من ناحية الدارسين ومن ناحية الأساتذة؟ - في حالة تحوّل.. نأمل أن تكون للأفضل. أكاديميون أكفاء * الجامعة هي التي تقود التغيير في كل مكان، وهذا ما يفترض بجامعاتنا أن تفعله. هل تفعل ذلك؟ - نعم، ولا. أمَّا الأساتذة فهناك أساتذة جامعيون بحق، أكاديميون لهم ثقلهم وتأثيرهم في البحث والفكر العلمي، وهناك مدرسون مجتهدون ومبدعون، دورهم في القاعات عظيم ومؤثر، وهناك موظفون.. طلابُ رزق ومصالح شخصية ليس إلا، هذا النوع الأخير كثير للأسف، أتمنى أن تتخلص منه التغييرات الحاصلة في الوسط الأكاديمي. ** ** @ali_s_alq

مشاركة :