الحكومة المصرية تلجأ إلى الحوار لتجنب الصدام حول تشريعات مثيرة للجدل

  • 5/11/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عكست تكليفات رئاسية لإجراء حوار مجتمعي موسع حول تشريعات أسرية جديدة حجم الشواغل، وربما المخاوف، المرتبطة بإمكانية تمرير قوانين “جريئة” تتعارض مع توجهات وقناعات الشارع، في ظل ارتباطها بأبعاد دينية وسياسية، ما قد يتسبب في أزمة معقدة بالتزامن مع انطلاق الحوار الوطني مع قوى مختلفة. وكلّف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الحكومة، الاثنين، بإجراء حوار مجتمعي واسع ومتعمق حول مشروعات قوانين يجري إعدادها، وهي: قانون الأحوال الشخصية للمسلمين، والأحوال الشخصية للمسيحيين، وإنشاء وتنظيم صندوق دعم الأسرة. ودعا إلى الإنصات باهتمام لجميع الأصوات واستيعاب الآراء المتباينة. ولا تريد الرئاسة وضع الحكومة في مواجهة مع الشارع كون التشريعات الأسرية الجديدة عليها تحفظات منذ الإعلان عنها في خضم معارضة الأزهر للعديد مما طُرح حولها، تحديدا إلغاء الطلاق الشفهي واستبداله بالموثق، وتنحية المؤسسة الدينية عن المشاركة في إعداد تلك القوانين لمواقفها المتشددة. ويستثمر الرئيس السيسي أجواء الحوار الوطني الذي انطلق الأربعاء الماضي، وشاركت فيه قوى سياسية مؤيدة ومعارضة له، ولا يريد إظهار الحكومة كأنها تتحدى الشارع والأصوات الرافضة لرؤيتها أو أنها تتعامل بالأمر الواقع مع تشريعات تمس حياة الناس، وتتلامس مع الديانتين الإسلامية والمسيحية، وإمكانية توظيف ذلك سياسيا. الرئاسة لا تريد وضع الحكومة في مواجهة مع الشارع كون التشريعات الأسرية الجديدة عليها تحفظات منذ الإعلان عنها في خضم معارضة الأزهر للعديد مما طُرح حولها ويوحي التوجه الجديد بوجود نية لتثبيت ثقة القوى السياسية في توجهات النظام تجاه الدخول في حوار موسع مع جميع الأطراف، لأنه سيكون من الصعب على المجتمع تقبل فكرة انفتاح النظام على أصحاب الرؤى، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ويتم إقصاء المختلفين معه في تشريعات تنظم شؤون حياتهم. وترى دوائر سياسية أن التوجه لإجراء حوار مجتمعي مع الناس حول تشريعات بعينها لا ينفصل عن محاولات متشعبة لاستعادة الثقة في الحكومة، وتقريب المسافات مع المواطنين واستطلاع وجهات نظرهم في ما يتم التخطيط له مستقبلا، لأنها ليست مستعدة للدخول في صدام تستثمره قوى معارضة لتخريب ما يحققه الحوار الوطني. وتركت أجواء الحوار لدى الشارع شعورا بوجود تغيرات في قناعات السلطة نحو المختلفين معها، حيث شهدت أولى جلساته السماح لمعارضين بالتعبير عن وجهات نظرهم بحرية، وجرى النبش في قضايا مسكوت عنها، مثل الحريات والقيود الأمنية والتضييق السياسيين، وأذيع كل ذلك في الإعلام الرسمي. ويرى مراقبون أن النظام أدرك قيمة الحوار العام ولأي درجة يضمن تخفيف نبرة الغضب في الشارع، والكف عن ترديد اتهامات بالعناد في تمرير رؤى معينة في قضايا وملفات حيوية دون اكتراثها بتوجهات الناس. ويؤكد هؤلاء المراقبون أن الأزمات التي تواجه الدولة لن يتم حلها سوى بالحوار مع خبراء ومتخصصين ومهتمين، وليس بقرارات فوقية تسببت في مشكلات معقدة، ولن يحدث الحوار إلا بالتعامل مع أصحاب الخبرة والكفاءة والتشارك بعيدا عن التشكيك. وقال إكرام بدرالدين رئيس قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة لـ”العرب” إن الحوار مع الرأي العام خطوة جيدة تعزز ثقة الشارع في الحكومة، ويتم غلق ثغرة يمكن أن تلعب عليها أطراف معادية تستثمر حالة التخوين وتحاول إحداث البلبلة من خلال اللعب عل وتر مخاوف الناس. الحكومة تدرك تبعات الصدام مع الأزهر، لذلك ترغب في تجييش الرأي العام خلفها لدعمها في مواجهة أي تشدد ديني ويقود العناد مع الشارع في ملف مرتبط بتشريعات مجتمعية وأسرية متداخلة مع الديانتين الإسلامية والمسيحية إلى حالة تمرد في الشارع، والدولة لا ترغب في وصول العلاقة مع الناس حد المواجهة والتحدي لمجرد إظهار أن رؤيتها صائبة. وقد تكون رؤية الشارع والخبراء والمتخصصين واقعية، عكس بعض التوجهات الرسمية الخاطئة، ما تسبب في مشكلات تركت خلفها تعقيدات سياسية، بينما التحديات التي تواجه السلطة لا تسمح بالعناد. وأوضح بدرالدين أن إدخال الشارع طرفا في الحوار المرتبط بالتشريعات يجعل الحكومة قريبة من الناس ولا تظهر كأنها تعيش في جزر منعزلة، لأن إحساس المواطن بأن صوته مسموع يعزز فكرة الشراكة بين الحاكم والمحكوم. ويوحي التوجه الرسمي في مصر نحو استبدال الحوار مع الأزهر، المتحفظ على التشريعات الأسرية المعاصرة، بالحوار مع ممثلي الفئات المجتمعية بأن مؤسسة الرئاسة عقدت العزم على إزاحته عن هذا الملف، لكنها تدرك تبعات الصدام مع الأزهر، لذلك ترغب في تجييش الرأي العام خلفها لدعمها في مواجهة أي تشدد ديني. كما أن إقرار تشريع خاص بالمسلمين وآخر للمسيحيين حاكم لعلاقاتهم الأسرية ليس بالأمر السهل سياسيا في مجتمع تحكمه العاطفة الدينية، وتعلو فيه أصوات التطرف الفكري، وهي نقطة أخرى ترغب الدولة في تجاوزها بأقل خسائر ودون صدام مع قوى متشددة لها تأثير واضح على عقول الناس. من السهل على الحكومة أن تمرر قانونا يزيد الأعباء الاقتصادية ولو كان الناس يعيشون حالة احتقان وتذمر وثورة في العالم الافتراضي ويتحرك الرئيس السيسي ناحية التوسع في الحوار المجتمعي مدفوعا بإرادة سياسية تستهدف وضع حد لنفوذ الأزهر الذي يحاول تقييد يد السلطة في إقرار تشريعات أسرية عصرية، وتعوّل الدولة في هذه المعركة على مفكرين ومثقفين وأصوات منفتحة تقف في صف مدنية الدولة ومواجهة هيمنة الفقه على التشريعات الحديثة. ومع كل طرح من الحكومة المصرية لإلغاء أو تعديل نصوص تلامس تشريعات مرتبطة بالأحوال الشخصية، الإسلامية أو المسيحية، يزعم سلفيون وإخوان وبعض رجال الأزهر أن النظام المصري يريد سن قوانين تخالف الدين وتكرس لعلاقات أسرية محرمة، ما دفع الدولة لإطلاق حوار عقلاني ينسف ادعاءات المتطرفين. ويبدو أن النظام لا يريد الظهور بأنه قليل الحيلة أمام ارتفاع صوت التشدد، ولا يرغب في الصدام مع شارع لم يعد يثق كثيرا في توجهات الحكومة، ولجأ إلى الحوار لتجنب الوصول إلى حالة من الاستقطاب السياسي يصعب غلقها وسط تحديات اقتصادية معقدة تفرض على السلطات الحاكمة منع وجود بؤر صراع على أساس ديني. ومن السهل على الحكومة أن تمرر قانونا يزيد الأعباء الاقتصادية ولو كان الناس يعيشون حالة احتقان وتذمر وثورة في العالم الافتراضي، لكن من الصعب إجبار المجتمع على التعاطي مع تشريعات يتم التشكيك في مشروعيتها الدينية، بالتالي فالاستعانة بالحوار فرض عين على السلطة، لأن التوقيت بحاجة إلى حنكة سياسية. وإذا كانت الحكومة ترغب في إشراك أصحاب الشأن لإضفاء حالة من الشعبوية على توجهاتها، فهي تحتاج أولا إلى الاقتناع بأهمية الحوار المجتمعي بما يتجاوز حدود البحث عن دعاية سياسية والإيحاء أنها منفتحة وتستمع لرؤى مختلفة، وتقتنع بما يُطرح وتقوم بالمتابعة المستمرة، فالنظام وحده قد يدفع فاتورة إخفاقها في إدارة الحوار مع الناس.

مشاركة :