مشاريع ثقافية بالمغرب لحفظ ذاكرة "أنفاس" الثورية

  • 2/17/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

نزار الفراوي-الدار البيضاء عاش المشهد الثقافي المغربي لحظة قوية مشحونة بمشاعر الحنين، حين جدد الشاعران والروائيان المغربيان عبد اللطيف اللعبي والطاهر بنجلون، ومعهما شخصيات ثقافية أخرى، الصلة بالذاكرة، بعد أن تفرقت بينهم السبل، في خطوة احتفالية لتخليد مرور نصف قرن على إطلاق مجلة أنفاس أقوى المنابر تأثيرا في التاريخ الثقافي للمغرب الحديث. ففي إطار فعاليات الدورة الحالية للمعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء التي انطلقت الجمعة الماضية، ضربت الشخصيات المؤسسة لمجلة أنفاس، التي احتضنت جيلا كاملا من المثقفين والمبدعين والفنانين من ذوي الفكر الطليعي الثوري، موعدا لنفخ الروح في شعلة مشروع فكري كان يروم هزّ أركان النظام الثقافي والسياسي المحافظ وطرق آفاق إبداع حر ومجدد في مجالات الأدب والتشكيل والفكر السياسي وغيرها. لا يتعلق الأمر باستئناف إصدار المجلة (1966-1972) التي تجاوز صيتها حدود المغرب، وإنما، حسب ما أكده اللعبي وبنجلون اللذين يحمل كل منهما جائزة غونكور الفرنسية الرفيعة (الأول في الشعر والثاني في الرواية)، بنقل تركة رمزية مهمة للجيل الحالي والحفاظ على ذاكرة ثقافية وطنية. وترمي المبادرة لإطلاع الشباب على قصة مجموعة من أقرانهم في عقد ما بعد الاستقلال، تحلت بالجرأة والروح النضالية لتأسيس مشروع فكري ثقافي تطلع إلى إحداث ثورة على مستوى بنيات الدولة والمجتمع، وهو جيل أدى الثمن غاليا، سنوات من الاعتقال والتضييق على الحريات. إعادة طبع أعداد المجلة التي كانت تصدر بالعربية والفرنسية، وتنظيم معرض حول الأعمال التشكيلية التي ضمتها، ثم تنظيم ندوة دولية حول إسهاماتها بمشاركة باحثين من الجزائر وتونس وفرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة وغيرها فضلا عن المغرب، وكذا إنشاء مؤسسة اللعبي من أجل الثقافة.. تلك بعض المشاريع التي تم الإعلان عنها خلال الندوة، في سياق حفظ الذاكرة والتعبئة من أجل رد الاعتبار للشأن الثقافي في ظل الوضع الكارثي لمستوى القراءة والبنيات الثقافية، على حد وصف اللعبي. وقد تحولت الندوة التي عرفت حضور جمهور حاشد إلى منصة لمحاكمة منظومة ثقافية تعاني من أعطاب هيكلية على مستوى بنيات الإنتاج وشروط الإبداع وضعف مستوى القراءة حتى داخل المؤسسات التعليمية، وهو ما يناقض، حسب المتحدثين، الحالة الحيوية التي كانت تطبع المشهد الثقافي المغربي في زمن أنفاس، حين كانت الوسائل محدودة وهامش الحرية مقيدا. اعتراف بنجلون من جهته، أقر الطاهر بنجلون بفضل مجلة أنفاس في الدفع بمساره ككاتب منذ نشر نصه الأول في عام 1968. وقال إنه لولا أنفاس ولولا عبد اللطيف (اللعبي) ربما لم أكن لأصبح كاتبا محترفا. ويذكر صاحب حرودة أن المجلة جسدت البعد الثوري التجديدي في أعمال ومقاربات جيل من الشباب الحالم بالتغيير، كل في قطاعه الإبداعي، وتصدت لهذه المهمة دون أي دعم أو رعاية من المؤسسات الإعلامية آنذاك. وكان بنجلون صريحا حين قال إنه يفتقد هذه الروح النضالية لنشر ثقافة التغيير في أوساط الشباب اليوم. وشدد المتدخلون، من مؤسسي التجربة على غرار الفنان التشكيلي الرائد محمد المليحي والشاعر مصطفى النيسابوري، على دور المجلة السباقة آنذاك في كسر الحدود بين الأجناس الإبداعية ومد جسور التبادل بين المبدعين في الشعر والسرد والفكر والتشكيل والسينما. بل إن أنفاس، كما استحضرها اللعبي، كانت واجهة مجددة سبقت إلى كسر حالة الانشطار ومد جسور التبادل الخلاق بين المثقفين المغاربة المعربين ونظرائهم المفرنسين. أنفاس لن تعود، يقول رموز النخبة المثقفة ذات المرجعية الثورية اليسارية، منذ ستينيات القرن الماضي، لأن السياق تغير، ولأن مهمة التحرك من أجل ثقافة متجددة وحيوية تقع على الشباب بالدرجة الأولى، بينما شيوخ المشهد الثقافي المغربي، بالوصف الساخر للعبي، مدعوون أساسا إلى إسناد ورعاية المبادرات الشبابية المؤمنة بالقوة التغييرية للثقافة.

مشاركة :