كشفت مصادر مسؤولة لـ«الراي» أن إجمالي استحقاقات أدوات الدين العام التي سدّدتها الحكومة للبنوك الكويتية في السنوات الـ5 الماضية تبلغ أكثر من 3.58 مليار دينار، وذلك من أدوات سندات وتورق محلي صدّرتها قاربت قيمتها 3.84 مليار حتى أبريل 2017، وكانت تشكل 9.9 في المئة من إجمالي الناتج المحلي عن السنة نفسها. وتعد سيولة صندوق الاحتياطي العام أبرز موارد التسديد التي لجأت إليها الحكومة خلال فترات السداد. وبينت المصادر أن إجمالي استحقاقات سندات الدين العام المتبقية حالياً للبنوك المحلية تبلغ 260 مليون دينار، منوهة إلى أنه من المخطط أن تسدد الهيئة العامة للاستثمار للبنوك المحلية خلال السنة المالية الحالية نحو 50 مليون دينار عبارة عن دفعات مستحقة، ليتبقى عليها نحو 210 ملايين من المرتقب سدادها على دفعات حتى 2027. الشريحة الأولى أما بالنسبة لاستحقاقات سندات الدين العام التي طرحتها الحكومة بالأسواق الدولية في الفترة نفسها التي طرحت فيها السندات المحلية، أوضحت المصادر أنها بحدود 8 مليارات دولار، تم سداد استحقاق الشريحة الأولى منها في مارس 2022 والمحددة لأجل 5 سنوات بـ3.5 مليار، فيما تحل الشريحة الثانية لأجل 10 سنوات، البالغة قيمتها 4.5 مليار، والمجدول سدادها دفعة واحدة في عام 2027. وأضافت المصادر أن الحكومة تسدد سنوياً فوائد على سندات الدين العام الدولية تقارب 24 مليون دينار وذلك استحقاقاً على تمويلاتها، ما يعني أن إجمالي الدفع المستحق المتعلق بالدين العام خلال السنة المالية الحالية سيبلغ 74 مليوناً، شاملة مبلغ الفوائد والأقساط المستحقة خلال هذه الفترة، علماً أن الكويت حددت سعر الإصدار الدولي لسنداتها عند 75 نقطة أساس فوق السندات الأميركية لأجل 5 سنوات، و100 نقطة أساس لأجل 10 سنوات. ووفقاً لتحسن أوضاع السيولة العامة في صندوق الاحتياطي العام، خصوصاً خلال 2022 والأشهر الماضية مدعومة باستقرار أسعار النفط عند مستويات عالية، من المرجح ألا تواجه الكويت أي مشكلة في سداد استحقاق بقية السندات المحلية أو الشريحة الثانية من السندات الدولية، مع استبعاد سيناريو تسييل أي من أصولها وفي مقدمتها الأسهم، كما كان مقترحاً قبل سداد الشريحة الأولى من السندات الدولية، وتحديداً عندما كان يواجه صندوق الاحتياطي العام ضغوط تدني منسوب السيولة لمستويات كانت تهدّد بنفاد أصوله السائلة. اقتراح معلّق ولفتت المصادر إلى أن استمرار الحكومة في سداد سندات الدين العام يأتي في وقت لا يزال فيه إقرار قانون الدين العام معلقاً بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بسبب الرفض النيابي لإقرار أي مشروع جديد، وذلك منذ انتهاء صلاحية قانون الدين العام في أكتوبر 2017، فمنذ هذا التاريخ لم تتمكّن الحكومة من الاقتراض، واعتمدت بدلاً من ذلك على صندوق الاحتياطي العام للوفاء بمتطلبات الموازنة العامة. وذكرت المصادر أنه وسط غياب قانون للدين العام يتعين وضع خطة اقتصادية تتضمن مراجعة سياسات مالية واقتصادية عدة، على أن توافر أي مراجعة بهذا الشأن استدامة مقدرة المالية العامة على سداد كامل الدين. فضلاً عن ذلك، يتوجب أن تشمل أي معالجة مقدمة بهذا الخصوص توفير مصادر إضافية للدخل العام تضمن تفادي التعرض مستقبلاً لأزمة سيولة أو للعجز المالي، لا سيما في ظل ارتفاع المصروفات المتوقعة في الميزانية التقديرية للعام المالي الحالي إلى نحو 26.3 مليار دينار. عجز الموازنة وحسب تقرير سابق لوكالة ستاندرد آند بورز يقدّر إجمالي الدين الحكومي العام للكويت عند نحو 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين تبلغ نفقات الفوائد نحو 1 في المئة من إجمالي الإنفاق العام. وأوضحت المصادر أنه ورغم التغيرات الإيجابية في مسار قدرة الدولة المالية خلال الفترة الماضية، كان من الواضح تمسك الحكومة السابقة، وعلى الأرجح الحالية، بإقرار قانون الدّين العام، على أساس أن عدم وجود إستراتيجية شاملة لتمويل عجز الموازنة، يُمثل مخاطر تمويلية للدولة، خصوصاً إذا ما انخفضت أسعار النفط من جديد. وتُرجع مصادر مسؤولة تمسك الحكومة بقانون الدين العام إلى أكثر من سبب، لعلّ أبرزها: 1 - دعم السيولة في صندوق الاحتياطي العام. 2 - تمويل المشاريع التنموية المدرجة في الميزانية السنوية. 3 - إعادة تمويل أو استبدال دَين عام قائم إذا دعت الحاجة. 4 - دعم وتطوير أسواق المال في الدولة. 5 - غياب قانون الدين عموماً يهدّد بخفض التصنيف السيادي، حيث ترى وكالات التصنيف أن افتقار الكويت إلى إستراتيجية تمويل شاملة يزيد من مخاطر توافر السيولة لديها، لا سيما في حال تعرّض أسواق النفط لتقلبات غير متوقعة. إذ من الواضح أن احتياجات الحكومة لإقرار قانون الدين العام تتجاوز نطاق قدرتها على سداد سنداتها المصدرة للدين العام في 2017، إلى اعتبارات إضافية تذكي الرهان على استمرار الحكومة في دفعها لإقرار قانون الدين ضمن جملة قوانين تستهدف إقرارها ضمن خطط التنمية المستهدفة. المصارف غير سعيدة باستعادة ديونها من الدولة! نظرياً، تعد استعادة البنوك المحلية لديونها التي أقرضتها للدولة في 2017 أمر جيد، باعتبار أهمية انتظام الحكومة في سداد سنداتها المحلية محاسبياً بالنسبة لدفاتر البنوك المحلية، وكذلك فرصة إعادة إقراض هذه الأموال التي منحتها بفائدة رخيصة وقتها بتسعير اليوم. إلا أنه عملياً يشكل السداد الكلي للقروض السيادية محلياً ضغوطاً إضافياً على فوائض السيولة التي تعاني منها أصلاً المصارف الكويتية، حيث ستزداد مع ذلك طبقات السيولة المصرفية التي تبحث عن فرصة مناسبة للتوظيف. ويكفي الإشارة هنا إلى أن حجم الأصول المصرفية السائلة لدى بنك الكويت المركزي حسب النسب الرقابية المقررة تقارب 7.5 مليار دينار. وإلى ذلك، تواجه البنوك المحلية تحديات واسعة مع تراجع حجم الإنفاق الاستثماري محلياً مقابل زيادة فوائض السيولة لديها، ولعل ما يزيد هذه التحديات ارتفاع مستويات المخاطر في الأسواق الخارجية بعد التطورات الجيوسياسة منذ حرب روسيا وأوكرانيا، ما تطلب مزيداً من التقيد بالنفس الاحترازي استثمارياً. ومع استعادة جميع مبالغ الدين العام المحلي، تكون البنوك زادت مستويات المبالغ المستثمرة بمعدل فائدة ربما يكون أرخص حتى من المقرر في 2017، باعتبارها موظفة في سندات تنظيم السيولة، ما يجعل البنوك من الناحية الاستثمارية غير سعيدة بالكامل بانتهاء الدين العام، خصوصاً إذا لم تُفتح مستقبلاً آفاق جديدة للإنفاق الرأسمالي، وتنمو محافظها للقروض بمعدلات تقلل مستويات الفوائض، ومن ثم خفض كلفة الأموال.
مشاركة :