"علّم الإنسان ما لم يعلم" .. صدق الله العظيم؛ كلما تأملت هذه الآية الكريمة ازددت يقينًا بحقيقة أن الإنسان هو سرّ هذا الكون وجوهر قوته، وأن العلم والمعرفة متلازمته وزاده الأزلي وحبله السرّي الذي لا ينقطع ويمنحه إكسير التفوّق، ويمدّه بالطاقة للتغيير وإعمار الكون. "بيل غيتس"، "ستيف جوبز، "أيلون ماسك"، "مارك زوكربيرج"، "ترافيس كالانيك" وغيرهم من رواد الأعمال الأشهر في العالم، لم يجمعهم النجاح والتربّع على قمم الشهرة فحسب، بل أنهم وعلى الرغم من تجاهلهم للشهادة الجامعية، إلا أن شغفهم نحو المعرفة لم ينقطع قط للدرجة التي حتى استثماراتهم ومجالات أعمالهم كانت قائمة في أساسها على المعرفة، لأنهم أدركوا أن التعلّم ليس حكرًا على قاعات الجامعات والمدارس، وأن خلف الجدران آفاق رحبة لأخذ المعرفة وتنمية المهارات وصناعة المستحيل. نعم المهارات، تلك هي المسألة، وعلينا أن نظفر بها ونمتلك أدواتها لأنها لغة العصر وأبجدية النجاح، وحدها من تمنحنا القدرة على محاورة المبدعين، ووحدها من تتيح أمامنا الاعتلاء على المنصّات لنحصد الانتباه لروايتنا وسرد تجربتنا، والأهم أنها وحدها من ستضع تحت إمرتنا عصاء التغيير وتدوين توقيعنا في سجل الملهمين، وخذ بنصيحة "توماس هنري هكسلي": حاول أن تتعلم شيئًا واحدًا عن كل شيء، وكل شيء عن شيء واحد. في رؤية 2030، اعتبر مهندسها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان أن الاقتصاد المعرفي القائم على تمكين المواطن بالقدرات التي تمكنه من المنافسة عالميًا، العمود الفقري للنهضة التنموية الشاملة المنشودة، وأن تنمية المهارات عبر تطوير تعليم متين للجميع مرتكز على القيم والابتكار وريادة الأعمال، سيسهم في نشأت جيل شاب مؤهل لسوق العمل المستقبلي سواء على الصعيد المحلي أو العالمي، وسيكون له الدور الحيوي في تعزيز ريادة المملكة وترجمة مستهدفاتها الطموحة. لكن قبل ذلك، علينا مصادقة أنفسنا، نحاورها، نجعل منها خليلنا المقرّب، نكافئها بما استطعنا إلى ذلك سبيلا، نكافئها بالمعرفة دون توقف، بالتعلّم دون تردد، نحرمها من التخاذل والتكاسل، ونستثمر بها لأنها الأحق وتستحق، نجعل رغبتها نحو التطور مشتعلة، ونرغمها على مصاحبة من يدفعون بنا للارتقاء بذواتنا نحو الأعلى، ونردد على مسامعها أن العمل مُتعة، والتفكير ترفيه، والتأمّل راحة، وأن الحياة جميلة والعمر يمضي، علينا أن نبحث عما يُنمي مهاراتنا حيثما تكون، نبحث عن الحكمة أينما كانت، ونتجاهل "ما عندي وقت"، واعتزال ليس ما يؤذينا فحسب بل ما يؤخرنا ويرهقنا ونتجاهل من يحبط طموحاتنا ويقلل من قدراتنا، ونلتزم بما يدفعنا نحو الأمام، ونثق بذواتنا بأن نطلق لها العنان في مدارج التدبّر والتفكّر، ونحرّضها نحو فضول الشغف بما يُبقينا على جادة التفوّق، فكلما تعلمّنا أتسع الأفق وتجلّت الرؤية، وأول مدارج العلم أن نصنع حياتنا بأيدينا لا أن نحيا حياة غيرنا. لا ترهبك سطوة "المارد الرقمي" وتيقّن أنك أباه الروحي، أنت من أطلقت روحه وستبقى أنت الأساس، وبيدك خوارزميات تحركّاته، لذا فإنه لن يقوى على التمرد عليك أو ملئ فراغك. وإن كانت كما قال الأديب الروسي دوستويفسكي: البدايات للجميع والثبات للصادقين، فإن في كل يوم بداية جديدة، ومع كل تجربة انطلاقه ملهمة لك ومن حولك، وما الإنسان سوى بدايات تعقبها بدايات، لكن الأهم أن يبقى الأمل والتفاؤل والإيجابية عنوان أي بداية جديدة، وعلينا أن نكون على يقين بأن الرغبة والإرادة والمثابرة هي وحدها من تجعل أيامنا كما أردنا نحن، لأن الحياة ليست بحثًا عن الذات، بل رحلة لصنعها، وأن الفرق بين ما هو جيد وما هو سيء يكّمن في طريقة التفكير، فلنتعلّم ونعمل بجد وندع نجاحنا يصنع الفرق، فحين نؤمن بمهاراتنا وقدراتنا، سنصل بإذن الله إلى أبعد مما نتوقعه، وما للإنسان إلا ما سعى. السعي نحو الأمام يتطلب الالتزام، والالتزام يتطلب الاستدامة، والمثابرة، والانضباط، والتركيز على هدفك المنشود بالتسلسل والتقييم الدوري لكل مرحلة من مراحل العمل والبناء التي تؤهلك للانتقال نحو المرحلة التالية بثقة واقتدار وأساس صلب وسليم. تظاهر" دومًا بالرضا، واجعل من نفسك نموذجًا في عين الآخرين، تجاوز العداوات والمحبطين، واعفُ عن الهفوات، واجعل مبادئك قاعدتك الصلبة التي تمنحك القدرة على الصمود والثبات، وأبق تلك المساحة بينك وبين الآخر لتزداد مرونة في التقرّب والابتعاد لتنجو بعافيتك وتهب لنفسك السلام
مشاركة :