قمة التوافق في البحر الميت: حضور واسع ولقاءات ثنائية وثلاثية لـ «إذابة الجليد»

  • 3/29/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

تلتئم في البحر الميت (غرب عمّان) اليوم القمة العربية الـ28 برئاسة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وبحضور واسع من القادة العرب يتخطى مستوى مشاركات القمم العربية في السنوات الأخيرة. وتناقش القمة 16 بنداً على جدول الأعمال، و «إعلان عمّان»، وتحديد موعد القمة المقبلة ومكان انعقادها. ومن المقرر أن ينقل الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز رئاسة القمة إلى العاهل الأردني، الذي يفتتح القمة، ويعطي الكلمة للأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط الذي يُقدم تقريراً للقادة عن أجندة العمل العربي المشترك وتحدياته. ويشارك في القمة مسؤولون دوليون وجه إليهم الأردن دعوات، وهم: الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يوسف بن أحمد العثيمين، ورئيس البرلمان العربي مشعل بن فهم السلمي، والممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، نائب رئيس المفوضية الأوروبية فيدريكا موغيريني، ومبعوثون من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا. واعتبر مسؤول أردني بارز تحدث إلى «الحياة» أن الحضور بهذا الحجم المميز يؤكد ثقة العواصم العربية في مركزية الدور الذي يمكن أن يلعبه الأردن طوال سنة رئاسته القمة الحالية. ولم يخف المسؤول قناعات عمّان بحجم الأزمات التي تمت برمجتها على قائمة جدول أعمال القمة اليوم، وعلى رأسها تطورات عملية السلام، والقضية الفلسطينية، والإرهاب، ولم الشمل العربي، وإعادة إحياء العمل العربي المشترك. ولاحظ أن القمة الحالية، والتي سماها الأردن قمة التوافق، ستقوم بدور فاعل في إجراء مصالحات وتقارب وإنهاء الفتور الواضح بين أكثر من عاصمة عربية. وأكد أن «إعلان عمّان» سيكون محدداً ومركزاً، خصوصاً في التشديد على مواقف مركزية عربية، على رأسها التمسك بمبادرة السلام العربية كما طُرحت عام 2002 في قمة بيروت، ورفض التدخلات الخارجية في شؤون الدول العربية كمبدأ عام وشامل. ووصل الرئيس عبدالفتاح السيسي أمس إلى الأردن للمشاركة في القمة. وقالت الرئاسة المصرية في بيان إن السيسي سيعقد على هامش مشاركته في القمة لقاءات ثنائية مع عدد من الملوك والرؤساء العرب. وأوضح الناطق باسم الرئاسة السفير علاء يوسف أن القمة يُنتظر أن تتطرق إلى سبل تفعيل العمل العربي المشترك على صعيد مكافحة الإرهاب والتطرف، إلى جانب التعاون في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. وأكد الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير حسام زكي أن هناك أجواء إيجابية تحيط بالقمة الحالية، وأن هذه الأجواء تفضي إلى لقاءات ثنائية وثلاثية بين القادة العرب من شأنها أن تساهم في إزالة الفتور بين بعض الدول. وقال لوفد من الإعلاميين المصريين إلى القمة، إن «التفاهمات بين القادة تؤدي إلى قمة ناجحة» و «إزالة للفتور والمشاكل عن طريق دخول طرف ثالث يساهم في ذلك. وهذه كلها أمور تصب في مصلحة العمل العربي المشترك». وعبر عن قناعته بأن «نسبة الحضور والمشاركة ستكون مرتفعة، وهذا دليل على اهتمام القادة بالقمة»، مشيراً إلى ان «موقع الأردن وعلاقاته الطيبة بالجميع تؤهله ليكون مضيفاً متميزاً لجميع الزعماء المشاركين في القمة». وأكد أن طبيعة المواضيع والظروف الاستثنائية التي تشهدها المنطقة تجعل الجميع يستشعر الخطر، مضيفاً أن الموقف العربي يحتاج إلى تعزيز وتضامن، وإلى أن يكون القادة العرب جنباً إلى جنب في هذا المرحلة. ولفت إلى أن كل هذه العوامل المجتمعة يؤدي إلى أن هذه القمة ستكون قمة فيها الجديد والمزيد من التقدم للأمام، ورفض ما يقول به البعض من المتشائمين من أن هذه القمة «ليست قمة إيجابية». وقال: «إننا في الجامعة العربية نرى عكس هذا التشاؤم، ونرى أنها قمة إيجابية، ويمكن أن تشهد أيضاً قدراً من التفاهمات بين القادة العرب». وأوضح أن ملف الإرهاب يحظى بأولوية كبيرة لدى الجامعة والدول الأعضاء لأن الإرهاب أصبح يضرب الجميع، ولديه إمكانية للضرب في أي مكان للأسف الشديد، وبالتالي لا بد من مكافحته والعمل على اجتثاثه بطرق عدة، وليس بالطرق الأمنية والعسكرية فقط، وهي جزء من منظومة أكبر يتم تطبيقها وتشمل نواحي اقتصادية وفكرية وثقافية واجتماعية، وهي منظومة متكاملة». وقال إن هناك إجماعاً عربياً على هذه المسألة، وإن العمل في مكافحة الإرهاب يشكل أولوية كبيرة لكل الدول العربية. وأوضح زكي أن الأمين العام للجامعة أحمد أبوالغيط لم يتحدث أبداً عن موقف فلسطيني جديد أو مشروع جديد ضمن مشاريع التسوية، مشيراً إلى أن مشاريع القرارات الخاصة بفلسطين عادة تشكل نحو 30 صفحة، وأن الجانب الفلسطيني أعاد صوغها بحيث تؤدي المعاني نفسها ولا تتجاوز 20 صفحة. وقال إن الجانب الفلسطيني عرض الصياغة الجديدة على الدول العربية لتنسيق المواقف، وإن أبوالغيط تحدث عن الصياغة الجديدة التي تتجاوب مع تغيرات الأمور والأوضاع، لكن لم يشر إلى تغير في مضمون القرارات. وفي ما يتعلق بخطة التحرك العربي بعد انفضاض القمة مع الوضع في الاعتبار زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي واشنطن عقب القمة، ثم زيارة العاهل الأردني الولايات المتحدة بصفته رئيساً للقمة، ثمّن زكي أهمية الزيارتين، وقال إن للملك عبدالله الثاني مطلق الحرية في إطار ولاية ممنوحة له من القادة لخدمة القضايا العربية، وإذا كان نشاطه يبدأ بزيارة واشنطن والحديث عن القضية الفلسطينية والقضايا العربية الأخرى، فإن هناك ثقة في عرضه المواقف العربية بما ينبغي أن تعرض، مشيراً الى أن زيارة السيسي ايضاً في غاية الأهمية. وأشار إلى لقاء بين الممثل الخاص للرئيس الأميركي للمفاوضات الدولية جيسون غرينبلات والأمين العام للجامعة على هامش القمة العربية بناء على طلب الجانب الأميركي، وذلك لمحاولة فهم مواقف الإدارة الأميركية في هذا الموضوع. إلى ذلك، يقدم أبوالغيط ثلاثة تقارير للقمة تتناول أولويات العمل العربي المشترك، في مقدمها تطورات القضية الفلسطينية، والأزمات في كل من سورية وليبيا واليمن. وصرح الناطق باسم الأمين العام محمود عفيفي بأن التقرير الأول يتضمن تطورات التعامل مع مواضيع الأولوية في العمل العربي المشترك خلال المرحلة الحالية، وعلى رأسها تطورات القضية الفلسطينية، والتعامل مع الأزمات في كل من سورية وليبيا واليمن، وتدخلات الأطراف الإقليمية في الشؤون الداخلية للدول العربية، وصيانة الأمن الإقليمي العربي ومكافحة الإرهاب، وأبرز تطورات عمل أُطر التعاون العربي مع الأطراف الدولية الفاعلة كالتعاون العربي - الإفريقي والتعاون العربي - الأوروبي، والتفاعل مع المنظمات الدولية والإقليمية. وقال عفيفي إن التقرير يتناول تطورات التعاون الاقتصادي والاجتماعي التنموي العربي المشترك بما يشمله ذلك من مخاطبة الجهود الرامية لإقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وإنشاء الاتحاد الجمركي العربي، وتحقيق الأمن الغذائي العربي، والتعاون في مجالات الأمن المائي والبيئة والطرق والمواصلات والتكنولوجيا. وأوضح عفيفي أن التقرير الثالث يتعرض الى موضوع إخلاء المنطقة العربية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، وهو التقرير الذي يشمل أيضاً عرض أبعاد التقرير الذي أعدته لجنة الحكماء التي سبق أن شكلها الأمين العام بهدف طرح اقتراحات في شأن كيفية إعطاء دفعة للجهود العربية في مجال نزع السلاح. شكري يبحث عملية السلام مع غرينبلات: نعمل للحفاظ على صدارة القضية الفلسطينية التقى وزير الخارجية المصري سامح شكري، على هامش الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية في منتجع البحر الميت لأردني، الممثل الخاص للرئيس الأميركي لشؤون المفاوضات الدولية جيسون غرينبلات، وتم البحث في مستجدات القضية الفلسطينية ومستقبل عملية السلام في الشرق الأوسط. ونقل بيان وزعته وزارة الخارجية المصرية عن شكري تأكيده في مستهل اللقاء أن مصر «تسعى بكل جهد إلى الحفاظ على صدارة القضية الفلسطينية على الساحة الدولية، وتتفاعل في شكل إيجابي مع كل المبادرات والتحركات التي تهدف إلى إيجاد حل شامل وعادل لها». وأشار إلى أن الملف الفلسطيني «سيكون مطروحاً بقوة خلال الزيارة المقبلة للرئيس عبدالفتاح السيسي لواشنطن (الأسبوع المقبل)»، وأن الطرح المصري للقضية الفلسطينية سيكون «وفقاً لما تم التنسيق والتشاور في شأنه فلسطينياً وعربياً وبناءً على مبادرة السلام العربية»، منوهاً بما تم الاتفاق عليه مع الجانب الفلسطيني خلال الزيارة الأخيرة للرئيس محمود عباس للقاهرة. وأكد غرينبلات «التزام الرئيس دونالد ترامب العمل مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لتحقيق سلام دائم من خلال المفاوضات المباشرة»، مثمناً في هذا الصدد «الدور المصري على الصعيدين الإقليمي والدولي الرامي إلى الوصول إلى تسوية للصراع». وأكد شكري أن مصر «ستستمر في التواصل مع الشركاء الدوليين الذين لديهم القدرة على حلحلة الأوضاع لاستعادة الزخم والدعم الدولي لاستئناف عملية السلام وتشجيع الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني على العودة إلى المفاوضات». القمة تعود إلى الأردن بحضور مميز بعد 16 سنة تخللتها حوادث جسام عادت القمة العربية الدورية إلى عمان مرة ثانية بعد 16 سنة على القمة السابقة، جرت خلالها حوادث جسام في العالم العربي، وتغيرت نظم حكم، واحتُلت عواصم، واندلعت انتفاضات، وعقدت تحالفات، وتعاقب أمناء عامون على رئاسة الجامعة العربية التي صمدت على رغم كل الظروف وأبقت على نفسها، هي التي احتفلت قبل القمة بأسبوع بذكرى مرور 42 عاماً على تأسيسها كإطار للعمل العربي المشترك. وقال الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط إن شخصيتين كبيرتين قادتا الجامعة، وسار الجميع بعدهما على النهج نفسه: الأمين العام الأول عبد الرحمن عزام (من 1945 إلى 1952)، والأمين العام الثاني عبد الخالق حسونة (من 1952 إلى 1972). كان أبو الغيط يتحدث بحميمية عن المبنى في ميدان التحرير في قلب القاهرة، وعن معماره المتميز، ولمح إلى أن مصممه المهندس محمود رياض، الذي تصادف أن يكون اسمه مشابهاً لاسم الأمين العام الثالث (الديبلوماسي المصري محمود رياض)، والذي كان شاهداً على نقل المقر إلى تونس في أعقاب قرار قمة الصمود والتصدي في بغداد عام 1978 عقب توقيع الرئيس المصري الراحل أنور السادات اتفاقية كمب ديفيد. وعلى رغم أن مؤسسة الجامعة بحكم ميثاقها ونظمها ولوائحها هي مؤسسة حكومات، فإن الشارع العربي استمر في مطالبته بأن تراعي المؤسسة الشعوب. وربما التفت الأمين العام السادس عمرو موسى إلى هذه النقطة تحديداً، فطوّر مشاركة للمجتمع المدني، إلا أنها تظل محدودة. ويظل الشارع يسأل عن نتاج عمل الجامعة وعن إضافتها، وينظر بطرف عين إلى الاتحاد الأوروبي وما أنجزه على الأرض من اتفاقات تتيح للمواطن الأوروبي الانتقال الحر والاستثمار المباشر والعملة الموحدة. واستضاف الأردن قمتيْن سبقتا القمة الدورية عام 2001، الأولى هي القمة الحادية عشرة عام 1980، ثم مؤتمر القمة الرابع غير العادي عام 1987. إلا أن قمة عمان عام 2001 التي أطلقت آلية الانعقاد الدوري، تميزت بحضور لافت، وبسبب العلاقات المتميزة للمملكة الأردنية مع الدول العربية، فإن هذه القمة أيضاً يتوقع لها كثيرون حضوراً لا يقل عمن شاركوا في القمة الأولى عندما حضر 15 ملكاً ورئيساً وأميراً. لكن المناخات مختلفة، ففي 2001 كانت القضية الفلسطينية تتصدر أولويات نقاشات الزعماء العرب، بالإضافة إلى بحث الخلافات في شأن تنشيط التجارة البينية بين الدول العربية أملاً بالوصول إلى «السوق العربية المشتركة». لم يكن الربيع العربي قد هبّ على المنطقة، وكانت الدول والمجتمعات محتفظة بكياناتها، والخلافات العربية، إن نشبت، فهي بين الحكومات، وربما أثارت مباراة كرة قدم هنا أو هناك مشاحنات بين الشعوب. لكن الآن، تواجه بلدان عربية «غول» التنظيمات الإرهابية وخرائط مهددة بالتقسيم، وحجماً غير مسبوق من التدخلات الخارجية في الشأن العربي... هناك لاجئون فارون مستنجدون من دول الصراع والحروب الأهلية، وخلافات بين الشعوب تزكيها وسائل التواصل الاجتماعي... وهناك الكثير الذي ينتظره الشارع العربي من قمة عمان التي يستضيفها الأردن في منطقة البحر الميت.

مشاركة :