بعد تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي بشأن الهجرة غير القانونية أثارت زوبعة في علاقات بلاده مع إيطاليا، ألغى وزير الخارجية الإيطالي زيارة لباريس. هل العلاقات بين باريس وروما على مفترق طرق؟ خبراء يجيبون. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في لقاء مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أثار وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان غضب إيطاليا بانتقاده رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية المتطرفة جورجيا ميلوني على خلفية سياسة الهجرة، لكن يتوقع خبراء أن تستعيد روما وباريس اللتين تربطهما مصالح مشتركة لغة الحوار قريباً. تُثير مسألة الهجرة توتراً في العلاقات الفرنسية الإيطالية منذ سنوات. ولكن أجّج دارمانان الوضع بإعلانه أنّ ميلوني "عاجزة عن حلّ مشاكل الهجرة التي انتُخبت على أساسها". وألغى وزير الخارجية الإيطالي أنتونيو تاجاني بعد ذلك زيارة كانت مقررة إلى باريس مساء الخميس حيث كان سيلتقي نظيرته كاترين كولونا، وطالب الجمعة وزير الداخلية الفرنسي باعتذار، ولكن من دون جدوى. هل من مصلحة الطرفين تأجيج الخلاف؟ ويبدو أنّ زيارة جيورجيا ميلوني المتوقعة في حزيران/يونيو تم تأجيلها فيما يأسف دبلوماسيون في البلدين لرؤية الجهود التي بذلوها على مدى أشهر تتبدّد في غضون دقائق قليلة. ويرى أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة تور فيرغاتا في روما، جوسيبي بيتوني، أن "الجميع سيعودون إلى قواعدهم بسرعة". فمن الجانب الإيطالي ليس لدى ميلوني مصلحة بزيادة الضغط في وقت لديها الكثير لتفعله على صعيد السياسة الداخلية، لإدارة التضخم وتخصيص أموال لخطة التعافي الأوروبية. كما أنها تحاول تخفيف حدة الخلافات داخل أغلبيتها بشأن تعيين شخصيات لرئاسة الوكالات والشركات العامة. ويعتقد جوسيبي بيتوني أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليس لديه أيضاً أي مصلحة في هذا الجدل. ورأى أنها "قضية تسبّب بها دارمانان بمفرده الذي يمر بوضع صعب جداً"، مشيراً إلى أسابيع من التظاهرات ضد إصلاح نظام التقاعد والعنف الذي تخللها. ودعا أعضاء في الحكومة الفرنسية إلى التهدئة على الفور، خلافاً لما حصل أثناء الأزمة بين البلدين في تشرين الثاني/نوفمبر عندما رفضت حكومة ميلوني، بعيد تسلّمها السلطة السماح برسو سفينة إنسانية تابعة لمنظمة "إس أو إس ميديتيرانيه" غير الحكومية، استقبلتها فرنسا في تولون مع 200 مهاجر على متنها في نهاية ألأمر. والجمعة حاولت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن بنفسها تهدئة الأوضاع بالدعوة إلى "حوار هادئ" والإشادة بإيطاليا "الشريك الأساسي لفرنسا". " ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" واعتبر أستاذ التاريخ وعلم الاجتماع السياسي في "سيانس بو"، مارك لازار: "أنها رسالة قوية". وقال "إنها رئيسة الوزراء التي تدعو إلى إعادة العلاقات الجيدة بعد ملاحظتها التوتر الشديد". وتوقع لازار المتخصص في الشؤون الإيطالية أن تستمر التوترات "في الأشهر والسنوات المقبلة". بيد أنه رأى أن البلدين يدركان أنه يجب عليهما العمل معاً على مواضيع متعددة مثل إعادة التفاوض بشأن المعايير الاقتصادية لاتفاقية الاستقرار الأوروبي. واعتبر أنه "نظراً لمستوى ديونهما الكبير، فإنهما بحاجة إلى تشكيل جبهة مشتركة في مواجهة ألمانيا وما يسمّى بالبلدان المقتصدة". وأشار المدير المشارك في مركز "سينيرجيز ميغراسيون" للأبحاث بشأن الهجرة، ماتيو تارديس، أن "هذه ليست الأزمة الأولى ولا الأخيرة". وأضاف أن البلدين يدركان مع ذلك "الحاجة" لاستئناف الحوار بسرعة لمواجهة "القضايا الأوروبية المهمة جداً". ورأى أن "المناقشات على المستوى الأوروبي يجب أن تتوصل قبل نهاية العام إلى اتفاق أوروبي بشأن الهجرة". وقال "من حيث الشكل، يمثل ذلك تحدياً للحكومات الأوروبية والاتحاد الأوروبي بشكل عام للإثبات للرأي العام أن الاتحاد الأوروبي يمكنه اتخاذ تدابير والتوصل إلى اتفاق"، حتى لو كان "بالحد الأدنى" لحفظ ماء الوجه قبل الانتخابات الأوروبية المقررة في 2024 حيث يُخشى صعود قوي لأحزاب اليمين المتطرف. ومع ذلك، تبدو الحكومتان الفرنسية والإيطالية منقسمتين بين جهودهما للتغلب على خلافاتهما بشأن الهجرة ورغبتهما في إرضاء ناخبيهما. ويضاف إلى ذلك رغبة الحكومة الفرنسية في عدم التراخي مع رئيسة وزراء يمينية متطرفة في وقت تتقدم فيه زعيمة التجمع الوطني مارين لوبن، في استطلاعات الرأي في فرنسا. وفي حين حاول أعضاء في الحكومة الفرنسية وضع حد للجدل الجمعة، رأى ستيفان سيجورنيه زعيم الحزب الرئاسي في فرنسا والمقرب من إيمانويل ماكرون أن جيرالد دارمانان كان "محقاً في التنديد بعدم كفاءة وعجز اليمين المتطرف الأوروبي في مواجهة الهجرة غير الشرعية ". وقال على تويتر "كنا نعلم أن أسلوبهم لم يكن عادلاً ولا إنسانياً، ونرى اليوم أنه غير فعال أيضاً". خ.س/أ.ح (أ ف ب)
مشاركة :