هذا ما ذهب إليه د. جلال أمين في كتابة سيرة حياته الفكرية (ماذا علمتني الحياة)، ثم ألحقه بكتابه الثاني (رحيق العمر)، مركزا في الحديث عن الطرق وسبل التعليم التي سلكها بتوجيه من أبيه العلامة (أحمد أمين) صاحب الموسوعة المعروفة في التاريخ الإسلامي، وما اكتسبه هو بجهده بعد أن اتضحت علامات ومسارات الحياة الفكرية التي وجد نفسه ملكا لها يقدم بين الحين والآخر مساهماته العلمية والثقافية في ثقة تتكئ على التمكن من سرد الحكايات ورصد المعلومات ومناقشتها. ليس جلال وحده من قدم مثل هذه الأعمال بل هناك الكثير ممن زودوا المكتبة العربية والعالمية بسيرهم الفكرية التي كانت ولاتزال بمثابة إنارات في طريق المعرفة، وتوجيه لمن أراد أن يشارك بمعارفه ومعلوماته، عن طريق السرد المتسلسل لكي يعطي فسحة للمتابع تمكنه من التخيل والإضافة بما يموج في نفسه من أحاسيس تدور في محيط المعرفة، ويكون الهدف الإفادة، بقدر المستطاع الذي يجيء من جرَّاء محصوله التعليمي والثقافي المكتسب منهجيا واكتسابا بالتجارب، والتي ليست شرطا أن تكون من محصول عمري تجاوز العقود الكثيرة من الزمن. بل ربما تكون تجربة لشاب/ شابة في مقبتل العمر، ولكن التحصيل جاء إما عن طريق القراءة والتعليم، أو نتيجة فعل حصل ولفت الأنظار وشَدَّ إلى محاولة تصويرة ليراه الآخر كمشاركة في متصور واحد يفيد ويضفي تجربة لأخرى في عملية تراكمية تكون خلاصتها أن الحياة فعل وتفاعل تحتم على الجميع العمل للأفضل. (في حياتي تعلمت) كتاب حمل أوابد وخواطر، وربما بعض القصص التي تكتسي بالحكمة المُوجِّهة والمفيدة. قادني إلى التقديم السابق ما قدت به كتمهيد لأتنقل بين صفحات كتيب حمل العنوان السابق، كتبته (فاطمة الزهراء الأنصاري) ولسان حالها يقول: "غصت إلى الأعماق، وتحررت من القيود، وآثرت الانطلاق. انفعالات نفسية، وفلسفية، صغتها بحروف أصبحت كلمات عبَّرت عن هذه الانفعالات". وعلى طريقة الكتابات الجديدة التي تكون اولياتها على المواقع الإلكترونية، بوابتها الثقافة، وإطارها الاختصار، والأهم جس النبض لدى المتلقين، ومن ثم مدى القبول وما يمرره المعلقون من المطلعين، فهناك من يساند ويساعد ويرشد، وهناك من يمارس ما يشبه التقريع والقمع، ولكن من دخل في هذا الميدان لابد أن يجد له مخرجاً، وأن يستفيد حتى من الانتقادات السلبية التي قد تكون مقصورة على فئة تريد أن تمرح وتمزح، وتقول أي كلمات، المهم أن يكون الاسم ولو تحت غطاء الاستعارة، ولكنه يكون بمثابة التنفيس، ورب ضارة نافعة، حيث إن بعضاً ممن كان هدفه العبث تحول بالتكرار والتجارب إلى زائر دائم تسللت إليه الجدية قسرا، فقد وجد بالصدفة من مهّد له الطريق السوي لكي يقول ويستمر مشاركا بفعلٍ صقلته عملية الإصرار والتكرار، وحب الذات، وغريزة حب التملك والظهور، فصار. في بداية الكتاب ينساب الإهداء الصادق الذي يصوِّر محبة الأم وقدْرها عند الكاتبة: "إلى روح أمي الخالدة، والتي رحلت بجسمها إلا أنها باقية في كياني ووجداني، في فكري وإحساسي، فهي التي علمتني كيف أتعلم من حياتي فوصيتها كانت (يا بنيتي لاتكتمي علماً حتى ولو كان وضع وردة في إناء). هذه الجزئية من الإهداء تمثل الشعور البانورامي لما يعتمل في ذات الكاتبة من أفكار ومشاعر، واحاسيس ترتكز على أساس إنساني/ إنسانوي، حيث النصيحة والتوجيه للجنسين، ذكر/ أنثى، فالإنسان هو المحور، وكل قول سطره قلمها كان مستمدا من تجربتها الحياتية، بالعلم والاكتساب والممارسة، والتعامل، وكل شيء يؤكد على البرهنة لإثبات النفس في دائرة الحياة المتسعة/ تتسع دوما. تؤكد الكاتبة بأنها تقدم تجاربها التي تعلمتها من الحياة الخاصة، وتجارب الآخرين، وأنها عرفت الصحيح وحاولت تصحيح غير الصحيح، وتصر على أنها لخصت ما كتبته في فقرات "أسْهَبْتُ في المعنى، ولكنّي أوْجَزْتُ في الكلمات". ولإتمام الموضوع ولعدم الإطالة، أورد خاطرتين من الخواطر العديدة التي يضمها الكتاب: ** الحب شعور جميل قوي، يولد فجأة، وينطلق في النمو بلا رقيب، بل يزيد ويكبر ويعلو ويسمو، فإذا امتلأت النفس وفاضت الجوانح، فإنه ينضح إلى الخارج، ويصيب من حوله وكل من يلامس صاحبه. ** السؤال؟ أن أكون أو لا أكون هذا سؤال معروف لشكسبير ولكنه بالنسبة لي، فإن كينونتي ليست مشروطة بحلول جسدي في المكان والزمان، فالوجود المعنوي أحيانا يكفي. إذاً، السؤال المهم هو أين أكون، ومع من أكون، ولماذا أكون؟ حيرة اللا حيرة ولكن الحياة بغلالاتها المجهولة التي لا تتكشف لك إلا وقت الحدث تكون مكمن اللذة والألم في آن، غير أنه يكون في محل القبول الحتمي.
مشاركة :