شهدت الخمسة عشر عاماً الماضية زيادة لافتة في عملية تكرار وإعادات لأعمال سابقة أو ما يسمى في السينماRemake فاقت أية فترة سابقة في تاريخ الفن السابع. أسباب الإعادات كثيرة، فالمنتجون يضعون في اعتباراتهم حسابات كثيرة قبل اتخاذ قرار صنع إعادة لفيلم ما. فعلى سبيل المثال قد يستحق فيلم خيال علمي قديم إعادة صنعه نظرا للتقدم الكبير في المؤثرات الخاصة التي باتت تجعلنا حائرين في الصورة لا نعلم إن كانت طبيعية أم مصنوعة بالحاسوب بسبب الجودة العالية لتلك المؤثرات. والأمر نفسه ينطبق على الأصناف الأخرى من الأفلام، فنرى أفلاما كوميدية معادة بقالب جديد في إطار الفكرة نفسها، ولو نظرنا إلى الأعوام الثلاثة الماضية- فقط مثلا - لوجدنا مجموعة من أفلام السبعينيات والثمانينيات أعيد صنعها مثل Carrie وRobocop و About Last Night وEndless Love، بعضها بالكاد تجاوزت إيراداته تكلفة إنتاجه لكنه لم يحقق ثلاثة أضعاف الميزانية وبالتالي لا يعتبر نجاحا كاملا. إذاً لماذا تصر استوديوهات هوليوود على المضي في عملية تكرار الأفلام السابقة دون كلل أو ملل؟. من أبرز أسباب صناعة إعادة الأفلام الخوف من تقديم عمل أصلي، فهذا النوع من العمل -أي الأصلي- غير مجرب ولا يستطيع المنتجون تكهن ردة فعل الجمهور عليه أو ضمان قبوله وبالتالي يخشون المخاطرة في إنتاجه وهذا هو سبب أن معظم الأفلام الناجحة على صعيد النقاد هي أفلام مستقلة أي لم ينتجها استوديو معروف مثل باراماونت أو يونيفرسال أو وورنر بروس، وإنما أنتجت عن طريق شركة صغيرة غير معروفة أو حصلت على دعم من هيئة حكومية مهتمة بتشجيع الإبداع في السينما. وبالتوازي مع المذكور أعلاه فإن فكرة تقديم فيلم قديم حقق نجاحا في الماضي بحلة جديدة إلى جماهير اليوم تعتبر شعبية جدا وذلك لأن الإعادة عادة لن تحتاج إلى تخصيص ميزانية كبيرة من أجل التسويق فيكفي ذكر اسم الفيلم القديم لتحويل الانتباه إلى الجديد. ولعلنا نذكر مثالا هنا في فيلم روبوكوب عندما أعلنت سترايك إنترتينمنت إعادة تقديم الفيلم للجمهور استخف صحافيو الفن السابع بالإعلان لكن مع مرور الوقت وتقدم عملية الإنتاج انجذبت الصحافة إلى تغطيته وتم طرح مقارنات بين طاقمه وطاقم الفيلم السابق الذي أخرجه الهولندي بول فيرهوفن، وهذا وحده صنع ترويجا للفيلم. الفيلم اعتمد على النسخة السابقة ولو كان اسمه غير روبوكوب لما وجد الاهتمام نفسه، ونستنبط هنا أن الإعادات عموما تحمل تلقائيا في داخلها عناصر جاذبة لاهتمام الصحافة والجمهور على حد سواء وتلك العناصر تتعلق عادة بطاقم التمثيل والاختلافات في القصة أو معادلة الفيلم والطريف أن عدد المواضيع التي تناولت روبوكوب 2014 فاقت تلك التي تناولت النسخة الأصلية. القانون نفسه ينطبق على فيلم آخر هو Pacific Rim عام 2013، فلو كان اسمه Godzilla مثلا لما عانى في تأمين 100 مليون دولار داخل الولايات المتحدة. فالجمهور بحث كثيرا في اسم الفيلم الذي لم يكن جاذبا وبالتالي تجنبه الكثيرون لكن لو كان اسمه معروفا ومن اسم فيلم سابق لعرفوا قصته فورا. أيضا نأخذ في الحسبان الأسباب المادية، فالاستوديوهات الكبرى تحكمها مجالس إدارات ومساهمون وهؤلاء يملون سياساتهم على المديرين التنفيذيين، فنجد أن مديرا تنفيذيا يعتمد في عرضه على استراتيجية الشركة للأفلام التي ستدر أرباحا بالتأكيد، فلا يجرؤ مثلا على المخاطرة بوظيفته بالقول: سننتج هذا العام فيلم رعب أصليا عن بيت مسكون من بطولة سام روكويل. لكنه يقول لهم إن الممثل المذكور سيقود بطولة إعادة لفيلم Poltergeist، أو روح شريرة وهو ذلك الفيلم الناجح الذي أنتج للمرة الأولى عام 1982، وبذلك فهو قد طمأنهم وضمن لهم ضخ أموال في خزينة الشركة وبالتالي ضمن استمراره في الوظيفة، ففي نهاية المطاف الإعادة تبدو أسهل للمقامرة عليها من أي عمل أصلي. ودعونا نذكر مثالا آخر في هذا الصدد تمثل في استغلال المستثمر دانيال لويب مؤتمرا صحفيا لشركة سوني بكتشرز لصب جام غضبه على مسؤولي الشركة بعد موافقتهم على إنتاج أفلام أصلية فشلت فشلا ذريعا مثل كارثة إم نايت شيامالان After Earth عام 2013 وفيلم White House Down العام نفسه. أعمال أدبية نضيف إلى ما سبق أن معظم أفلام اليوم تستند إلى أفلام سابقة أو عمل أدبي سابق ثبت نجاحه أو لعبة فيديو حققت أرباحا خيالية، مثل The Hunger Games وDivergent المقتبسين من أعمال أدبية وNeed For Speed و Hitman المقتبسين من لعبتي فيديو، وMr. Peabody and Sherman المقتبس من فيلم كارتوني قديم. والسبب أن استوديوهات الأفلام تخشى المخاطرة في إنتاج عمل لم يثبت نفسه سابقا ولو في صيغة أخرى، في الوقت ذاته فإن عددا كبيرا من الأفلام المعادة مرت بمراحل طويلة من التطوير المفروض من قبل تنفيذيي الأستوديوهات. هناك أيضا ما يعرف بقارئي الأستوديوهات وهم مجموعة متخصصة في الذهاب إلى المكتبات والبحث في القصص الأدبية أو غير الأدبية أو حتى القصص المصورة عما يصلح أن يكون مشروعا لفيلم. فمن الصعب تخيل أن شركة بحجم يونيفرسال تعطي ضوءا أخضر لإنتاج فيلم بميزانية منخفضة مثل Endless Love عن قصة حب بين مراهقين ومن بطولة اثنين غير معروفين، لذلك استغلال العناوين الموجودة في المكتبات هو حل يفضله الكثيرون في هوليوود. ولهذا السبب عندما اشترت شركة استثمارية قطرية استوديوهات مايراماكس ومكتبتها من ديزني في ديسمبر 2010 فإن المراقبين توقعوا إعادات لأفلام بارزة منها Rounders عام 2000 و Shakespeare in Love الحائز على جائزة أوسكار أفضل فيلم عام 1998 لدر المزيد من الأرباح. حظر الأسباب الأخرى تتنوع بين من يقول إن القصص والأفلام الأصلية ليست عملا مقدسا ليحظر استنساخه، ومن يقول إن الإعادات تعطي قراءة جديدة لعمل ما ونضرب مثلا في أعمال مثل فيلم Total Recall الذي لم يكن تحفة مثلا من ناحية الفكرة والمؤثرات الخاصة وقت صدوره عام 1990، فاستنسخ عام 2012 برؤية جديدة. ولدينا فيلم Man of Steel عام 2013 يتناول طرحا مغايرا لشخصية سوبرمان التي شاهدناها في سبعينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى عامل مهم مثل الفرق بين تجسيد الممثلين أندرو غارفيلد وتوبي ماغواير لشخصية سبايدرمان، فالثاني أعطى الشخصية ملامح مثيرة للاهتمام بظهوره كفتى مراهق خجول يبحث عن هويته وهو ما أضفى بعدا ترفيهيا كبيرا على الفيلم. تركيب ولا ننسى أن صانع الأفلام الأميركي كوينتن تارانتينو لم يصنع عملا أصليا في حياته وكل أفلامه مركبة من لقطات شهيرة من أفلام درجة ثانية وثالثة وهو نفسه لا يخفي ذلك، ودون أن ندخل في التفاصيل يكفينا مثالا فيلم Kill Bill المركبة لقطاته من أفلام صينية من حقبة السبعينيات وكل ما يفعله تارانتينو كتابة حوارات ذات مغزى ودلالات عميقة وإضفاء لمسات فنية إبداعية. وبالطبع نجاح فيلم معاد هو قطعا سبب يشجع على سلك هذا الاتجاه ويبرر لأي عمل معاد ناجح أو فاشل يأتي بعده، ففي عام 2010 أعادت سوني بكتشرز إنتاج فيلم The Karate Kid المنتج أصلا عام 1984 وأسندت بطولته إلى جيدن سميث (ابن النجم ويل سميث). الفيلم حقق نجاحا كبيرا بسبب اصطفاف كل عوامل النجاح إلى جانبه، فأولياء الأمور الذين شاهدوا الفيلم الأصلي أرادوا إعادة التجربة مع أبنائهم، وعندما ذاعت أخبار نجاح الفيلم ذهبت عائلات بأكملها وبأعداد ضخمة في الولايات المتحدة لمشاهدته، وما ساعد على نجاح الفيلم وخلق قبولا أكبر له عند الجمهور هي تغييرات ذكية وضعها كاتب الفيلم على معادلته. منها: نقل القصة من الولايات المتحدة إلى الصين وهو ما أضفى مصداقية أكبر عليها، ومنذ أن نجح الفيلم ومديرو سوني بيكتشرز يرددون هذه الجملة: نجح الفيلم في 1984 وتوقعنا أن ينجح مجددا في 2010 وسينجح في المرات المقبلة للأجيال القادمة. DVD Poltergeist عائلة تنتقل للعيش في منزل مسكون فتتعرض ابنتها للاختطاف من قبل الأرواح الشريرة. Total Recall عامل بناء يرى رؤى غريبة عن كوكب المريخ وامرأة غامضة تعيش عليه. Need for Speed متسابق سيارات متورط في قضية مع شريك سابق يدخل سباقا للانتقام من شريكه. The Karate Kid امرأة تسافر إلى الصين مع ابنها بسبب عملها حيث يتعرف الابن على خبير كاراتيه ويتعلم فنون القتال.
مشاركة :