تحاول الولايات المتحدة أن تعيد الحرارة إلى علاقاتها مع شركائها الخليجيين، وخاصة مع السعودية والإمارات اللتين سجلتا في السنتين الأوليين لحكم الرئيس جو بايدن مؤاخذات واضحة حول إستراتيجية واشنطن تجاه الخليج. وتأتي في هذا السياق زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إلى السعودية وعقده لقاء رباعيا ضم إلى جانب المسؤول الأميركي، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، ومستشار الأمن القومي الهندي أجيت دوفال، ووسط تساؤلات عن مغزى مشاركة الهند في هذا الاجتماع. ويرى المراقبون أن واشنطن تريد استعادة ثقة حلفائها التاريخيين في الشرق الأوسط، لاسيما السعودية والإمارات، ولذلك حرص سوليفان على لقاء الأمير محمد بن سلمان والشيخ طحنون في مسعى لإذابة الجليد مع البلدين، وإن بدا أن الأمر بات صعبا بعد أن اختارت الرياض وأبوظبي تنويع شراكاتهما وتحالفاتهما إثر ما لمستاه من برود أميركي وتهديدات مبطنة من إدارة بايدن بشأن التحالف الدفاعي من خلال التلويح بنقل منظمات دفاعية وطائرات أميركية من الخليج إلى جنوب شرق آسيا. ◙ سوليفان أشاد بالتقدم المحرز في إنهاء حرب اليمن والجهود غير العادية للسعودية لمتابعة خارطة طريق للسلام، وفق بيان أصدره البيت الأبيض ومن الواضح أن الولايات المتحدة قد اكتشفت أن الخليج تغير بخطوات كبيرة لم تتوقعها، وأن القيادات الجديدة في المنطقة لم تعد تقبل باستمرار علاقات غير متكافئة مع واشنطن وغيرها، وأن إمكانيات الخليج الهائلة يمكن أن تساعده على بناء علاقات متكافئة ليس فقط مع الولايات المتحدة، ولكن مع مختلف الدول المؤثرة في المنطقة بدءا من الصين وصولا إلى الهند وروسيا. وفشلت مختلف أوراق الضغط الأميركية، بما في ذلك ورقة حقوق الإنسان التي تم التلويح بها في وجه ولي العهد السعودي، في أن تؤثر على الموقف الخليجي، وبدا الأمر أكثر وضوحا حين اعتمد الخليجيون ورقة النفط بما يخدم مصالحهم بقطع النظر عن حسابات واشنطن وضغوطها العلنية والسرية، وهي الصدمة الأكثر تأثيرا في تغيير سياسة واشنطن تجاه حلفائها الخليجيين وجعلتها على اقتناع بضرورة التحرك سريعا لتبريد الخلافات. وزاد التقارب الخليجي مع الصين مخاوف الأميركيين من خسارة نفوذهم وفقدان الفرص الكبرى التي كانت تحت أيدي الشركات الأميركية، وهو ما يمكن فهمه من خلال الخطاب الهادئ لسوليفان تجاه السعوديين ومحاولة إظهار التقارب مع الرياض في ملف اليمن. ووجه استقبال الرئيس الصيني شي جينبينغ في الرياض، في ديسمبر الماضي، وتوقيع اتفاقيات، رسالة واضحة إلى واشنطن تفيد بأن الخليجيين يمكن أن يتركوا واشنطن وراءهم، خاصة بعد أن تدخلت الصين بشكل فعال لرعاية اتفاق بين السعودية وإيران سيفضي إلى إنهاء حالة العداء بينهما بشكل مباشر أو في الإقليم، وهو الوضع الذي كانت تستفيد منه واشنطن للضغط على الخليجيين. وأيا كانت نوايا إدارة واشنطن من زيارة سوليفان والوفد الهام المرافق له، ومدى توفقه في طمأنة الخليجيين، فإن متابعين للشأن الخليجي يتساءلون عن مغزى وجود الهند في الاجتماع الرباعي ونوايا الأميركيين من وراء ذلك، وهل أن واشنطن تدفع إلى تشكيل نواة تحالف خليجي – هندي في مواجهة الدور المتعاظم للصين في الخليج وجنوب شرق آسيا، وهل سيقبل الخليجيون بذلك في ظل تطور علاقاتهم مع بكين. وتساءل المراقبون كذلك لماذا لم تسع إدارة بايدن إلى توسيع قائمة المشاركين الخليجيين والعرب في اللقاء الذي عقده سوليفان ليكون امتدادا لتعهدات بايدن خلال زيارته إلى السعودية في يوليو من العام الماضي وعقده قمة عربية – أميركية موسعة، أم أن فشل الزيارة في تحقيق ما كان يريده الرئيس الأميركي من تحالف عربي – أميركي – إسرائيلي قد دفع إلى تضييق دائرة من يفترض أن يلتقي بهم سوليفان خلال زيارته إلى السعودية. وقال البيت الأبيض إن سوليفان التقى بولي العهد السعودي الأحد واستعرض ما وصفه البيت الأبيض بأنه “تقدم كبير” في جهود السلام في اليمن. ◙ الولايات المتحدة اكتشفت أن الخليج تغير بخطوات كبيرة، وأن القيادات الجديدة هناك لم تعد تقبل بعلاقات غير متكافئة وقال بيان البيت الأبيض “استعرض (سوليفان) التقدم الكبير في المحادثات الرامية إلى تعزيز الهدنة المستمرة منذ 15 شهرا في اليمن، ورحب بالجهود الجارية التي تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب، بالإضافة إلى تناول مجموعة أخرى من القضايا”. وأضاف البيان أن سوليفان شكر ولي العهد على دعم السعودية للمواطنين الأميركيين أثناء عمليات الإجلاء من السودان. وأشار البيت الأبيض إلى أن سوليفان أجرى لقاءات ثنائية مع الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان ومستشار الأمن القومي الهندي لبحث “القضايا الثنائية والإقليمية”. وكشفت وزارة الخارجية الأميركية أن المبعوث الأميركي الخاص لليمن تيم ليندركينغ سافر إلى عُمان والسعودية في وقت سابق من هذا الشهر للسعي لدفع جهود السلام في اليمن. وكان سوليفان قد تحدث هاتفيا مع الأمير محمد بن سلمان في 11 أبريل الماضي وأشاد بالتقدم المحرز في إنهاء حرب اليمن و”الجهود غير العادية للسعودية لمتابعة خارطة طريق للسلام”، وفق بيان أصدره البيت الأبيض. وضم الوفد المرافق لسوليفان السفير الأميركي لدى السعودية مايكل راتني، ومنسق شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك، والمنسق الرئاسي في وزارة الخارجية آموس هوكستين، وكبيرة مستشاري الأمن القومي أريانا بيرنجاوت.
مشاركة :