مضاعفة عقوبة التحرش الجنسي تصطدم بتسامح أسري في مصر

  • 5/9/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أعادت الحكومة المصرية تغليظ عقوبة التحرش الجنسي بعد عامين فقط من إقرار عقوبة كانت وصلت إلى أربع سنوات، لكن السلطات رأت حتمية الوصول إلى محاسبة صارمة ضد الاعتداءات التي باتت تطال النساء لفظيا وجسديا، كإحدى أدوات الترهيب والردع الموجهة ضد العناصر المعتدية. وتضمنت التعديلات، التي ستتم إحالتها إلى البرلمان لمناقشتها والمصادقة عليها قريبا، أنه إذا كان الجاني ممن له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليها أو ارتكبت الجريمة في مكان العمل أو إحدى وسائل النقل العام أو الخاص تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات، وقد تصل إلى عشرة أعوام. تطرقت العقوبات الجديدة إلى أنه في حال وقوع التحرش الجنسي من الأقارب أو أحد أفراد العائلة أو الذين يتولون تربية المجني عليها يتم تغليظ العقوبة ومضاعفة الحد الأدنى لها، وتصل إلى الحبس لما هو أبعد من سبع سنوات، ولو كان الجناة شخصين أو أكثر أو مجموعة كاملة، فتتم معاقبتهم جميعا. وتصطدم مساعي الحكومة المصرية لتطهير المجتمع من التحرش الجنسي بإقرار عقوبات مشددة بانتشار ثقافة التسامح الأسري من الجناة، وعدم اللجوء إلى محاسبتهم قضائيا، خوفا من جلب الفضيحة للفتاة والتشهير بها أو تدخل وسطاء ومعارف لحل القضية بشكل تصالحي بعيدا عن الشرطة. ويعتقد خبراء أن العقوبات المشددة ضد المتحرشين مهما كانت صارمة لن تكون كافية أمام سلبية الكثير من الأسر وغياب جرأة شريحة كبيرة من الفتيات في الاعتراف بتعرضهن للاعتداء اللفظي والجسدي، خشية ردة فعل العائلة والمجتمع والتفتيش في أخلاقهن وتصرفاتهن وملابسهن وسلوكياتهن. التعديلات الجديدة تنص على تغليظ العقوبة ومضاعفة الحد الأدنى لها إذا وقع التحرش من الأقارب أو أحد أفراد العائلة وترتبط النظرة التشاؤمية بشأن مواجهة التحرش بالعقوبات فقط لأن شريحة كبيرة من الأسر لا تزال غير مكترثة بأن أي فعل مشين تجاه المرأة يمكن تصنيفه على أنه معيب ويستحق المساءلة القضائية، وبالتالي ليس من السهل وضع حد للاعتداءات الجسدية عبر مسارات قانونية، تجهلها بعض الأسر أو تخشى السير فيها. ولا تمر واقعة تحرش جنسي في مصر دون لوم الضحية، ما يدفع الكثير من الأسر إلى العزوف عن السير في إجراءات مقاضاة المتحرش على اعتبار أن هناك من يستسهلون تقديم مبررات استباقية للواقعة، ويكون التسامح مع الجاني فرض عين على هذه الفئة إلا لو كانت الأسرة تتمتع بقدر من التحدي لجلب حقوق ضحاياها من النساء. وصادق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي منذ نحو عامين على تعديلات قانونية مرّرها البرلمان وأقرتها الحكومة، وقضت بأن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاور أربع سنوات كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأيّ وسيلة كانت، بما في ذلك وسائل التواصل السلكية واللاسلكية والإلكترونية. ووسّعت التعديلات الجديدة قاعدة العقوبة لتشمل التحرش الجنسي الذي يصدر عن مقربين، كأحد أفراد الأسرة، وتطرقت إلى الإيحاءات اللفظية والاعتداءات الجسدية التي تحدث في بيئة العمل، وهذه من الحوادث المسكوت عنها، لكن يصعب على الضحية البوح بها إلا لمقربين، وكان من الصعب علاجها عبر مسارات قضائية. أيّ عقوبة يتم إقرارها، مهما كانت مشددة، لن تحد من وقائع التحرش طالما استمرت السلبية الأسرية ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن أيّ عقوبة يتم إقرارها، مهما كانت مشددة، لن تحد من وقائع التحرش طالما استمرت السلبية الأسرية، وعدم تقديم الدعم النفسي والمعنوي ومساندة الضحية عائليا للقصاص من الجناة، وطالما استمر حل القضايا المتعلقة بالتحرش عبر مسارات تحكمها أعراف وتقاليد وجلسات تصالحية ودية، فالتصدي للظاهرة ووقفها سوف يكون دربا من الخيال. ومن المستبعد جلب الدعم الأسري لضحايا التحرش قبل انتشار ثقافة المحاسبة عند الأسر نفسها وتوعية المجتمع بمختلف فئاته بأن التعرض للأنثى، قولا أو فعلا أو إيحاء، يصعب التصدي له بالصمت أو الخضوع للضغوط العرفية، ويتطلب ذلك إقرار الناس بأن المساس بالمرأة بأيّ شكل هو مساس بكرامة وشهامة المجتمع والأسرة، والصمت على الفعل يدفع المتحرشين للمزيد. وقال محمد هاني الاستشاري النفسي والباحث في العلاقات الأسرية بالقاهرة إن أزمة بعض الأسر في تعاملها مع وقائع التحرش كتصرف لا يستحق التقاضي ويكفي اعتذار الجاني، مع أن الأنثى تدفع وحدها فاتورة الأذى النفسي والجسدي وتعيش حالة من الانكسار يصعب ترميمها، وهذا لا تقتنع به العائلات، لأنها لا تعي ثقافة المواجهة. وأضاف لـ”العرب” أن الردع القانوني تجاه المتحرشين لن ينجح في غياب ردع أسري، ولا قيمة لتشريعات مشددة مع وجود أسر لا تؤمن بها وتخشى تفعيلها، وطالما استمر التعاطف مع الجاني من مقربين أو غرباء سوف يصعب تطبيق سياسة الردع لأنها تتطلب توحد جميع أفراد الأسرة لتطهير الأجواء العامة من المتحرشين. وتميل بعض الأسر إلى عدم الإبلاغ عن المتهم بالتحرش لكون المجتمع نفسه اقتنع بأن النبش في قضية مرتبطة بجسد المرأة أمام المحاكم يمسّ شرفها وعفتها ويلحق بها الفضيحة والعار، وقد يتم الانتقام منها مستقبلا من عائلة المتحرش، مع أن الدولة لديها أدوات عدة لحماية الضحية وأسرتها، إذا بلّغت الأجهزة الأمنية بتعرضهم لتهديد. Thumbnail وأصبح حصول أيّ فتاة على حكم قضائي ضد المتهم بالتحرش من الوقائع النادرة، ما يعكس غياب ثقافة القصاص من الجناة عند أغلب الأسر، وقد تكون هذه القضايا مدعومة من منظمات حقوق المرأة التابعة للحكومة، أي توفر للضحية المساعدة والأمان من الأذى وتدافع عنها إلى حين حصولها على حق وسط لوم المجتمع لها. وتنادي بعض الجهات الداعمة لتطبيق الردع القانوني في مواجهة المتحرشين بحتمية غلق ثغرات يمكن أن تقود إلى تصالح الضحية وأسرتها مع المتهم تحت ضغوط عائلية أو تهديد من جانب أسرة الجاني، ولن يتحقق ذلك قبل فرض عقوبة خاصة على المتحرش كحق للمجتمع والدولة، ولو تنازلت المجني عليها لأيّ سبب. ومن شأن إقرار عقوبة خاصة بالمجتمع والدولة أن تحجّم ظاهرة السلبية الأسرية في مقاضاة المتحرشين، لكن العبرة في إثارة واقعة التحرش نفسها بالنبش فيها أو تصويرها ليكون أمام الجهات القضائية دليل يمكن من خلاله أن تعاقب المتهم، ولو تنازلت الضحية، لأن السلبية في المواجهة تشرعن التحرش في غياب الردع. وثمة وقائع تحرش لم تكن تلاحق قضائيا لولا نشرها على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تحركت أجهزة الشرطة والنيابة العامة للتحقيق فيها، على الرغم من سلبية الأسرة، ما يستدعي أن يكون التجريس الإلكتروني للمتحرشين ضمن وسائل المواجهة وتملك أجهزة الدولة وثيقة تمكّنها من جلب حق المجتمع من المتحرش. ويتطلب الوصول إلى مجتمع خالٍ من التحرش أن تتعامل الحكومة مع هذه الوقائع كشأن يخص هيبة الدولة، وعليها أن تقتص للمجتمع وتحاسب الجاني بعيدا عن شجاعة الضحية وأسرتها، واعتبار التحرش من جرائم النظام العام التي لا تسقط فيها العقوبة.

مشاركة :